نفذ صبر العراقيين..ثورة ضد الفقر والأحزاب والتدخلات الخارجية
كشفت تظاهرات البصرة في الجنوب العراقي، التي أشعلت نار الغضب العراقي في المشهد السياسي، عن انتفاضة شعبية تمددت لتشمل مدن ومحافظات العراق، وصفتها الدوائر السياسية في بغداد، بأنها ثورة شعبية عراقية ضد مثلث «الأحزاب، والفقر، والفساد»، بعد أن نفذ صبر العراقيين، طوال 15 عاما.. وهو ما حذرت منه المرجعيات الشيعية، وعبر عنه ممثل السيستاني في كربلاء، الشيخ عبد المهدي الكربلائي، في خطبة الجمعة، أمس، بأن «هذا الشعب الصابر المحتسب لم يعد يطيق مزيداً من الصبر على ما يشاهده ويلمسه من عدم اكتراث المسؤولين لحل مشاكله المتزايدة وأزماته المستعصية، بل إنشغالهم بالتنازع فيما بينهم على المكاسب السياسية ومغانم المناصب والمواقع الحكومية، والسماح للأجانب في التدخل بشؤون البلد وجعله ساحة للتجاذبات الإقليمية والدولية، والصراع على المصالح والأجندات الخارجية».
حركة شعبية واسعة تدين الوضع الراهن
- ويتفق المراقبون، مع توصيف ممثل السيستاني في كربلاء، بأن انتفاضة الغضب الشعبي العراقي، والتي قد تتحول إلى عصيان مدني شامل، هي حركة شعبية واسعة تدين الوضع الراهن ( سياسيا واقتصاديا واجتماعيا)ن بعد أن صبر الشعب العراقي طويلاً على ما تعرض له منذ سقوط النظام السابق، وتحمل شرائح واسعة منه الكثير من الأذى والحرمان طيلة 15 عاماً على أمل أن يسفر النظام الجديد عن وضع مختلف عن السابق يحظون فيه بحياة كريمة ومستقرة، وأن «ما يعاني منه المواطنون في البصرة وفي محافظات أخرى، من عدم توفر الخدمات الأساسية وانتشار الفقر والبطالة واستشراء الفساد في مختلف مؤسسات الدولة، انما هو نتيجة طبيعية للأداء السيئ لكبار المسؤولين وذوي المناصب الحساسة في الحكومات المتعاقبة، التي بنيت على أساس المحاصصات السياسية والمحسوبيات وعدم رعاية المهنية والكفاءة في اختيار المسؤولين».
الواجهات السياسية المزيفة.. صتعها الاحتلال
صورة المشهد العراقي، واشتعال الحراك الشعبي ـ الأسباب والتداعيات ـ أصبحت محل توافق من يتابع نيران الغضب في المحافظات العراقية، بأن الوضع يرجع أساسا إلى أن «الواجهات السياسية المزيفة» التي صنعت في ظل الاحتلال أصبحت «منبوذة» من الجماهير والقوى العراقية، بحسب تعبير الشيخ عبد المهدي الكربلائي، وأن «مآلات الوضع القائم في العراق هو أمر محتّم لمشروع جاء به المحتل الأجنبي وفرضه على الشعب العراقي بالقوة»ز
مطالب بدعم حركة الجماهير المطالبة بالحقوق
- سياسيون وخبراء عراقيون، يؤكدون أن الوضع قد يصبح خارج السيطرة، إذا لم تخضع «صرخات الجماهير» المطالبة بالحقوق المشروعة، بالرعاية والاحترام والقبول، لا أن تجابه بإطلاق النار لإسقاط هذا العدد الكبير من الضحايا».. بينما طالب ممثلو المرجعية الشيعية في كربلاء، بوجوب استمرار حركة الجماهير المطالبة بالحقوق، ودعم هذه الحركة من كل أبناء العراق، و«أن على العلماء والمفكرين والشخصيات القيادية في العراق إلى التلاحم والعمل المشترك لإيجاد الأرضية المناسبة لقيام عملية سياسية وطنية تضمن مصالح الشعب العراقي، وتمنع مخطط التقسيم والفتنة الذي جاء به الاحتلال».
رسائل شعبية ضد الأحزاب والتدخلات الخارجية
ويرى المحلل السياسي العراقي، عبد الرشيد الكومي، أن ما يحدث في محافظة البصرة، مشهد مكرر في المحافظات العراقية الأخرى التي لم تعد تحتمل «الصبر» على الأوضاع المتردية، بينما يتنافس السياسيون على المكاسب الشخصية والطائفية والعرقية والمذهبية ليصبح المواطن هو الضحية..وقال عبد الرشيد، هناك دلالات واضحة من اشتعال الغضب الشعبي، من حرق مكاتب الأحزاب ومقر المحافظة في البصرة، وحرق مقر إحدى فصائل «الحشد الشعبي»، تعبيرا عن استهداف ورفض شعبي للسياسيين والأحزاب وميلشياتها المسلحة.
- وأضاف المحلل السياسي، إن الرسالة الشعبية الثانية، جاءت برفض التدخلات الخارجية، ممثلة في النفوذين الإيراني والأمريكي، باقتحم متظاهرين في البصرة أمس، مقر القنصلية الإيرانية في المدينة وأحرقوه، بعدما أحرقو مقار الأحزاب والفصائل المسلحة، التي تدين بالولاء لإيران، أو التي تهادن المحتل الأمريكي، ثم تعرض المنطقة الخضراء في بغداد لقصف بقذائف «هاون».
ثورة عراقية ضد الجوع والقمع والفساد
- وداخل المشهد المشتعل بغضب المتظاهرين، يقول ناشطون عراقيون: إن «ثورتنا هي ثورة عراقية ضد الجوع والقمع والاستبداد، وأن إعلام الأحزاب يقوم بتزييف الحقائق ويحاول قمع المتظاهرين بكل ما يمكن من أساليب قمعية وترهيب للمدنيين، وأن تظاهراتهم مستمرة حتى تحقيق جميع المطالب والخلاص من هيمنة وسيطرة أحزاب الفساد على ثروات البلاد».
إعادة تشكيل المشهد السياسي
- وتخيم الانتفاضة الشعبية على الشارع العراقي، ويستبعد خبراء عراقيون، إحباط التظاهرات الشعبية، أو تحجيمها، في مواجهة غليان شعبي غير مسبوق، وقد فقد العراقيون الثقة في الساسة وتصريحاتهم، ومن المتوقع أن تساهم حركة الغضب في إعادة تشكيل المشهد السياسي، خاصة وأن المشهد الأخير من جلسات مجلس النواب، والفشل في تسمية رئيس المجلس ونائبية، وصراع الكتل السياسية من أجل الفوز بمكاسب تشكيل الحكومة الجديدة، أصاب الشارع العراقي بالاحباط الذي فجر الغضب الشعبي.
