«فري بيسكس» .. صراع بين أحقية الأمن المصري في الرصد وحرية المستخدمين
هناك حساسية مفرطة، لدي مستخدمي الإنترنت في مصر، تجاه كل محاولات تنظيم الاتصالات، سواء من قبل أجهزة الدولة التي تشرف على تنظيم الخدمة أو الشركات الخاصة التي تعمل على توفيرها.
وفيما يخص مراقبة الأتصالات، فلدى المصريين قناعة، لاتتزحزح، لخصوها من خلال وسم “إحنا متراقبين” الذي تصدر منصة تويتر، في يونيو/حزيران 2014، والذي جاء كرد ساخر على تصريحات مدير إدارة العلاقات العامة بوزارة الداخلية اللواء عبد الفتاح عثمان، بخصوص سعي الوزارة لتفعيل مشروع رصد المخاطر الأمنية لشبكات التواصل الاجتماعي، «منظومة قياس الرأي العام».
ورغم تأكيدات الداخلية احترام الدولة لحق المواطن في المعرفة وضمان وصيانة القانون لخصوصية الأفراد وحرية الرأي وتبادل المعلومات، إلا أن مسودة المشروع التي كشفت عنها صحيفة الوطن المصرية أثارت غضب وسخرية المواطنين، ما أسفر عن مقاضاة الداخلية، على إثر هذا الإعلان.
تجددت الشكوك حول رقابة مصر، لشبكة الإنترنت أمس، الجمعة، وذلك عقب، ما ذكرته وكالة رويترز للأنباء من أن مصدرين على معرفة مباشرة بالمناقشات بين «فيس بوك» والحكومة المصرية، قالا إن الخدمة المجانية أوقفت لأن الشركة لم تسمح لمصر باختراق وسائل تأمين الخدمة لتنفيذ المراقبة.
وأفادت الوكالة بأن المصدرين رفضا الكشف بالضبط عن طلبات مصر بشأن الوصول للمعلومات أو الممارسات التي طالبت الحكومة تغييرها، وعلى الرعم من رفض كلا من «فيس بوك» و«اتصالات مصر»، التعليق على رواية رويترز وقتها، إلا أن المتحدث باسم وزارة الاتصالات المصرية محمد حنفي، قال، إن السبب يعود إلى أن الجهة الوطنية المنظمة لقطاع الاتصالات، رأت أن الخدمة تضر بالشركات وبمنافسيها.
وأعلنت شبكة «فيس بوك»، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عن تعاقدها مع اتصالات مصر، إحدي مزودي خدمة الهاتف المحمول، إدخال خدمة الإنترنت المجاني «فري بيسكس إنترنت» وتوفر الخدمة مدخلا للمستخدمين إلى فيس بوك وعدد أخر من المواقع دون رسوم، إلا أن مصر أعلنت إيقافها بعد شهرين تقريبًا، من تشغيل الخدمة.
وقالت الحكومة المصرية، إن الترخيص الذي حصلت عليه شركة «اتصالات» لخدمات الهاتف المحمول لتفعيل خدمة الإنترنت المجاني مدته شهران فقط.
ونفت شركة اتصالات، صحة ما تردد لطلب وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، التجسس على عملاء الشركة، عقب التعاقد مع شبكة فيس بوك. وذلك على لسان مصدر، رفض ذكر اسمه، لصحيفة اليوم السابع القاهرية.
وعلق عضو مجلس النواب المصري جمال عباس، لـ«الغد» قائلاً إن، مطالب إغلاق وسائل التواصل الاجتماعي، تسيء لصورة مصر بالخارج وتصورها على أنها دولة تعادي الحريات وتقف في وجه من يحاول التعبير عن رأيه.
وأضاف، أن هذا لا يمنع ضرورة وضع ضوابط على وسائل التواصل الاجتماعي، وتحديدًا «فيس بوك»، بما يوجه أداءه بحيث لا يؤثر بالسلب على الأمن القومي المصري.
الهند أيضا تمنع «فيس بوك» المجاني
وتعاني خدمة فيس بوك الجديدة «فري بيسكس» للإنترنت المجاني، في عدة دول غير مصر، بسبب ما وصفه نشطاء بـ«انتهاك لحياد فضاء الإنترنت»، وتوفر الخدمة خيارات محدودة من المواقع، وهو ما يساهم في تفضيل مواقع أو شركات على حساب أخرى، ما يجعل الويب مع الوقت عبارة عن شبكة فيس بوك وحدها. وبسبب الهجوم على الخدمة الجديدة، أصدرت حكومة الهند في فبراير/شباط، قرار إيقاف خدمة «فري بيسكس» بعد مشاورات علنية على مدى شهرين.
حكاية القضية رقم 1430
وكانت مصر قد منعت خدمة رسائل المحمول الجماعية، بقرار إداري من جهاز تنظيم الاتصالات في أكتوبر/ تشرين الأول 2010، حيث ألزم الجهاز، الشركات التي تقدم الخدمة بالحصول على ترخيص، نظير رسوم قدرت حينها بنصف مليون جنيه، ونصف مليون أخرى مقابل التأمين عن مخالفة ضوابط الترخيص.
وأوضح مستشار وزير الاتصالات حينها، أن الرسوم تخصص لتغطية رواتب الموظفين القائمين على عملية مراقبة الرسائل، وهو ما رفضه القضاء المصري، في الدعوى رقم 1430 لسنة 65 قضائية نوفمبر/ تشرين الثاني 2010.
قضية قطع الاتصالات 2011
وشهدت مصر عددا آخر من القضايا، حيث كشف حكم محكمة القضاء الإداري الصادر عام 2011 في قضية قطع الاتصالات خلال أحداث 25 يناير، وجود محاولات للمراقبة بدأت وفقاً لتقديرات عام 2008.
وأجرت وزارات الداخلية والاتصالات والإعلام بحكومة أحمد نظيف، تجارب في 6 أبريل/نيسان عام 2008 والأخرى في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2010، وبمشاركة شركات المحمول.
وكلا التجربتين استهدفت قطع الاتصالات بشكل جزئي وحجب بعض المواقع الرقمية، وفرض حظر دخول على شبكة الإنترنت «لمدينة أو لمحافظة أو لعدة محافظات»، أو إبطاء مواقع رقمية محددة.
وهو ما تم تطبيقه بشكل منهجي خلال أحداث يناير.
تسريبات Blue Coat والقبضة الإلكترونية
في سبتمبر/أيلول 2014، نشرت صحيفة الوطن المصرية، أن وزارة الداخلية تعاقدت مع شركة مصر للنظم الهندسية، التي قيل إنها فازت بمناقصة توفير آلية تنفيذ مشروع رصد المخاطر الأمنية لشبكات التواصل الاجتماعي، والتي سبق وأن دافع عنه اللواء عبد الفتاح عثمان، وبحسب ما نشر وقتها فإن الشركة المصرية التي لديها سوابق تعامل مع جهاز أمن الدولة المصري، هى الوكيل المصري لشركة Blue Coat الأمريكية، المتخصصة فى تكنولوجيا المراقبة والتجسس.
وكانت وثائق مسربة من داخل مقر جهاز أمن الدولة الذي أقتحم في أحداث مارس/آذار 2011 من قبل متظاهرين، قد كشفت سابقة تعامل الجهاز مع «مجموعة جاما الدولية»، المتخصصة في توفير تقنيات للتجسس على بيانات وأنشطة مستخدمي شبكات الاتصال الرقمي واللاسلكي، وهو ما أدي فيما بعد للإطاحة، بمنظومة الداخلية المصرية التي دافعت عنها باستماته، على اعتبار أنها معنية بحماية الأمن القومي، بينما أطلقت عليها صحف القاهرة مسمي «منظومة القبضة الإلكترونية».