تواصل الصحف العالمية، انتقاد ما يسمى بصفقة القرن، التي أعلنها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وتناولتها بالتحليل والنقد، سواء في افتتاحيات بعضها، أو عبر مقالات وتقارير مختلفة، في البعض الآخر، وذلك في نسخها الورقية والرقمية على حد سواء..وجاءت افتتاحية صحيفة «الجارديان» البريطانية، تحت عنوان «خطة ترامب للسلام: احتيال وليست صفقة»، وكتبت الصحيفة: إن خطة سلام ترامب تعتمد بشكل غريب على قبول الفلسطينيين دولة بالاسم فقط.. ومنذ مفاوضات أوسلو للسلام عام 1993 كانت الآمال كبيرة في أن يتم تأسيس الدولة الفلسطينية على أغلب أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة وتكون عاصمتها القدس الشرقية، لكن خطة ترامب تنكرت لكل ذلك وقلصت حجم الدولة الفلسطينية وشوهتها بحيث لم يعد لها فرصة للوجود
.
وتؤكد الصحيفة، أن الخطة تتضمن وضع عوائق لمنع الفلسطينيين من المطالبة بالعدالة في مواجهة جرائم الحرب التي ارتكبت بحقهم ولاتزال ترتكب حتى الآن، بينما يسعى ترامب الذي يصف نفسه بأنه صانع صفقات ليعرض على الفلسطينيين 50 مليار دولار كاستثمارات في مقابل تخليهم عن حقوقهم المدنية وعن حقهم في وطن، لكن الفلسطينيين يرون رجلا محتالا لارغبة لديه لتقديم شيء سوى وعود فارغة..هذه الصفقة تعبير عن رغبات المتطرفين في الولايات المتحدة وإسرائيل، وهي تنهي بالفعل أي أمل في أن يلعب ترامب دور الوسيط في الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
أفضل خطة سلام تحلم بها إسرائيل !
ونشرت «الإندبندنت أونلاين» البريطانية، مقالا بعنوان « لاشيء مؤيد لإسرائيل في خطة ترامب للسلام»..وجاء في المقال: إن الخطة بالإسم فقط تؤيد مبدأ حل الدولتين لكن في الواقع فإن أغلب المحللين المحافظين يؤكدون أنها أفضل خطة سلام كان يمكن أن تحلم بها إسرائيل..الخطة تستقطع ثلث الضفة الغربية وتمنحها لإسرائيل تاركة الفلسطينيين يعيشون في مجموعة من الجزر المنعزلة وسط بحر من الأراضي الإسرائيلية،. وهي لاتشكل خطة طريق للسلام، إنما وسيلة إلهاء وصرف انتباه مثالية لخدمة رئيس أمريكي يواجه محاكمة برلمانية بهدف عزله ورئيس وزراء لإسرائيل يواجه اتهامات خطيرة بالفساد.. لقد أعطى ترامب مباركته لتدشين سياسة متفجرة ليس لها تأييد حتى داخل المجتمع الإسرائيلي، فالخطة تمنح إسرائيل أراض لم يطالب بها أحد قط في الضفة الغربية حيث يعيش أقل من 5 في المئة من الإسرائيليين خارج الخط الأخضر.
وأوضح المقال، أن استطلاعات الرأي في إسرائيل تؤكد أن أغلب المواطنين لايرغبون ولا يتطلعون إلى ضم أراض جديدة، بينما خطة ترامب ستضع أعباء عسكرية لانهاية لها على جيل الشباب في إسرائيل لبقية عمرهم، وهذا هو السبب في أن أغلب المواطنين لا يؤيدون الحركة الاستيطانية التوسعية ويساندون حل الدولتين..إن خطة سلام ناقشها الأمريكيون والإسرائيليون فقط لن تكون وسيلة أبدا لحل الصراع مع الفلسطينيين فهي خطة تتجاهل الأولويات الفلسطينية وتحابي إسرائيل بقصر نظر كارثي، في الواقع فإن الكثير من المحللين الأمنيين الإسرائيليين يرون أنها تجعل مستقبل إسرائيل عرضة لمخاطر جمة ما لم تكن هناك دولة فلسطينية موجودة جنبا إلى جنب معها.
تحالف ترامب ونتنياهو يغذي الشعبوية في العالم
وتشير صحيفة «الفايننشال تايمز» البريطانية، إلى أن تحالف ترامب ونتنياهو يغذي الشعبوية في العالم.. ونشرت الصحيفة مقالا جاء فيه: إن الوضع في خطة ترامب للسلام يخدم دولة واحدة ولا يؤدي إلى السلام، فهدف الخطة الأساسي هو تعزيز فرص الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء الإسرائيلي في الانتخابات..ويضيف: إن خطة ترامب للسلام الإسرائيلي الفلسطيني لا علاقة لها بالسلام مطلقا، مثلما أن ضغطه على أوكرانيا لا علاقة له بمحاربة الفساد، فالرئيس الأمريكي يسعى إلى إبعاد الأنظار عن محاكمة عزله في المجلس الشيوخ، وتذكير الصهاينة المسيحيين، الذين هم أغلب الإنجيليين، بأنه ماض في تحقيق حلمهم في رؤية جميع اليهود في الأرض المقدسة التي تصفها كتبهم. فقد منح ترامب للفلسطينيين ضاحية مغمورة من القدس يتخذونها عاصمة لهم، كأن تضع سياجا حول بلدة «واتفورد» وتسميها لندن، أو حول «ليفيت تاون» وتسميها نيويورك.
إن التحالف بين ترامب ونتنياهو، يذهب إلى أبعد من الانتخابات، فهما يسعيان إلى تطبيع الشعبوية في العالم. فنتنياهو يقول إن العرب يقفون ضده، مثلما قال ترامب إن المهاجرين غير الشرعيين هم الذين منحوا أصواتهم لمنافسته هيلاري كلينتون..إن الليبراليين في الغرب يتوهمون أن نتنياهو معزول في العالم، ولكن الواقع غير ذلك تماما. فقد كان العام الماضي ضيف شرف عند الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وهو يحضر احتفالات اليوم الوطني. وأصبح ناريندرا مودي القوي أول رئيس وزراء هندي يزور إسرائيل.ومن بين كبار المعجبين بنتنياهو نجد ماتيو سالفيني في إيطاليا ورئيس الوزراء المجري فكتور أوربان. وهم يشكلون فئة مختلفة، من أكبر رموزها رئيس الوزراء الإسرائيلي..ويتشابه ترامب ونتنياهو في مسألة أخرى هي خرق القواعد الدبلوماسية. فقبل دعوة ترامب روسيا علنا إلى قرصنة بريد منافسته هيلاري كلينتون الالكتروني، هاجم نتنياهو الاتفاق النووي مع إيران الذي وقعه باراك أوباما في 2015، وهي سابقة في تاريخ العلاقات الإسرائيلية الأمريكية
ترامب منح صديقه نتنياهو «هدية مسممة»
ونشرت صحيفة «لوموند» الفرنسية، مقابلة مع الناشط الحقوقي الإسرائيلي «ميكائيل سفار» الذي اعتبر أن خطة ترامب، ليست خطة سلام بل مخطط لضم أراض، ما قد ينتج حربا ونظام فصل عنصري ابارتايد، عدا عن انتهاكه ركائز القانون الدولي.. ونشرت الصحيفة مقالا يعتبر أن ترامب منح صديقه نتنياهو «هدية مسممة» تضع حدا، لـ «الحلم الصهيوني»، بسبب الثقل الديموغرافي للفلسطينيين..ونشرت الصحيفة مقالا تحت عنوان: «بعد نشوة واشنطن، عودة الى الواقعية في إسرائيل»..ويركز المقال على التحفظات، التي يثيرها الاستعجال بتشريع ضم أجزاء من الضفة الغربية، لدى الجهاز الأمني الإسرائيلي، وذلك لما يفرضه من انتشار مكلف وكثيف للجيش حول البؤر الاستيطانية المعزولة، عدا عن الإشكاليات المتوقعة مع الأردن ومصر، إضافة الى خشية الإسرائيليين من طي صفحة التعاون الأمني مع السلطة الفلسطينية.
ماكرون : «أؤمن بوجود سيادتين»
وتؤكد صحيفة «لوفيجارو» الفرنسية، أن الرئيس ماكرون لا يؤمن بحظوظ هذه الخطة.. واشارت الصحيفة إلى ان الرئيس الفرنسي قال، إن «صنع السلام يستوجب حضور الفريقين، ولا يمكن تحقيقه في وجود طرف واحد، وأنه يؤمن بوجود سيادتين».. وترى الصحيفة أنه «تحول لغوي قبل الإعلان الرسمي عن تخلي فرنسا عن حل الدولتين»..وتساءلت: كيف تكون السيادة من دون دولة؟
بريطانيا على موعد مع خيارات صعلة
وتقول صحيفة «التايمز» البريطانية، إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ينهي جدلا أدى إلى تقسيم البلاد، التي ستكون على موعد مع اختيارات صعبة ولكن هذه الخيارات تفتح أبوابا للفرص..وتضيف: إن بعض البريطانيين يحتفلون بيوم الخروج من الاتحاد الأوروبي، الذي يعد بالنسبة لهم حلما تحقق بعد سنوات من الجهد، أما البعض الآخر فيرونه يوما حزينا، لأنه انتزع منهم هوية ارتبطوا بها، ولكن الأغلبية يشعرون بالارتياح، فقد انتهى أخيرا ذلك الجدل الذي انقسمت حوله البلاد والعائلات فيما بينها، منذ أن دعا رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون إلى استفتاء شعبي بشأن الخروج من الاتحاد الأوروبي..وترى التايمز أن بريطانيا التي تخرج اليوم من الاتحاد الأوروبي ليست بريطانيا التي دخلت النادي الأوروبي عام 1973. فبريطانيا آنذاك كانت تسمى رجل أوروبا المريض، بسبب تدهور اقتصادها مقارنة بدول مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، التي استعادت عافيتها من دمار الحرب العالمية الثانية بطريقة أسرع، وكان الانضمام إلى السوق الأوروبية المشتركة وقتها علاجا لضعف الاقتصاد البريطاني لأنه يفتح لها أبوابا واسعة لفرص التجارة.
وتضيف الصحيفة: إنه من بين الأسباب التي أخرت دخول بريطانيا للسوق الأوروبية 20 عاما هو صعوبة الاختيار بين السيادة الوطنية والاستفادة من فرص السوق المشتركة، وهذا أيضا من بين الأسباب التي دفعت بريطانيا اليوم إلى الخروج من الاتحاد الأوروبي، فمع مرور الوقت أصبح الاتحاد الأوروب، لا يغري بالانضمام، وبدأ ذلك بإنشاء العملة الموحدة، ثم حرية تنقل الأشخاص التي يرى الكثيرون أنها أدت بالملايين من مواطني الاتحاد الأوروبي إلى الهرب من اقتصاديات بلدانهم الضعيفة والاستقرار في بريطانيا، أما اليوم فقد عادت السيادة إلى بريطانيا، وعلى الحكومة اتخاذ القرارات التي تراها مناسبة، ولابد أن تكون الخيارات المطروحة أمامها صعبة لأن الاتحاد الأوروبي سيكون شديدا في الدفاع عن مصالحه في المفاوضات على العلاقات التجارية.