من ذاكرة فلسطين: «عملية القنفذ».. مذبحة النار والرصاص في كفر قاسم

“الأمم الكبيرة تتذكر كي تحيا”، فالتذكر يقظة، واليقظة تعيد الوعي إلى أصول القضايا وجذورها.. في مساء يوم الإثنين 29 أكتوبر/ تشرين الأول 1956 شنت دول العدوان الثلاثي  (بريطانيا ـ فرنسا ـ إسرائيل) أول موجات عدوانها على مصر.. وفي نفس التوقيت نفذت دولة الاحتلال «إسرائيل»، مذبحة كفر قاسم، والتي كانت جزءاً من عملية «القنفذ»، التي حيكت في أقبية جيش الاحتلال، وكان هدفها طرد سكان منطقة المثلث الجنوبي، على الحدود  (بين فلسطين المحتلة 1948، والضفة الغربية التي كانت آنذاك تحت السلطات الأردنية)، وهي: كفر قاسم، الطيرة، كفر برا، جلجولية، الطيبة، قلنسوة، بير السكة، وإبثان، لترهيب سكانها، ضمن خطة شيطانية موسعة حملت اسم خطة «خلد»، وهي خطة أعدتها حكومة بن غوريون في مطلع الخمسينات وسميت « س ـ 59 » أو «خلد»، بهدف تهجير جماعي وقسري للمواطنين العرب سكان المثلث.

 

«احصدوهم».. كلمة السر لبدء المذبحة

وقعت المجزرة بعد أن قررت قيادة جيش الاحتلال فرض حظر التجول على سكان كفر قاسم وقرى منطقة المثلث،  من الساعة الخامسة مساءً حتى السادسة صباحًا، كخطوات تحضيرية لشن حرب على مصر (العدوان الثلاثي)، وحسب التوثيق التاريخي للمجزرة، تم إبلاغ مختار القرية قبل نصف ساعة فقط من بدء منع التجول، والذي حذر أن مئات من أهل القرية يعملون خارجها ولم يعودوا بعد، ولن تكفي نصف ساعة لإبلاغهم بموعد حظر التجول، وفي الخامسة مساءً (موعد بدء حظر التجول) بدأت المذبحة حيث تواجدت أربع فرق من قوات حرس الحدود على مداخل القرية، وتلقوا كلمة السر لبدء العملية وهي «أخضر»، مع موعد عودة  العشرات من العمال والفلاحين الفلسطينيين إلى القرية بعد الانتهاء من عملهم، وخلال ساعة واحدة أوقف جنود حرس الحدود كل عائد للقرية، وتم إيقاف كل عائد يسير على قدميه، وكل راكب دراجة، وكل عربة وسيارة.. تأكدوا من هويتهم بأنهم من سكان كفر قاسم وأمروهم جماعة بعد الأخرى بالاصطفاف على حافة الطريق وأطلقوا النار عليهم تنفيذًا لأمر ضابطهم شالوم عوفر الذي قال: «احصدوهم».. وبعد كل عملية «حصاد» كانت فرقة حرس الحدود تبتعد عن الطريق غربًا عن الجثث حتى لا تثير مخاوف القادمين الجدد قبل وصولهم إلى موقع الفرقة، وتمت عملية القتل على تسع موجات، وفي موقع أخر لاحق الجنود عمال عائدين وأطلقوا النار عليهم من الخلف.

 

إطلاق النار داخل القرية كان كثيفًا وأصاب تقريبًا كل بيت، وخلال ساعة واحدة سقط في طرف القرية الغربي 43  شهيدًا، وفي الطرف الشمالي سقط 3 شهداء، وفي داخل القرية سقط شهيدان، وكان من بين الشهداء في كفر قاسم 9 نساء، و4 طفلات و17 طفلاً وفتى دون الثامنة عشرة، منهم 5 أطفال دون العاشرة ، وجرح 18 أخرين، ولم تبق عائلة في كفر قاسم إلا وفقدت شهيداً.

 

 

 

جيش الاحتلال يحاصر دفن جثامين الشهداء

بعد المجزرة قام أفراد شرطة حرس الحدود بتكديس جثث الشهداء الـ (49) في شاحنة، وتم إلقائهم في منطقة قريبة من مركز الشرطة في بلدة رأس العين (روش هعاين) القريبة، تم دفن الجثث هناك بشكل موقت، وبعد يومين تقرر دفنهم في مقبرة القرية، حينها استدعى جيش الاحتلال أفراد من القرية للتعرف على الجثامين، تم التعرف على  47 شهيد، وبقيت جثتان لامرأتين لم ينجح أحدٌ في التعرف عليها بسبب كثرة التشويه، واستدعت قوات الاحتلال عنوة عمال من قرية جلجولية المجاورة، وأجبرتهم على حفر القبور، وتمت عملية الدفن تحت حالة من التهديد والخوف، ودون الاهتمام بحرمة الميت والشريعة الاسلامية.. ومع نهاية حظر التجول، خرج من تبقى من أهالي القرية، متحدين الأوامر، لترتيب دفن يليق بالشهداء،  وتحرك جيش الاحتلال، وحشد قوات كبيرة من حرس الحدود في القرية في ساعة الجنازة المجددة، وأمرت الأهالي بالالتزام بالهدوء!!

 

 

 

 

كشف النقاب عن المجزرة بعد أسبوعين

صدرت أوامر قيادة جيش الاحتلال والحكومة، يمنع نشر أي تفصيل عما حدث في كفر قاسم، وفرض على القرية نفسها حصار كامل، ولم يسمح  بالخروج من القرية أو الدخول إليها، بما في ذلك أعضاء الكنيست ..ولم يكشف النقاب عن المجزرة إلا بعد أسبوعين،  بتاريخ 13نوفمبر/ تشرين الثاني 1956 ..وبعد أسبوع ،  في 20 نوفمبر،  قام أعضاء الكنيست توفيق طوبي وماير فلنر بالدخول إلى كفر قاسم تسللا محاولين جمع الشهادات ومعرفة الحقيقة، من خلال استخدام حصانتهم البرلمانية، ودونت الشهادات وقاما بنشر مذكرة في 23نوفمبر، ووزعت إلى مئات الأشخاص في الداخل والخارج وباللغة العربية والعبرية والإنجليزية، وتطرقت الشهادات إلى أسماء الضحايا وظروف قتلهم وطالبت بمحاكمة المسؤولين..وجاء  أول رد فعل عالمي  من إذاعة راديو موسكو التي بثت تفاصيل المجزرة، ونقلت سفارة إحدى الدول الاشتراكية مذكرة «طوبي وفلنر» إلى مندوبها في الأمم المتحدة الذي وزعها على أعضاء الجمعية العامة، وبدأت الصحف العالمية والعربية بنشر الخبر وتفاصيل المجزرة.

 

فشلت حكومة دولة الاحتلال، في إخفاء الجريمة، بعد أن تسربت الأنباء عن المجزرة،  فأصدرت  بياناً يفيد بإقامة لجنة تحقيق، توصلت إلى قرار بتحويل قائد وحدة حرس الحدود وعدد من مرؤوسيه إلى المحاكمة العسكرية، واستمرت محاكمة منفذي المجزرة حوالي عامين، والتي اعتبرت صورية وشكلية، وأطلق سراح آخرهم في مطلع عام   1960، أما صاحب الأمر الأول في المذبحة فقد قدم للمحاكمة،وكانت عقوبته التوبيخ!

 

 

رعشة غضب وخزي في العالم

وبقيت المذبحة جرحا في الضمير الإٌنساني.. فلا يمكن أن يقوم مجتمع إنساني حدث فيه كل هذه النذالة والوحشية دون أن تثور في أرجائه رعـشة غـضب وخزي، غـضب يحمل كل نوازع السخط الإنساني والفردي.. سخط النساء لاغـتيال النساء، وسخط الأطفال لاغـتيال الأطفال دون مبرر.. بجسب اعتراف الشاعر الإسرائيلي، ناتان الترمان، وكان من أوائل الإسرائيليين الذين أدانوا هذه المجزرة، وحصاد الجماجم.. وكتب في وصف المذبحة، السياسي والشاعر الفلسطيني ، توفيق زيادة:

 

ألا هل أتاك حديث الملاحم وذبح الأناسي ذبح البهائم

وقصة شعب تسمى: حصاد الجماجم

ومسرحها.. قرية اسمها: كفر قاسم..؟؟

 

مندوب جرح  توهج  لا يساوم

وكتب الشاعر الفلسطيني الكبير  محمود درويش:

كفر قاسم، قرية تحلم بالقمح وأزهار البنفسج، وبأعراس الحمائم

كفر قاسم، إنني عدت من الموت لأحيا، لأغني

فدعيني أستعر صوتي من جرح توهج

وأعينيني على الحقد الذي يزرع في قلبي عوسج

إنني مندوب جرح لا يساوم

علمتني ضربة الجلاد أن أمشي على جرحي وأمشي… ثم أمشي…. وأقاوم.

 

 

البلدة التي توقف عندها تقدم جيش الاحتلال

كفر قاسم مدينة عربية فلسطينية داخل حدود فلسطين التاريخية  1948، على بعد 18 كم شرقي مدينة يافا، و 48 كم من مدينة نابلس. وتبعد عن القدس  نحو 48 كمن وسميت بهذا الاسم نسبة إلى مؤسسها الأول «الشيخ قاسم»، وهو أحد سكّان قرية «مسحة» المجاورة والذي سكنها واتخذها مقرًّا لإقامته لزراعة أراضيها..و تلقب المدينة  بـ «مدينة الشهداء».. وفي حرب 1948دخلها الجيش العراقي يوم 31 مايو/ آيار، بقيادة المقدّم عبد الكريم قاسم ، حيث خاض معركة سميت فيما بعد باسم معركة «كفر قاسم» واستبسل فيها إذ استطاع إرجاع الأراضي التي احتلتها العصابات الصهيونية، وخاصة بيارات البرتقال وسهول كفر قاسم، مكث عبد الكريم قاسم فيها ما يقارب سنة كاملة واستغل هدنة وقف إطلاق النار ليعمل خلالها على هدم الازقّة وفتح الشوارع وتنظيم بناء البيوت، وأقام متنزه عام وسط القرية، لكن غادرها بعد أن جاء أمر الانسحاب من القيادة العسكرية في بغداد، وتمّ تسليمها للجيش الأردني. وقد عرفت كفر قاسم بأنها البلدة التي توقف عندها تقدم الجيش الإسرائيلي الذي احتل القرى العربية من ناحية الجنوب خلال  حرب 1948، ومن ثم ضمت إلى إسرائيل  سنة 1949 بموجب معاهدة رودس  مع المملكة الأردنية، فانسحب منها الجيش الأردني ودخلها جيش الاحتلال دون حرب في السادس من مايو/ أيار عام 1949 (وأطلقت البلدية فيما بعد اسم عبد الكريم قاسم على أحد الشوارع الرئيسية في المدينة).

 

 

 

قائمة الإرهابيين..الشجرة السامة لم تقتلع بعد

لن تنسى ذاكرة فاسطين قائمة الإرهابيين، الذين أعدوا الخطة الدموية، والذين أشرفوا على التنفيذ، والذين أصدروا الأوامر الشيطانية، والذين تلطخت أياديهم بدماء المجزرة: ديفيد بن جوريون رئيس حكومة دولة الاحتلال، ووزير الحرب موشية ديان، وقائد أركان جيش  الاحتلال تسفي تسور، وقائد المنطقة الوسطى والمسؤول العسكري عن منطقة المثلث التي امتدت من أم الفحم شمالًا وإلى كفر قاسم جنوبًا، المقدم يسخار شدمي، وقائد لواء الجيش في المنطقة الحدودية، ومن أعطى الأوامر بالقتل شموئيل مالينكي، وقائد فرقة حرس الحدود قائد السرية المسؤولة عن كفر قاسم،  غبريئيل دهان، وقائد الزمرة التي رابطت على المدخل الغربي للقرية حيث سقطت الغالبية الساحقة من الشهداء، شالوم عوفر.

قائمة الإرهاب متوارثة .. لأن «الشجرة السامة لم تقتلع بعد»، بحسب تعبير الشاعر اليهودي مردخاي آفي شاؤول، بعد مجزرة كفر قاسم.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]