نبيل الحلفاوي.. ياقوت في قبضة «الشيطان»
بشعره الأبيض، وبملابس غير مهندمة، وسمرة أقرب إلى طمي النيل، ووجهٍ يبدو معفرا بالتراب، وعينين يملأهما الترقب والحذر، ونفس أقرب إلى الضعف تميل إلى الهروب الدائم، جسـّد الفنان نبيل الحلفاوي دور ياقوت في رائعة «ونوس» للكاتب والسيناريست عبدالرحيم كمال.
ياقوت فى معادلة ونوس الدرامية
لعل أكثر ما يلفت الانتباه في أداء الحلفاوي لشخصية ياقوت تحديق عينيه المذهل، فحتى الحلقة التاسعة من المسلسل، من إجمالى ثلاث عشرة حلقة حتى الآن، لم يتحدث ياقوت بلسان مبين بقدر ما تتحدث عيناه بفصاحة منقطعة النظير توحي بالشتات والحيرة، بالضعف والخوف، بالهروب والخذلان، وبدءا من منتصف الحلقة التاسعة بدأت أفعال ياقوت تأخذا مسارا مختلفا من التحدي والمواجهة والجرأة النسبية، التى تزيد يوما بعد يوم في مواجهة شيطان «ونوس»، يتابع معها المشاهد ما ستصل إليه مخيلة المؤلف وردود فعل ياقوت أحد أطراف الصراع الدرامي.
«أنـــا حـر»
يكرر ياقوت بين الحين والآخر طوال أحداث المسلسل الذى وصل للحلقة الثالثة عشرة «أنا حر»، وهى الجملة التي تختزل الرسالة الرئيسية لأحداث المسلسل الذى يجسد صراع الخير والشر في النفس البشرية، اعتمادا على الأساطير والنصوص الدينية، بحسب ما صرح المؤلف عبدالرحيم كمال، ويتبادل ياقوت وونوس أطراف الصراع بين الخير والشر، بين خلاص الحرية وعبودية النفس تحت وقع الشهوات والمغريات.
«أنا حر» جملة تبدو عادية في سياق أحداث مسلسل «ونوس» لولا تكرارها على لسان ياقوت، ما يحيلها لجملة مفتاحية تعكس أزمة ياقوت النفسية مع ونوس، واستشعاره بالضعف واتخاذه الهروب مذهبا في الحياة، وهو ما يجعله يكرر كلمة “أنا حر” كنوع من التعويض النفسي ومحاولة شحذ الذات ضد ألاعيب ياقوت.
صراع ياقوت بين الله والشيطان
تتلخص شخصية ياقوت فى وقوعه بين يدى الشيطان ونوس، وما ورطه فيه من اقتراف كل الجرائم من قتل وزنا وسرقة ونصب، بعبارة أخرى جرده من إنسانيته، وجعله يشعر بالخزي الذى أجبره على الهروب من أولاده منذ 20 عاما، وهو يعيش طريدا تائها يبحث عن الله، ويشتاق إلى المحبة وأولاده، يمتلك قصرا بحديقة تحقق ثروة تغني أولاده عن اختفائه عنهم، لكن عليه إذا وافق على الصفقة أن يوقع لونوس على عقد يحكم به الأخير قبضته عليه، ويستذله من خلاله.
يتلاعب ونوس بأولاد ياقوت، وتبدأ رحلة البحث والمطاردة والعثور والتيه، حتى يصل ياقوت لمنطقة الحسين، وتطيب له الحياة بين الدراويش، وتظهر شخصية القصبي التي يروي له قصته عقب خروجه من المنزل هربًا من الفقر ثم عقده مع الشيطان، الذى غواه ثم هربه منه ورغبته فى العودة إلى الله.
تحول درامي يصيب شخصية ونوس بعد الاعتراق الأشبه بالتطهر، يجعله يدرك إرادته نسبيا ويغير من مسارات الهروب إلى المواجهة، تتحول نظرات الخذلان إلى قوة وتحد، والضعف والهزال إلى إرادة بعد أن تعرف إلى أبنائه، وذاق المحبة بعد الحجب.
الحلفاوي نجح وبجدارة أن ينضم لتيار فنى يعتمد بصمة العين، إن صح التعبير، وإيحاءاتها ودلالتها لتكون أداة قوية في توصيل رسالة الشخصية التى يؤديها، ويصنف نفسه بين جيل من أساتذة الفن المصري، يأتي على رأسهم الفنانون (محمود مرسي وعبد الله وحمدي غيث وأحمد زكي)، ولن يكون الخلفاوي آخر من سينضم لصفوف هذا التيار الفنى.
