نصف قرن على رحيل زعيم استثنائي.. لا يزال عصيّا على الموت

نصف قرن ـ بالتمام والكمال ـ على زمن الرحيل، ويبدو أن عبد الناصر «الرمز» سيبقى  عصيّا على الموت والغياب، بشخصيته المتفردة..عاش بمقاييس الزمن حياة قصيرة، فقد رحل عن 52 عاما و8 أشهر و13 يوما، ظهر فيها على مسرح التاريخ لمدة 18 عاما، مثلت فصلا استثنائيا في التاريخ العربي كله.. «زعيم استثنائي» أعطى أمته يقينا متجددا بأنها موجودة، وأعطى لهذا اليقين المتجدد، حركته التاريخية، وأنجز بهذه الحركة مهاما كبيرة على أرضها، وحول أرضها، وفي العالم.

 

وهذه الرؤية للرمز الاستثنائي، عبر عنها القيادي والسياسي  البارز في تاريخ النضال الفلسطيني، المناضل الراحل صلاح خلف (أإبو إياد) متسائلا بدهشة وحزن في نفس الوقت: «هل يعقل أن يغيب رجل واحد من ساحة امة فتختلف أمورها إلى هذا الحد؟! لم يكن في مقدور أحد ان يقنعني ان فردا واحدا يمكن أن يكون له التأثير، لولا أن الحقيقة أماما: قبل جمال عبد الناصر كنا في حال، وفي وجوده أصبحنا في حال، وبعده  حالنا يصعب على الكافرين والله».

 

وبعد رحيل الزعيم العربي ناصر، أثارت وسائل الإعلام الغربية، مسألة  «دور الفرد في التاريخ»، وتناولت مجلة الإيكونوميست  الأمريكية، في تحليل لها في العام  1984 ، «ظاهرة  الزعيم» وأن (أزمة العالم العربي، هي البحث عن القائد الزعيم، والذي بقي مكانه شاغرا بعد رحيل الرئيس المصري جمال عبد الناصر) .. وهو ما عبر عنه الكاتب الأمريكي الشهير توماس فريدمان، بأنه مع بداية السبعينيات من القرن الماضي، فقد العالم العربي «الربان» الذي كان يأمر فيطاع، ويقول فيستمع إليه جميع القادة العرب،  ويقرر فينفذزن، كانت لديه القدرة و«الملكة» على التأثير النافذ في الشعوب العربية قاطبة.

رحل عبد الناصر.. واقتصاد مصر أقوى من اقتصاد كوريا الجنوبية، ولدى مصر فائض من العملة الصعبة تجاوز المائتين والخمسين مليون دولار بشهادة البنك الدولى،  وبلغ سعر الجنيه الذهب 4 جنيه مصر.. رحل بعد أن تحقق له حلم إنشاء  أكبر قاعدة صناعية فى العالم الثالث، حيث بلغت عدد المصانع التى أنشأت فى عهده 1200 مصنع ، منها مصانع صناعات ثقيلة وتحويلية وإستراتيجية .. وتم إدخال الكهرباء والمياه النظيفة والمدارس والوحدات الصحية والجمعيات الزراعية إلى كل قرى مصر، وتم ضمان التأمين الصحي والإجتماعي والمعاشات لكل مواطن مصري .. وزيادة مساحة الرقعة الزراعية بنسبة 15% ولأول مرة تسبق الزيادة فى رقعة الأرض الزراعية الزيادة فى عدد السكان .. وزاد عدد الشباب فى المدارس والجامعات والمعاهد العليا بأكثر من  300 % .. وزادت مساحة الأراضى المملوكة لفئة صغار الفلاحين من 2,1 مليون فدان إلى حوالى 4 مليون فدان .. وكل ذلك تم بدون ديون على مصر.

ولم تكن عملة مصر مرتبطة بالدولار الأمريكى، بل كان الجنيه المصرى يساوى ثلاثة دولارات ونصف، ويساوى أربعة عشر ريال سعودى بأسعار البنك المركزى المصري.. رحل الزعيم الإستثنائي ولم تكن هناك بطالة، ولم تكن هناك أزمة تعيينات أو وسائط أو رشاوي.. وربما كان الأهم ، والأكثر أهمية ، أن مصر لم تسمع  في حياته عن «فتنة طائفية».

 

واليوم، وبعد نصف قرن على رحيل عبدالناصر، وبحسب تعبير ورؤية المفكر الإماراتي، علي عبيد الهاملي ، فإن نظرة إلى واقع العالم العربي، الذي تسوده النزاعات والانقسامات الدينية والمذهبية والطائفية والعرقية وكل أشكال الاختلاف والتمزق، تعطينا فكرة عما وصل إليه حال العرب الذين ناضل عبدالناصر من أجل تخليص نفوسهم من هذه النزعات، وحارب ليجمع الأمة على العوامل المشترَكة بينها، وتهميش المختلَف عليه.. ويضيف عبيد الهاملي: «هذا حال الأمة التي كان عبدالناصر أهم قادتها وأبرز رموزها، ولم يحظ بحب شعوبها في النصف الثاني من القرن العشرين زعيم مثلما حظي جمال عبدالناصر، ولم يؤثر في هذه الشعوب زعيم مثلما أثّر جمال عبدالناصر، بتوجهه القومي، وبخطبه التي كانت تنتظرها الجماهير العربية بلهفة، وتتجاوب معها وهي على بعد آلاف الأميال من مصر العروبة، التي اكتسبت صفتها هذه من خطب عبدالناصر، ومن مواقفه الوطنية والقومية».

وربما كفتنا نظرة واحدة على خريطة الواقع العربي، قبل وأثناء وبعد دور جمال عبد الناصر، لكي نعرف تأثير فرد في التاريخ العربي: قبل دوره كانت الأمة العربية بأسرها، تتحكم فيها وفي شعوبها وفي مواردها امبراطوريتين كبيريتين ( بريطانيا وفرنسا) ووراءها الولايات المتحدة الأمريكية تؤيد وتدعم وعند اللزوم تتقدم، وفي إطار هذا التحكم الغربي العام، أقيمت دولة الاحتلال فوق الجغرافية الفلسطينية.. وأثناء دوره ، كانت هناك صورة حيّة لأمة تهب عليها رياح التغيير وروح الاستقلال الوطني والقومي تسقط الإمبراطوريات القديمة وتتعثر محاولات السيطرة الأمريكية، وحركة عربية يقظى في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

قاد الزعيم جمال عبد الناصر حركات التحرر فى مختلف دول العالم، وقدم نموذجا يحتذى به فى الاستقلال والاخلاص للوطن، واستطاع عبد الناصر أن يكون حجر زاوية مهما فى السياسة العربية والعالمية، وكان صاحب مشروع واضح المعالم فى مصر، وفى علاقاتها بأفريقيا والعالم العربى وبقية دول العالم.

ولد جمال عبد الناصر فى 15 ينايرم كانون الثاني 1918، فى حى باكوس الشعبى بالإسكندرية، لأسرة تنتمى إلى قرية بنى مر بمحافظة أسيوط فى صعيد مصر، وانتقل فى مرحلة التعليم الأولية بين العديد من المدارس الابتدائية حيث كان والده دائم التنقل بحكم وظيفته فى مصلحة البريد، فأنهى دراسته الابتدائية فى قرية الخطاطبة إحدى قرى دلتا مصر، ثم سافر إلى القاهرة لاستكمال دراسته الثانوية، فحصل على شهادة البكالوريا من مدرسة النهضة الثانوية بحى الظاهر بالقاهرة فى عام 1937.

 بدأ عبد الناصر حياته العسكرية وهو فى التاسعة عشرة من عمره، فحاول الالتحاق بالكلية الحربية لكن محاولته باءت بالفشل، فاختار دراسة القانون فى كلية الحقوق بجامعة فؤاد (القاهرة حالياً)، وحينما أعلنت الكلية الحربية عن قبولها دفعة استثنائية تقدم بأوراقه ونجح هذه المرة، وتخرج فيها برتبة ملازم ثان فى يوليو 1938.

 

عمل جمال عبد الناصر فى منقباد بصعيد مصر فور تخرجه، ثم انتقل عام 1939 إلى السودان ورُقى إلى رتبة ملازم أول، بعدها عمل فى منطقة العلمين بالصحراء الغربية ورُقى إلى رتبة يوزباشى (نقيب) فى سبتمبر1942 وتولى قيادة أركان إحدى الفرق العسكرية العاملة هناك. وفى العام التالى انتدب للتدريس فى الكلية الحربية وظل بها ثلاث سنوات إلى أن التحق كلية أركان حرب وتخرج فيها فى 12 مايو 1948، وظل بكلية أركان حرب إلى أن قام مع مجموعة من الضباط الأحرار بثورة يوليو.

شارك فى حرب 1948 خاصة فى أسدود ونجبا والفالوجا، وربما تكون الهزيمة العربية وقيام دولة إسرائيل قد دفعت بعبد الناصر وزملائه الضباط للقيام بثورة 23 يوليو 1952.

نصف قرن على رحيل الرجل الاستثنائي في حياته.. والرجل الظاهرة بعد رحيله.. وهو ما عبر عنه الشاعر الكبير الراحل عبد الرحمن الأبنودي في قصيدة مواويل للذكرى:

 

«عاش جمال عبد الناصر وهو ميت .. يعيش جمال حتى ف موتُه»

 

 

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]