بعد أزمة فراغ رئاسي امتدت لنحو عامين ونصف العام، تمت الولادة المتعثرة لانتخاب ميشال عون، العسكري والسياسي اللبناني ورئيس التيار الوطني الحر ، رئيسا للجمهورية اللبنانية، الرئيس الثالث عشر منذ عهد الجمهورية ، والرئيس الـ 19 منذ بداية الانتداب الفرنسي على لبنان “6 رؤساء خلال فترة الانتداب الفرنسي، الأول شارل دباس ــ وحتى بشارة خولي”.
كان “عون” على موعد مع مصادفة تاريخية، في شهر أكتوبر/ تشرين الأول، بعد 26 عاما، في شهر أكتوبر / تشرين الأول 1990 تم إقصائه من قصر بعبدا الرئاسي بعملية لبنانية / سورية مشتركة، وهو رئيسا للحكومة العسكرية التي تتولى مهام الرئاسة بالوكالة (رئيسا بالإنابة) ، حين رفض التنازل عن رئاسة الحكومة الانتقالية رغم التوقيع على وثيقة الوفاق الوطني، وتنصيب الرئيس إلياس الهراوي رئيسا للبنان، وقام الجيش اللبناني بقيادة العماد إميل لحود (صار رئيسا للجمهورية لاحقا) – وبمؤازرة من الجيش السوري – بقصف قصر بعبدا، فأرغم عون على الخروج من القصر بخطة أمنية فرنسية أشرف عليها السفير الفرنسي في بيروت.
ولجأ عون إلى السفارة الفرنسية في منطقة الحازمية ببيروت يوم 13 أكتوبر/تشرين الأول عام 1990، ومنها تم ترحيله في 29 أغسطس/آب 1991 برا إلى شاطئ ضبية، ومنها إلى قبرص، ثم إلى باريس عبر بارجة حربية فرنسية.. واستمر في منفاه حتى 7 مايو / آيار 2005 .. ومع عودته للبنان، حظي باستقبال جماهيري كبير، وذلك غداة الانسحاب السوري من لبنان، إثر زلزال اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وولادة حركة «14 آذار» التي شكل جمهوره عمودها الفقري في ساحة الشهداء. ولعل صياغة «التحالف الرباعي» ، قد مثّل مناسبة لولادة «تسونامي» سياسي في الانتخابات النيابية جعله يفوز بأرقام كبيرة جداً، كرّسته ممثلاً لحوالي 70 % من المسيحيين، وهي شعبية لم يحظ بها من قبله أي زعيم ماروني على امتداد تاريخ لبنان.
وفي اليوم الأخير من شهر أكتوبر / تشرين الأول 2016، يعود ميشال عون إلى قصر بعبدا رئيسا للجمهورية.
وربما كانت مصادفة تاريخية ثانية، أن يرتبط اسم ميشال عون “الخامس” بأزمتي الفراغ الرئاسي في لبنان، وأن يكون هو العنصر المشترك في الحالتين وبينهما 26 عاما، الأولى في العام 1988 حين تعذر انتخاب رئيس جمهورية خلفا للرئيس أمين الجميل في 22 سبتمبر / أيلول 1988 وتم تكليفه بتشكيل حكومة عسكرية، وكان هو في حينه قائدًا للجيش اللبناني، وقام الرئيس الجميل بتسليمه السلطة بعد أن شكل الحكومة العسكرية التي أصبحت في مواجهة الحكومة المدنية التي يرأسها بالنيابة الرئيس سليم الحص، وقد استقال الوزراء المسلمون من الحكومة بعد تشكيلها بساعات ، وبذلك أصبح للبنان حكومتان، حتى تم التوصل إلى اتفاق الطائف بوساطة السعودية، وكان بداية لإنهاء الحرب الأهلية، ولكن “عون” رفض الاتفاق بشقه الخارجي، لأنه يقضي بانتشار سوري على الأراضي اللبنانية ولا يحدد آلية لانسحابه من لبنان.
وفي الحالة الثانية، بعد 26 عاما، ومع نهاية ولاية الرئيس ميشيل سلمان 25 مايو / آيار 2014 حين بدأت أزمة الفراغ الرئاسية الممتدة حتى صباح اليوم الإثنين، وكان “عون” أيضا عنصرا رئيسيا في حركة الأزمة بتحالفات من أجل ترشحه للرئاسة ، وهي تحالفات في مواجهة تحالفات منافسة أدت إلى فشل مجلس النواب 46 مرة في انتخاب رئيسا للجمهورية، حتى تم التوافق مؤخرا بمبادرة سعد الحريري، بدعم عون والحفاظ على اتفاقية الطائف.
وتبدلت علاقاته مع سوريا وحزب الله ، من عداء إلى تحالف وحسن جوار .. وقام بالتوقيع على وثيقة تفاهم مع حزب الله في 6 فبراير/ شباط 2006 ، فدخل بقوة في الاستقطاب الثنائي بين كتلة الموالاة وكتلة المعارضة، ومنذ ذلك الحين يعد التيار الوطني الحر أبرز القوى المشكلة لفريق 8 آذار (حزب الله وحلفاؤه)..وكان “حزب الله” حليفه القوي الداعم لترشحه رئيسا للبنان، حتى تحقق هدف الحزب.
وأقام “عون” علاقة حسن الجوار مع سوريا، وتوج التحسن الكبير في العلاقة مع سوريا بزيارته لها في 3 ديسمبر/ كانون الأول 2008 ولقائه مع الرئيس السوري بشار الأسد بعد عداوة مريرة مع نظام الرئيس الأسبق حافظ الأسد.
توقعات الدوائر السياسية في لبنان، فور انتخاب الرئيس وتشكيل الحكومة، ستعمل الدول الغربية وفي طليعتها فرنسا لمساعدة لبنان بعقد اجتماع دولي لدعمه. والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند سيزور البلد بسرعة لمباركة هذا الحدث. فالكل ينتظر خبراً جيداً من منطقة كلها حروب وقتل ومآسٍ، وقد يشهد لبنان تحسناً ما وسط هذا البؤس المجاور. وحدها الأيام ستكشف ملامح العهد الجديد، وما إذا كان سيختلف عما مضى.