مر البرلمان المصري بعدة أطوار وعدة حوادث رسمت منذ البداية شكل العلاقة بينه وبين السلطة التنفيذية، وإن لم يظهر هذا بشكل واضح، لكن تظل هذه الحوادث لحظات فارقة في مسيرته منذ تأسيسه، وفي ذكرى مرور 150 عامًا على بدء الحياة النيابية المصرية ، نرصد هنا أبرز هذه الأحداث:
أول جلسة انعقاد يوم عيد ميلاد الخديوي
حاول الخديوي إسماعيل تقليد أوروبا في جميع مناحي الحياة، سواءً كان ذلك على مستوي العمارة الباذخة للقاهرة الخديوية وتخطيط ميادينها وشوارعها أو غيره من المظاهر السياسية فقام بتأسيس مجلس شورى النواب عام 1866 وكان مكونًا من 75 عضوا من كبار ملاك الأراضي الزراعية، وكان معظمهم من العمد في الأقاليم الموالين للسلطة رغم انتخابهم.
وتزامن انعقاد أول جلسة برلمانية فى تاريخ الحياة النيابية المصرية يوم 25 نوفمبر/تشرين الثاني وهو يوم عيد ميلاد الخديوي وفيه ألقى إسماعيل مقال الافتتاح أو خطاب العرش الشهير.
وتعد هذه الخطبة من الوثائق المهمة في تاريخ الحياة النيابية بمصر، ﻷنها تضمنت ترشيخ ما سيعرف فيما بعد بقاعدة الشوري، في نظام الحكم، واستندت في تقريرها إلى القرآن الكريم، ما يجعلها قاعدة لا محيص عنها، وتمجيد لنظام الشوري وإشادة بمزاياه ومنافعه، وإعلان بأن الغاية من الحكم هي منفعة العامة.
الغريب في الأمر أن رئيس مجلس النواب المصري حينذاك “راغب باشا“، قد قرر وقتها إلغاء الجلسة، وذلك لتزامنها مع عيد ميلاد الخديوي، وهي مناسبة لا يجب الاشتغال فيها. وتوجهت لجنة في اليوم التالي مؤلفة من 10 نواب لتوجيه الشكر لخديوي مصر.
برلمان 1924 .. أقصر برلمان في التاريخ
تذكر الوثائق، أن تاريخ الحياة النيابية في مصر، يحتوي على أقصر برلمان في مصر والعالم، والذى أنحل عقب إنعقاده عام 1924 بعد 8 ساعات فقط، ولذلك قصة، حيث تم انتخابه في ظروف مشحونة للغاية، وتم حل المجلس السابق له، وإعادة انتخاب المجلس الجديد في ظروف تم وصفها بالمزورة، وكان الطرف المواجه لحزب الوفد وقتها حكومة زيوار باشا.
وهو ما يعني أن السلطة التي أشرفت على الانتخابات وضعت نفسها في منافسة الحزب، وفي ظروف شابتها عدم الشفافية وتغيير المراكز الانتخابية في صالح مرشحيها، أعلنت حكومة زيوار فوزها في الانتخابات وسقوط ائتلاف حزب الوفد.
وقام الملك فؤاد بافتتاح جلسة البرلمان ثم انصرف إلى القصر، واجتمع أعضاء البرلمان لانتخاب رئيسهم، وهنا كانت المفاجأة بانتخاب سعد باشا زغلول رئيسًا للمجلس، ما أوقع حكومة زيوار باشا في الحرج الشديد، وجعلت زيوار باشا يتقدم إلى الملك باستقالته واستقالة الحكومة بكاملها، فرفضها الملك وقرر حل البرلمان بدلًا عن ذلك، وتم الحل.
برلمان 1930.. حبس عباس العقاد بتهمة العيب في الذات الملكية
خلال مناقشة البرلمان عام 1930 لإقرار الدستور الذي عرف فيما بعد بدستور 1930، وصاحب كتابته جدلًا شديدًا، للاختلاف حوله، كان الاختلاف بين الملك فؤاد والبرلمان كبيرًا، وأراد الملك إسقاط عبارتي “الأمة مصدر السلطات” و”الوزارة مسؤولة من البرلمان”.
وهو ما انتفض معه الأديب محمود عباس العقاد، الذي كان نائبًا في المجلس، قائلا إن “الأمة على استعداد لأن تسحق أكبر رأس في البلاد يخون الدستور ولا يصونه”، ما عرضه لتهمة العيب في الذات الملكية، التي أدين بها وتم حبسه لمدة 9 أشهر.
سقط دستور 1930 بعد 5 سنوات فقط عام 1935، وعاد العمل بعد ذلك بدستور 1923. بسبب الرفض الشعبي له.
1943.. أول نائب مفصول بالأغلبية “أزمة الكتاب الأسود“
عام 1943 نشب خلاف حاد بين قطبى حزب الوفد حينها (حزب الأغلبية) مصطفى النحاس رئيس الحزب ومكرم عبيد السكرتير السابق للحزب.
كان كل من النحاس ومكرم أصدقاء فرقتهما السياسة ووجهات النظر، وكان النحاس رئيسًا لحكومة الأغلبية، بينما مكرم عضوًا في البرلمان.
وفى خضم الصراع السياسي أصدر مكرم عبيد، ما سيعرف باسم “الكتاب الأسود“، الذي قام فيه بذكر عدة مخالفات مالية لحزب الوفد ورئيسه مصطفى النحاس، وحدث على إثر ذلك ضجة شديدة، دفعته لتقديم استجواب استمر لمدة 3 أيام، رد مصطفى النحاس خلالها على كل تهمة ذكرت في “الكتاب الأسود“، ثم تقدم النائب حسن ياسين بطلب إسقاط عضوية مكرم عبيد من المجلس، ووافق المجلس بالأغلبية على ذلك، ثم أصدر مصطفى النحاس قرار اعتقال بحق مكرم عبيد بموجب قانون الطواري.