تحت راية “نحن جائعون” أشعل الشباب اللبناني الخميس شرارة جديدة في ساحتي الشهداء ورياض الصلح وسط العاصمة بيروت، احتجاجًا على الحياة الاستثنائية والوضع المتردي اللذين يعيشهما اللبنانيون بعد الأزمة الاقتصادية الحادة، والهبوط غير المسبوق للعملة المحلية، متهمين الحكومة الحالية برئاسة حسان دياب بالفساد والعجز عن إيجاد حلول والفشل في مواجهة الأزمات.
وجرى “توحيد للشعارات والهتافات المطلبيّة والمعيشيّة”، وفق ما أوردت “الوكالة الوطنية للإعلام” الرسميّة، وقال هيثم المشارك في التظاهرة، بحسب فرانس برس “مطلبنا عيّشونا بكرامة”، مؤكّداً أنّ الأشغال متوقّفة ولا قدرة على شراء الضروريّات، وأنّ الناس “ما بقى قادرة تتحمّل”.
وشهدت أعداد المتظاهرين أمام مقر جمعية المصارف وسط بيروت ازديادا ملحوظا وسط حالة من الغضب لما آلت إليه الأوضاع المعيشية وانهيار الليرة، ودعوات لإسقاط المنظومة السياسية واستقالة الحكومة.
وتجمع المتظاهرون الخميس على الدراجات النارية أمام مصرف لبنان في وقت تزايدت فيه أعداد المحتجين تحت جسر المشرفية وعند جسر الرينغ.
وأغلق لبنانيون الطرق باستخدام الإطارات المشتعلة وصناديق القمامة بأنحاء بيروت وعدة مدن مع تجدد الاحتجاجات التي أججها التراجع السريع في سعر العملة مقابل الدولار والصعوبات الاقتصادية المتراكمة.
إصابات
وفي طرابلس، ثاني كبرى مدن لبنان، أكدت مراسلتنا كلاودى أبي حنا أن عناصر الجيش اللبناني أطلقت القنابل المسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين أمام مصرف لبنان، بعدما حاولوا اقتحامه واشتبكوا مع عناصر الجيش والقوى الأمنية، ما أدى إلى إصابة 8 أشخاص بجروح.
وعمل جهاز الطوارئ والإغاثة في الجمعية الطبية الإسلامية على إسعافهم جميعا ونقل 4 منهم إلى مستشفيات النيني، المظلوم والإسلامي للمعالجة.
وأشارت كلاودي إلى تكسير زجاج المحال وإشارات المرور في ساحتي رياض الصلح والشهداء، ووقوع عدد من الجرحى، بينها إصابة أحد أفراد الأمن بجروح بعد إلقاء المتظاهرين الحجارة على القوات اللبنانية.
محاولة اقتحام البرلمان
حاول المحتجون اقتحام البرلمان اللبناني على شاكلة وصولهم لمصرف لبنان بطرابلس الذي تم إشغال النيران فيه، كما تم اقتحام فرع آخر لأحد المصارف وإلقاء محتوياته، إلا أن قوات الأمن تصدت للمحتجين ومنعتهم من اقتراب مبنى مجلس النواب.
ويشهد لبنان أسوأ انهيار اقتصادي منذ عقود، يتزامن مع شحّ الدولار وتوقّف المصارف عن تزويد المودعين بأموالهم بالدولار.
وتسبّبت الأزمة بارتفاع معدّل التضخّم وجعلت قرابة نصف السكّان تحت خط الفقر.
هدوء مؤقت
ساد الهدوء المؤقت وسط العاصمة بعد انصراف المحتجين في الساعات الأولى من صباح الجمعة منتظرين ما ستسفر عنه الجلستان الاستثنئايتان خلال اليوم إحداهما في مقر رئاسة الوزراء والأخرى في مقر الرئاسة.
وأصدر المكتب الإعلامي لرئاسة مجلس الوزراء اللبناني بيانا أعلن فيه أن رئيس الحكومة الدكتور حسان دياب ألغى مواعيده الجمعة، من أجل عقد جلسة طارئة لمجلس الوزراء مخصصة لمناقشة الأوضاع النقدية، عند التاسعة والنصف صباحًا في السراي الحكومي، على أن تستكمل الجلسة عند الساعة الثالثة في القصر الجمهوري.
خسوف العملة
وتراجعت العملة الوطنية الخميس إلى 5000 ليرة مقابل الدولار وفقدت 70% من قيمتها منذ أكتوبر الأول عندما غرق لبنان في أزمة اقتصادية ينظر إليها باعتبارها التهديد الأكبر لاستقرار البلاد.
وكان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أعلن أن ما يتم تداوله عبر وسائل التواصل الاجتماعي من معلومات عن سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية بأسعار عار عن الصحة تماماً وبعيد عن الواقع وغرضه تضليل المواطنين.
وطلب الحاكم من جميع الصرافين المرخصين من الفئة “أ” أن يتقدموا لمصرف لبنان بطلباتهم لشراء الدولار على سعر 3850 ليرة لبنانية على أن ينخفض تدريجياً إلى سعر 3200 ليرة.
يذكر أن جمعية تجار طرابلس دعت إلى الإضراب العام الجمعة استنكارا لما آلت إليه الأوضاع، مناشدين المعنيين بضرورة الانكباب على إيجاد الحلول والمعالجات الفورية.
استمرار العحز الحكومي
ولا تزال الحكومة اللبنانية عاجزة عن احتواء الأزمة وتعلّق آمالها على صندوق النقد في محاولة للحصول على أكثر من 20 مليار دولار بينها 11 مليارا أقرّها مؤتمر سيدر في باريس عام 2018 مشترطاً إجراء إصلاحات لم تر النور.
ونبّهت مجموعة الأزمات الدولية في تقرير الإثنين إلى أنّ “لبنان يحتاج إلى مساعدات خارجية ملحّة لتفادي أسوأ العواقب الاجتماعية” شرط أن تكون مقرونة بتبنّي السلطات إصلاحات ضروريّة ما زالت تتجاهلها.
ودفعت هذه الأزمة مئات آلاف اللبنانيين للخروج إلى الشارع منذ 17 أكتوبر احتجاجاً على أداء الطبقة السياسية التي يتّهمونها بالفساد والفشل في إدارة الأزمات المتلاحقة.
ووجد عشرات الآلاف أنفسهم خلال الأشهر الأخيرة يخسرون وظائفهم أو جزءاً من رواتبهم، ما رفع معدل البطالة إلى أكثر من 35 %، حسب إحصاءات رسمية.
وينعكس الانخفاض في قيمة العملة المحلية على أسعار السلع والمواد الغذائية وكلّ ما يُستَورد، كالمفروشات والأدوات الكهربائية وقطع السيارات.