نظرا لأهمية النفط الاستراتيجية، فإن أسعاره ومنتجاته البترولية أصبحت من أكبر اهتمامات جميع شعوب العالم، وشهدت أسعار النفط ارتفاعا واضحا خلال الآونة الأخيرة، ما ساعد بعض الدول على الاستفادة من هذا الارتفاع على نحو يخدم مصالحها.
فهناك دول تقود العالم في صناعة السياسة الاقتصادية، في حين تترقب الأخرى تلك السياسات لتبطل أي آثار ضارة يمكن أن تلحق بها جراء تلك السياسات بغض النظر عن قوة وحجم اقتصاد أي منها.
فما تزال كل من الولايات المتحدة الأمريكية ومنطقة اليورو تقودان المبادرات العالمية في إجراءاتها المالية والاقتصادية وسياساتها النقدية وتلك المتعلقة بالطاقة، أما بريطانيا واليابان فهي دول تلحق بالسياسة الاقتصادية الأمريكية ولا تحيد عنها إلا عند الشعور بخطر يتهدد اقتصاداتها من تلك الإجراءات التنفيذية.
وارتفعت أسعار النفط الخام في معاملات متقلبة، اليوم الجمعة، مع استعداد وزراء أوبك لبدء اجتماع فيينا، الذي قال وزير النفط الإيراني إنه سيلتزم بسياسة مواصلة الإنتاج دون قيود تمشيا مع توقعات السوق.
وفي الساعة 0921 بتوقيت جرينتش، ارتفعت العقود الآجلة لخام برنت 29 سنتا إلى 44.13 دولار للبرميل، بعد أن انخفضت في وقت سابق هذا الأسبوع إلى 42.43 دولار لتقترب من أدنى مستوى في ست سنوات ونصف المسجل في أغسطس/ آب.
وارتفعت العقود الآجلة للخام الأمريكي 28 سنتا إلى 41.36 دولار، وألقى هذا الارتفاع بظلاله على سعر الدولار، حيث شهدت قيمة الدولار انخفاضا واضحا أمس، بلغ نحو 2.3%، مسجلا أكبر هبوط ليوم واحد في أكثر من 6 سنوات، في مقابل ارتفاع أسعار زيت التدفئة دعما لأسعار الخام.
هذا الارتفاع وما سيعود نتيجة له من مكاسب هائلة، دفع البعض إلى التساؤل حول المستفيد الحقيقي من ارتفاع أسعار النفط، لاسيما في ظل الاضطرابات السياسية التي يشهدها العالم مؤخرا، والتي انعكست بدورها على اقتصاديات الدول.
ويعد الاعتقاد السائد، الذي يسيطر على عقول معظم خبراء الاقتصاد، أن الزيادات والمكاسب الناتجة عن ارتفاع أسعار النفط، هي خالصة لصالح الدول المنتجة، في حين يمكن تقسيم الدول المستفيدة من ارتفاع أسعار النفط إلى الفئات التالية:
- في حقيقة الأمر، تأتي الصين في مقدمة الدول المستفيدة من ارتفاع أسعار النفط، حيث تتبع تلك الدولة العملاقة سياسة ارتدادية للسياسة الأمريكية للمحافظة على متانة اقتصادها وقوته العالمية، فالصين هي الدولة الثانية في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية، إذا ما استثنينا دول اليورو مجتمعة، من ناحية الناتج المحلي الإجمالي، والذي يبلغ 10.36 تريليون دولار مقابل 17.42 تريليون للولايات المتحدة الأمريكية كما هي الأرقام المنشورة في شهر أغسطس/ آب 2015. كما أن تكاليف العمالة بها منخفضة جدا عند 3.17 دولار في العام 2015 مقارنة مع 1.7 دولار في 2007، لذلك فالصين هي المستفيد الأساسي من ارتفاع أسعار الطاقة، وذلك لأنه يخدم مصالحها من خلال تخفيض سعر صرف اليوان، خاصة في حالة تحسن وانتعاش اقتصادها. من ناحية أخرى، تقوم الصين مضاعفة مشترياتها الاستراتيجية من النفط الخام وسط نوبات الشراء بفعل الانخفاض الحاد لأسعار النفط مما يساعد على تقديم بعض الدعم لأسواق السلع الأولية المتراجعة. فبحسب معظم المشاركين في استطلاع شمل خمسة محللين وبيانات جمعها محللو رويترز من المتوقع أن تضيف بكين نحو 70 إلى 90 مليون برميل من الخام إلى صهاريج التخزين في 2016 مستغلة الانخفاض المتوقع لأسعار النفط لتعزيز احتياطياتها البترولية الاستراتيجية. وسيدفع ذلك إجمالي مشتريات البلاد من النفط إلى مستويات قياسية لتنافس الولايات المتحدة على لقب أكبر مستورد في العالم.
- الدول القائمة على استخراج النفط وتكريره ونقله إلى أماكن بعيدة، إضافة إلى تجار الجملة والتجزئة الذين يحصدون معظم أرباح ارتفاع أسعار النفط، فضلا عن جنى أرباح طائلة من فرض الضرائب على مشتقات البترول، حيث توصلت دراسة اقتصادية تحليلية أجراها أستاذ الاقتصاد بجامعة بوسطن روبرت كوفمان، عن سعر النفط النهائي الذي يدفعه المستهلك في عدد من الدول أن نصيب دول منظمة أوبك من سعر جالون البنزين أو الغازولين لا يتعدى 13.38% في أحسن الحالات، أما الباقي فهو ضرائب حكومية، ومكاسب تجنيها مصانع التكرير (في دول الغرب غالبا) وشركات النقل وتجار الجملة والتجزئة. إذ تفرض فرنسا ضريبة بحدود 76% وألمانيا 74% وإيطاليا70%، والبرازيل 65%، واليابان 53%، وتفرض الولايات المتحدة 30% على الغازولين و40% على الديزل، وفي الصين لاتتجاوز الضريبة 17%.
- الدول المنتجة للنفط و المصدرة له إلا أن وجدت عقود بيع سابقة حدد فيها سعر ثابت لبرميل النفط، وهنا فإن تغيير السعر في الأسواق لن يؤثر على الإيرادات، لذلك فالدول المنتجة والملامة على ارتفاع الأسعار لا تحصل إلا على النصيب الأصغر من أرباح النفط.
- كبرى شركات النفط العملاقة التي تملك إنتاج نفطي، سواء في بحر الشمال أو بعض الدول الأخرى، وشركات الخدمات النفطية، وشركات التوزيع النفطية، وشركات البتروكيماويات، وشركات ناقلات النفط.
- المضاربون سواء أكانوا شركات أو محافظ مالية بالشراء المباشر في الأسواق الآجلة أو عبر الاستثمار المباشر في الأسواق الآجلة، ومن ثم البيع بعد أسبوع أو أسبوعين.
