من باريس.. شيخ الأزهر يؤكد أن نبؤته عن كرة الثلج تحققت
استهل شيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب، كلمته في الملتقى الثاني للحوار بين حكماء الشرق والغرب في باريس اليوم، الثلاثاء، بالحديث عن الثورة الفرنسية، واصفا إياها بأنها «أهم معالم التاريخ، ومرجعا لفلسفة الحرية والحضارة».
وأشار إلى أن هذا اللقاء هو الثاني بعد اللقاء الأول، الذي عُقد في مدينة فلورنسا، في الثامن من يونيو/ حزيران من العام الماضي، والذي حث فيه وقتها على النقاش لإيجاد مخرج من الأزمة العالمية، التي وصفها في كلمته بأنها «إن تُركت تتدحرج مثلَ كرة الثلج فإن البشرية كلَّها سوف تدفع ثمنها، خرابًا ودمارًا وتخَلُّفًا وسَفْكًا للدِّماء، وربما بأكثر مما دفعته في الحربين العالميتين في النصف الأول من القرن الماضي».
وقال «لم تمضِ شهورٌ ستَّةٌ على هذا التخوَّف الذي شابته مسحة من التشاؤم، حتى شهدتْ باريس الجميلة المتألقة، ليلةً سوداء، فَقَدَت فيها من أبنائها قَرابةَ مائة وأربعين ضحية، سُفِكَت دماؤُهم في غَمْضةِ عين، إضافة إلى ثلاثةِ مائة وثمان وستين آخَرين، في حادثة إرهاب أسود لا يختلف اثنان في الشرق ولا في الغرب في رفضه».
وطالب دول العالم بالتصدي لمحاولات تهويد المسجد الأقصى المبارك، وحل القضية الفلسطينية حلا عادلاً شاملاً، لأن حل هذه القضية -في نظره- هو مفتاح المشكلات الكبرى التي تعيق التقاء الشرق بالغرب، وتباعد ما بين الشعوب، وتؤجج صراع الحضارات.
وحث خلال كلمته على التفكير في «العالمية» بدلاً من «العولمة»، مضيفا أن العالمية هي التي عبَّر عنها شيوخ الأزهر -في القرن الماضي بعد الحربين العالميتين- بالزمالة العالمية أو التعارف، كحَلٍّ لانقسام العالم.
وأضاف أن العالمية التي نتطلع إليها كبديل عن «العولمة» لإنقاذ العالم من المآسي التي يتردى فيها شطره الشرقي تفرض علينا نحن الشرقيين إعادة النظر في فهمنا للغرب وتقييم حضارته، واكتشاف ما يسكن هذه الحضارة من قيم إنسانية مشتركة.
ووجه رسالة في ختام كلمته إلى المواطنين المسلمين في أوروبا، قائلا إن عليهم أن يعوا جيدًا أنهم مواطنون أصلاء في مجتمعاتهم، وأن المواطنة الكاملة لا تتناقض أبدًا مع الاندماج الذي يحافظ على الهوية الدينية.
وأضاف أنه لا ينبغي أن تكون بعض القوانين الأوربية التي تتعارض مع شريعة الإسلام حاجزًا يؤدي إلى الانعزال السَّلبي، والانسحاب من المجتمع، فهذه القوانين لا تفرضها الدولة على الناس، وإذا ألزمت بعضُ القوانين المسلمين بما يخالف شريعتهم فعليهم حينئذ الالتزام التام باللجوء إلى القوانين التي تكفُلُ لهم حق التضرر من هذه القوانين والمطالبة بتعديلها.
ثم وجه كلمة أخيرة إلى الدعاة الأئمة وكل من يشارك في خطابات المسلمين وإرشاداتهم في أوروبا: «الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والأحوال والأشخاص، وأن التكليف بحَسبِ الوسع، وأن دين الله يسر، وأن المشقة تجلب التيسير، أيها المسلم في كل مكان أن الناس إما أخٌ لك في الدين أو نظير لك في الإنسانية».
ووصل الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف رئيس مجلس حكماء المسلمين، صباح اليوم الثلاثاء، العاصمة الفرنسية باريس، للقاء الرئيس فرانسوا أولاند بقصر الإليزيه لبحث جهود مكافحة التطرف والإرهاب.
وكان الإمام الأكبر قد عقد صباح أمس، الإثنين، لقاء قمة، هو الأول من نوعه مع البابا فرانسيس بابا الفاتيكان، في العاصمة الإيطالية روما، حيث تم الإعلان عن استئناف الحوار بين الأزهر الشريف والفاتيكان والإعداد لمؤتمر عالمي للسلام برعاية المؤسستين الدينيتين.
ولاقت زيارة الإمام الأكبر إلى الفاتيكان ترحيبًا عالميًّا واسعًا، حيث أكد الإمام الأكبر على ضرورة تنسيق المواقف المشتركة يدًا بيد من أجل إسعاد البشرية، لأن الأديان السماوية لم تنزل إلا لإسعاد الناس لا إشقائهم، مؤكدًا أن الأزهر يعمل بكافة هيئاته على نشر وسطية الإسلام ويبذل جهودًا حثيثة من خلال علمائه المنتشرين في كل العالم من أجل إشاعة السلام وترسيخ السلام والحوار ومواجهة الفكر المتطرف، ولدينا مع مجلس حكماء المسلمين قوافل سلام تجوب العالم.
