كشفت الاستراتيجية الأمنية الروسية الجديدة، صراحة ولأول مرة، عن العداء المستحكم بين موسكو وواشنطن، وفي إطار الصراع الأيديولوجي التاريخي بين البلدين، والتنافس الحاد بين القوتين العظميين على مناطق النفوذ، والذي يفتح الأبواب أمام استهداف الأمن القومي.
واعتبرت الاستراتيجية الأمنية الروسية، التي وقعها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مطلع العام الجديد، الولايات المتحدة للمرة الأولى، عدوها الاستراتيجي، ضمن التهديدات التي يتعرض لها الأمن القومي الروسي، وذلك في علامة على تدهور العلاقات بينهما.
والاستراتيجية الجديدة، التي صدرت بعنوان “في شأن استرتيجية الأمن القومي لروسيا الاتحادية”، وتحل محل أخرى وقعها عام 2009 ديمتري ميدفيديف رئيس الوزراء الحالي، عندما كان رئيسا للدولة، ولم يرد فيها ضمن التهديدات الولايات المتحدة أو حلف شمال الأطلسي.
وصفت توسع حلف شمال الأطلسي بأنه تهديد لروسيا، وأن الولايات المتحدة وسعت شبكتها من المعامل العسكرية البيولوجية في دول مجاورة لروسيا، ما يشكل تهديدا مباشرا لها.
وثيقة الاستراتيجية الأمنية الروسية الجديدة، والتي يمكن اعتبارها “دستورا أمنيا” خلال فترة سريانها، هي بمثابة برنامج يحدد توجهات الدولة بالنسبة للعلاقات الدولية، حسب تعبير الخبير في الشؤون الروسية، الدكتور حمدي أبو الفضل، وكشفت للمرة الأولى، دون تورية، عن “العدو الأكبر لروسيا”، بحسب الوثيقة، وأن واشنطن العدو الأكبر تمثل أخطر تهديد للأمن القومي الروسي.
وقال أبو الفضل، في تصريح لـ“الغد العربي” اليوم الأحد، إن الصراع معلن بين موسكو وواشنطن، والعداء قائم تاريخيا، ولكن لم تلجأ إحدى الدولتين للكشف صراحة عن مواقفها وسياساتها كما ورد بالوثيقة الروسية، ومن المعروف أن العلاقات الغربية الروسية شهدت تدهورا عندما ضمت روسيا في شهر مارس/ آذار 2014 شبه جزيرة القرم الأوكرانية، بعد احتجاجات أطاحت بالرئيس الأوكراني الحليف لموسكو الذي فر إلى روسيا، ومنذ ذلك الوقت أيضا فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات واسعة على أفراد ومؤسسات روسية، وردت موسكو بفرض قيود على واردات من الاتحاد الأوروبي.
وأوضح الخبير في الشؤون الروسية، أن الوثيقة الأمنية الجديدة أصبحت منذ صدورها قبل يومين، أمام مراكز صنع القرار في الغرب، خاصة وبعناية فائقة داخل البيت الأبيض، لتحليل كل سطر بها، لرصد التوجهات الروسية، وتضمنت تقديرات موقف وحسابات روسية، ومن بينها مثلا: أن روسيا أمكنها تعزيز دورها في حل المشاكل العالمية والصراعات الدولية، وإن ذلك تسبب في رد فعل من الغرب، وأن انتهاج سياسة مستقلة دولية وداخلية على السواء، أثار رد فعل مضاد من الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، إذ يسعون بشدة للإبقاء على هيمنتهم على الشؤون العالمية، وأنه من المرجح أن يؤدي ذلك إلى ضغط سياسي واقتصادي وعسكري وإعلامي على روسيا، ولذلك فإن تقوية روسيا تحدث في ظل تهديدات جديدة للأمن القومي، وهي ذات طبيعة معقدة ومتداخلة.
الرئيس بوتين، وهو رجل مخابرات في المقام الأول، كشف الأوراق، كما يقول الدكتور أبو الفضل، ولجأ إلى الردع بالصراحة، حيث لم تعد المواقف والسياسات سرا بين الدول، ومن هنا قصد أن تتضمن الاستراتيجية الأمنية الجديدة رسائل موجهه للغرب بصفة عامة، وللولايات المتحدة الأمريكية بصفة خاصة.
