من بيروت إلى بغداد.. الشعب يريد إسقاط الطائفية
للمرة الأولى تشهد الساحة العربية مواجهات شعبية ضد الطائفية «الحاكمة والنافذة في المجتمع»، وتحت شعار موحد من بيروت إلى بغداد «الشعب يريد إسقاط الطائفية»، وفي حراك شعبي جدير بالرصد والمتابعة والتحليل ـ بحسب الدوائر السياسية العربية ـ والحراك الشعبي غير المسبوق ضد الطائفية التي أنهكت البلاد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وفتحت منافذ الفساد تحت رعاية وحماية قمم الهرم السياسي من أمراء الطوائف، فرض «مناخا سياسيا» مشحون بالترقب والحذر، وتوقعات المواجهة بين المطالب الشعبية والتدخلات الخارجية الداعمة لنظام الطائفية السياسية.
ويرى المحلل السياسي الفرنسي، آلان فراشون، أن الأزمة هي في الدرجة الأولى أزمة النظام الطائفي السائد، وأن التركيبة السياسية ـ الطائفية التي يفترض بها إدارة التوترات تشوّهت وحرّفت وانقلبت على لبنان وعلى العراق، خاصة وأن التاريخ الحديث شهد توالي استيلاء الطوائف الأساسية على الحكم بدعم خارجي.
- المتظاهرون في لبنان والعراق، أعلنوا ولائهم للمواطنة، مما يفرض الإصغاء للمجتمع المدني لأن ضمانة التوازن الوطني هم اللبنانيون والعراقيون أنفسهم وليس التعددية الطائفية المؤسساتية ومستغليها على المستويين الداخلي والخارجي.
احتجاجات شعبية حادة ضد الطائفية ومحاصصاتها
ويرى علماء الاجتماع السياسي، أن ما يحدث في العراق ولبنان، من احتجاجات شعبية حادة ضد الطائفية ومحاصصاتها، يعد سابقة فاجأت السلطات الحاكمة القائمة على أسس وحصص وامتيازات طائفية على حساب مصلحة الوطن، وجاء الرفض الشعبي لهذا الواقع ليمثل احتجاجا شعبيا واسعا غير متوقع، وفي توقيت يربط نفس المطالب من لبنان إلى العراق الذي سقط في دوامة المحاصصات والامتيازات الطائفية عقب الاحتلال الأمريكي وسقوط نظام الرئيس صدام حسين في العام 2003. وقد عمدت أمريكا إلى تثبيت نظام الطائفية في العراق لضرب الوحدة الوطنية ولتثبيت تبعية النظام العراقي للوصاية والحماية الأمريكية ،واستمرار تواجد النفوذ الأمريكي في بغداد والذي أصبح موازيا للنفوذ الإيراني الذي فرض تواجده في العراق أيضا تحت مظلة الطائفية.
- ويطالب المتظاهرون في العراق، بإنهاء النظام السياسي «الطائفي»، واستنكروا بغضب، تعيينات الحكومة التي تنبني على الطائفية، أو الحصص العرقية، وليس على الأفضلية.. وقال المحتجون، إن هذا سمح للقادة بإساءة استغلال المال العام، ومكافأة أنفسهم، ومن يتبعونهم، ولا يحصل معظم المواطنين إلا على الفتات.
حرق «الطائفية» في صورة مقرات حزبية وحكومية
والملاحظ أن انفجار انتفاضة الغضب في العراق ضد الطائفية لم تقتصر على العاصمة بغداد وعلى بوابات المنطقة الخضراء، أو ساحة التحرير، أو في قضاء الرفاعي غربي الناصرية جنوب غرب العاصمة بغداد.. وإنما كانت أكثر اشتعالا في جنوب العراق، مناطق الأغلبية الشيعية، ومن محافظة ذي قار جنوبي العراق، إلى محافظة المثنى في جنوب العراق أيضا، فيما تشهد محافظة البصرة أقصى جنوب العراق والغنية بالنفط، تظاهرات احتجاجية غاضبة، ورفعوا شعارات تندد بالنظام السياسي، وتطالب باسقاط الطائفية «اللعينة والغبية» بحسب وصفهم
- الغضب الشعبي في العراق ضد الطائفية، أشعل النيران في 27 مبنى حكوميا ومقرات حزبية، وفي صورة رمزية لحرق «الطائفية السياسية».. وسجلت مفوضية حقوق الإنسان العراقية،ارتفاع حصيلة قتلى المظاهرات إلى 21 شخصا، إضافة إلى إصابة أكثر من 1779 مصابًا آخرين.
«الطائفية» وراء تراكم الأزمات في لبنان
وما يحدث في لبنان، ثورة ضد الطائفية، ولأول مرة منذ ولادة الجمهورية اللبنانية عام 1926، ومنذ استقلال لبنان عن فرنسا عام 1943، وحتى منذ الحرب اللبنانية، التي انتهت باتفاق الطائف عام 1989، وتتهم ثورة المنتفضين، الطائفية بأنها وراء تراكم الأزمات التي تخنق الوطن، وتراكم الثروات الطائلة مع بعض اللبنانيين بدون وجه حق، وتزايد البطالة والفقر والأمراض والأُميّة بين اللبنانيين وانعدام العدالة وتزايد الواسطة في الوظائف، قضلا عن الرشاوى والتهريب.
- ويرى العميد الركن اللبناني، نزار عبد القادر، أن ثورة الانتفاضة الشعبية تؤشر إلى حالة الاهتراء السياسي والبنيوي للدولة اللبنانية، كما يؤكد على مستوى «التدهور الأخلاقي لدى الفئة السياسية الحاكمة «الطائفية»، وغرقها بالتالي في هذا المستنقع من الفساد».
الخروج من تحت عباء الطائفية إلى «خيمة الوطن»
يبدو أن الجماهير العربية في لبنان والعراق، قد قررت البقاء في الساحات إلى حين تحقيق مطلبها الأساسي، والذي يتمثل في «إسقاط الطائفية»، بحسب رؤية السفير محمد جلال، مساعد وزير الخارجية سابقا، في تصريحات للغد، بعد أن تحدت جموع المواطنين كل الحواجز الطائفية والمذهبية والمناطقية لتجتمع في مظاهرات عامة طلباً للكرامة وللإصلاح، وأثبت اللبنانيون والعراقيون، قدرتهم على اجتياز حاجز الخوف والخروج من تحت عباءة أحزابهم وقياداتهم الطائفية والمذهبية، والاستظلال بخيمة الوطن.