التفريط في ثروة “الملح” فجر موجة من الاحتجاجات داخل تونس، تصاعدت إلى حملات شعبية وسياسية تطالب بكشف الفساد، وتأميم “ثروة الملح” وفقا لنص الدستور التونسي، بأن الثروات الطبيعية ملك للشعب التونسي، بحيث تمارس الدولة السيادة عليها باسمه كما تُعرض عقود الاستثمار المتعلقة بها على اللجنة المختصة بمجلس نواب الشعب، وتُعرض الاتفاقيات التي تبرم في شأنها على المجلس للموافقة.
ويشير نشطاء سياسيون وخبراء اقتصاد، إلى أن الوضع الاقتصادي في تونس، والمطالب الشعبية بتحقيق العدالة الاجتماعية ورفع مستوى المعيشة ومكافحة الفساد، كانت عوامل مساعدة لإثارة “ملف الملح” باعتباره نموذجا لحالة من حالات الفساد وإغفال الدولة لثرواتها، حسب تعبير الخبير الاقتصادي التونسي الدكتور كمال بوسندي، وأن حركة الاحتجاجات انطلقت تطالب بالشفافية في ما يتعلق بالثروات الباطنية، خاصة احتكار استغلال السباخ التونسية (الأراضي المالحة) من قبل شركة فرنسية لإنتاج الملح بعقود مضى عليها أكثر من نصف قرن.
وملف الملح، حسب توضيح خبير الطاقة التونسي وعضو جمعية توانسة ضد الفساد، رضا مأمون، يرجع إلى تاريخ إبرام العقد مع الشركة الفرنسية عام 1949، حيث تكبدت الدولة خسائر كبيرة في مستوى تأجير السباخ لصالح هذه الشركة.
وقال مأمون لوكالة الأنباء الفرنسية، إن أجرة الهكتار حتى اليوم ما تزال تبلغ فرنكًا واحدًا فقط منذ 1949، بينما تبلغ قيمة الأجرة عالمياً للهكتار الواحد ما بين 14 و 15 دولارًا، ولذلك فإن التفريط في ثروة الملح يكبد الدولة خسائر بنحو 4 مليارات دينار سنويا.
وأوضحت وزارة الصناعة التونسية، أن الشركة الفرنسية هي الوحيدة التي لا تخضع لـقانون ينظم عملية استغلال الثروات الطبيعية في تونس، بحكم أنها بدأت عملية الاستغلال الأرض قبل الاستقلال التونسي (سنة 1956)، وبهذا أصبحت غير ملزمة بقوانين استغلال الثروات المتبعة مثل بقية الشركات، ومنذ ذلك الوقت يقضي الاتفاق المبرم بين الطرفين إلى استغلال الشركة لسباخ تونس مقابل فرنك واحد للهكتار، ورغم ارتفاع ثمن الهكتار مع مرور السنين، إلا أن الاتفاقية ما زالت جارية دون أي مراجعة.
ومن جانبه قال السياسي التونسي، بشير الجعيدي، لوكالة الأنباء التونسية الرسمية، إننا قمنا بثورة من أجل فتح مثل هذه الملفات التي تمس السيادة الوطنية، ونحن لسنا ضد عمل الشركات الأجنبية في تونس، ولكن يجب أن يكون العمل بصفة متوازية، خاصة وأن شركة كوتزال التي تستغل “سبخة جرجيس”، لها انعكاس سلبي على الوضع البيئي للثروة البحرية من الأسماك، من خلال الترسبات التي تفرزها المواد التي تستغلها الشركة.
يذكر أن، أكثر من شركة أجنبية تستغل السباخ “الأملاح” المنتشرة في أنحاء متفرقة من تونس ومن أهمها الشركة العامة للملّاحات التونسية “الكوتزال” وهي شركة فرنسية، تعمل في أربع مناطق، بينها سبخة جرجيس، جنوب شرق البلاد، ويرى التونسيون أن “ثروات الملح” هي “الذهب الأبيض” أو نفط تونس.