موسكو والرياض.. علاقات «اقتصادية ـ سياسية» تستشرف المستقبل
مع وصول طائرة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى مطار الملك خالد الدولي في العاصمة السعودية «الرياض»، ظهر اليوم، ليبدأ زيارة رسمية يلتقي خلالها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، بدأت التوقعات حول تدشين مرحلة جديدة في العلاقات «التاريخية» بين البلدين.. وترى الدوائر السياسية في روسيا، أن زيارة الرئيس بوتين للمملكة السعودية والتي تحظى بمتابعة «حثيثة» من الدوائر الأمريكية والغربية، هذه الزيارة فاتحة صفحات جديدة من العلاقات «الاقتصادية ـ السياسية» التي تستشرف المستقبل.
بوتين: إننا نولي الزيارة أهمية كبيرة
أهمية الزيارة، ودلالاتها، وما يحيط بها من توقعات تدشين مرحلة جديدة لها تداعياتها الدولية والإقليمية.. كشف عنها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في حوار صحفي بموسكو، وقبيل ساعات من الزيارة، مؤكدا أن الزيارة ستعطي دفعة جديدة لتطوير العلاقات الثنائية، والتعاون على الساحة الدولية..وقال بوتين: «إننا نولي الزيارة أهمية كبيرة. وهي، بمعنى ما، رد للزيارة التي قام بها إلى روسيا عاهل العربية السعودية، خادم الحرمين الشريفين. كانت تلك أول زيارة تاريخية. ونحن، في حقيقة الأمر، نصفها بالتاريخية، وهي كذلك فعلا، وثمة أيضا أمرٌ أرى من الضروري جدا الإشارة إليه، وهو أن العلاقات بين العربية السعودية والاتحاد السوفيتي، في العهد السوفيتي، كانت على مستوى منخفض بقدر ملحوظ. وخلال السنوات الأخيرة تغيرت نوعية علاقاتنا تغيّرا جذريا. نحن ننظر إلى العربية السعودية كدولة صديقة لنا، لقد نشأت لديّ علاقات طيبة مع الملك، ومع الأمير ولي العهد أيضا. وعلاقاتنا تتطور عمليا في كافة الاتجاهات»، كما تنشأ بيننا علاقات في مجال حساس جدا، يتطلب ثقة متبادلة، إنه التعاون العسكري- التقني. ونحن نتفاوض منذ فترة بعيدة حول هذا الجزء، ولا يقل أهمية عن ذلك، بالطبع، عملنا المشترك لحل الأزمات الإقليمية».
مشروعات ومراكز بحوث علمية مشتركة
الرئيس بوتين، كشف أيضا عن التطور الكبير في العلاقات الاقتصادية مع السعودية، وهي محور تدعيم وتوطيد العلاقات الثنائية على الصعيد السياسي، مشيرا إلى ارتفاع معدلات التعاون الاقتصادي بنسبة 28 بالمئة.. مضيفا «نحن ندرس مشاريع مشتركة جيدة. لقد أسس صندوقُ استثماراتنا المباشرة، وصندوق الاستثمارات العامة للمملكة العربية السعودية، قاعدةً مشتركة بـ 10 مليارات دولار، وتشمل مجال الغاز والكيماويات النفطية، فضلا عن إنشاء مراكز بحوث علمية مشتركة، كما أن العمل جار على مشاريع أخرى، إذ تم بالفعل تنفيذ بضعة مشاريع واعدة جدا ومثيرة للاهتمام».
التوقيع على ميثاق تعاون طويل الأمد في مجال النفط
من جانب آخر، يقود التفاهم النفطي السعودي الروسي علاقات البلدين على كافة مساراتها، كما يقود مسار الاقتصاد العالمي المرتكز إلى الطاقة، وتعمل الدولتان على استدامة استقرار الأسواق عبر تنسيقها المتواصل في إطار ما بات يعرف بـ «أوبك بلاس»..وكشف وزير الطاقة الروسي، ألكسندر نوفاك، أن موسكو والرياض توقعان اليوم على ميثاق تعاون طويل الأمد في إطار «أوبك+»، وذلك على هامش زيارة الرئيس الروسي إلى السعودية..وقال نوفاك، إن «الأمر لا يتعلق بالتعاون في مجال ضبط الإنتاج من أجل تحقيق التوازن في السوق، بل هو تفاعل أوسع بكثير، يعتمد بشكل أساسي على تطوير تعاوننا المشترك في هذا المجال، في شكل متعدد وثنائي»
التعاون في مجال الفضاء
وعلى مسار التعاون الاقتصادي ـ التجاري..أعلن الصندوق الروسي للاستثمارات المباشرة Russian Direct Investment Fud (RDIF)، والشركة السعودية للتنمية والاستثمار التقني (تقنية TAQNIA السعودية) عن التعاون في مجال الفضاء، وتحديدا في مجال تطوير المجمع الفضائي الصاروخي روسي الصنع «ستارت – 1»، وقد جاء ذلك من خلال توقيع الاتفاقية الخاصة بهذا الشأن اليوم 14 أكتوبر/ تشرين الأول، أثناء زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للرياض..وأعلن الجانبان أنهما يتعاونان في مجال تحديث مجمع «ستارت – 1» الفضائي الصاروخي وسيوظفان استثمارات لتطويره وجعله مشروعا خاصا في مصلحة روسيا والسعودية..وقال رئيس الصندوق الروسي للاستثمارات المباشرة (RDIF)، كيريل دميترييف، إن المشاركة في تحقيق المشروع والتصميم وإنتاج الصواريخ يضع أساسا متينا لتحقيق مشاريع خاصة ذات أبعاد كبيرة في مجال إطلاق الأقمار الصناعية.
توقيع 17 اتفاقية ومذكرة تفاهم
ووقعت اليوم الإثنين، 17 اتفاقية ومذكرة تفاهم ، بين شركات روسية وسعودية، طالت مجالات مختلفة من التعاون بين البلدين، بدءا من البتروكيميائيات وصولا إلى السكك الحديدية.. وفي نفس الوقت تنطلق اليوم في الرياض فعاليات المنتدى الروسي السعودي لرجال الأعمال، والذي يجمع مدراء من كبريات الشركات في البلدين، ويتم تنظيم المنتدى تحت إشراف صندوق الاستثمارات المباشرة الروسي RDIF والهيئة السعودية العامة للاستثمار SAGIA، والمركز السعودي للشراكات الاستراتيجية الدولية SCISP، ويعد المنتدى منصة لمناقشة واتخاذ القرارات في مجالات الطاقة والاستثمار والتنمية الزراعية المستدامة والأمن الغذائي العالمي. وتشمل فعاليات المنتدى ثلاث جلسات نقاش بعنوان «تقوية شراكة الطاقة المستقبلية».. و«تعزيز التعاون الروسي السعودي في الاستثمار».. و«الشراكة من أجل التنمية المستدامة للزراعة والأمن الغذائي».
علاقات تاريخية
وتنامت العلاقات بين روسيا والسعودية بوتيرة ملحوظة في السنوات الأخيرة، وبدأ التحول بزيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأولى إلى الرياض عام 2007، وانطلقت هذه العلاقات منذ وقت طويل وهي واكبت المراحل الأولى لتأسيس السعودية منذ عشرينيات القرن الماضي، بوصول أول بعثة دبلوماسية سوفيتية إلى المنطقة قادها كريم حاكيموف الذي اشتهر لاحقا باسم «الباشا الأحمر»، وهو أول دبلوماسي يتصل بقادة المملكة السعودية في 16 فبراير/ شباط عام 1926، مدشنا أول اعتراف رسمي بما عرف آنذاك بـ «سلطنة نجد» قبل اكتمال تأسيس المملكة العربية السعودية عام 1932، ونجح الباشا الأحمر في إقامة صلات صداقة وثيقة مع قادة المملكة.
.
