في غياب ملحوظ للمتابعات العربية للأحداث والأزمات الداخلية في موريتانيا، تصاعدت حدة المخاوف من فشل تجربة “حرية الإعلام”، وانطلاق بث الإذاعات والتلفزيونات الخاصة، التي شكلت منذ العام 2012 طفرة كبيرة في مجال الحريات، وهي الأزمة التي وصفتها الدوائر الإعلامية والسياسية في موريتانيا بمناورة “محاصرة الفضاء السمعي البصري”.
كانت القوى السياسية المعارضة، قد وجدت في هذه القنوات فرصة لمخاطبة الرأي العام والترويج لأفكارها وبرامجها، باللّغتين العربية والفرنسية، فضلا عن اللغات المحلية الثلاثة (البولارية والسنوكية والولفية)، وهي لغات تتحدث بها الأقلية الزنجية في موريتانيا، وبات الأثير مفتوحا على مصراعيه لكل النشطاء السياسيين والحقوقيين والاجتماعيين، ولعبت هذه القنوات دورا كبيرا ومحوريا في تطوير وبلورة رأي عام مطلع على حيثِيات أمور تسيير الوطن.
من جانبه حذر الإعلامي والسياسي الموريتاني “المعارض” جمال ولد الحاج، من توجه السلطات لمحاصرة الفضاء السمعي والبصري، من خلال سياسة تجاهل الأزمات المالية والتقنية التي تواجهها المؤسسات الإعلامية الخاصة المرئية والمسموعة، والتي وقعت على دفاتر التعهدات، التي كانت مجحفة، ونظرية غير قابلة للتطبيق، ورغم ذلك، لعبت هذه الإذاعات والتلفزيونات دورا تنويريا سياسيا كبيرا، بعد أن تعود الجمهور الموريتاني خلال العقود الماضية على الإذاعة والتلفزيون الحكوميتين، اللتين ما تزالا حتى الآن تشكلان إعلاما حكوميا مرتبِطا بالنظام السياسي الحاكم في البلد، ويغيب عنهما الرأي المخالف والمعارض، فضلا عن رأي المواطن العادي.
وأوضح “ولد الحاج” لوكالة الأنباء الفرنسية، أن هناك تربصا من السلطة الحاكمة بتجربة حرية الإعلام، بعد أن أصبح النقد الحكومي مفردة يومية من مفردات المواطن البسيط، الذي يقدم رأيه عبر البرامج التفاعلية اليومية، في التليفزيونات والإذاعات الخاصة، والتي وفرت فرصة لأصحاب المظالم والمهمشين وضحايا الغبن الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والسياسي، للتعبير عن وجهات نظرهم والمطالبة بحقوقهم، وكثرت برامج المناظرات السياسية بين الفرقاء، وتعددت اللافتات المرفوعة بين تيارات سياسية ونقابية وحقوقية وفئوية وطبقية، وباتت كل القضايا مطروحة للنقاش مع المواطن العادي بشكل يومي، بعد أن ظل نقاشها في السابق عبر الإعلام الحكومي حكرا على نخبة سياسية منتقاة، وهذه الحالة أزعجت الحكومة، التي تناور حاليا لمحاصرة هذه التجربة، مما يهدد بفشلها وفقدان المواطن نافذته التفاعلية اليومية مع الشأن العام.
الأزمة فجرت جدلا واسعا داخل موريتانيا حول تقصير الحكومة في دعم التجربة التي تواجه تحديات وأزمات بدءا من التجاهل الحكومي لمسيرة التجربة، ثم الأزمات التقنية والأخطاء المهنية لتجربة وليدة، وقد تركت السلطة “الحبل على الغارب” للتّجربة الأولى، حسب تعبير قيادات المعارضة الموريتانية، والتي حذرت من بداية النهاية للتجربة، مع غياب أي نوع من الدعم المالي من طرف السلطة، خلافا لما كان متوقعا، فضلا عن غياب سوق للإعلانات في البلاد، حيث تعتبر الدولة مصدر ثلثي الإعلانات المتوفرة، ويتم توزيعها بفوضوية واعتمادا على المحسوبية والطرق الملتوية، حسب تعبير المتخصص في الإعلام السياسي والاتصال الجماهيري، سلمان ولد جدو.
وكشف “سلمان” أنه مام هذه التحديات المتلاحقة، التي تنذر بانهيار منظومة الإعلام السمعي البصري المستقل في موريتانيا، تقدم القائمون على تلك المؤسسات الإعلامية، البصرية والسمعية، بـ”عريضة مطلبية” إلى الحكومة، بغية إنقاذ هذه التجربة وتنميتها.
