تحت عنوان “داعش لم يمت بعد” تساءل الخبير اﻷمريكي “أنتوني بلينكن” في مقال نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” اﻷمريكية عن الاستراتيجية التي سوف تتخذها الولايات المتحدة لعدم عودة الدولة اﻹسلامية من جديد.
داعش لم يعد يسيطر على مساحات كبيرة في العراق، لكن مع احتفال إدارة ترامب بنهاية «الخلافة» كما نعرفها، من المبكر الشعور بالراحة، وخاصة في غياب استراتيجية لمرحلة ما بعد داعش.
قبل 15 عاما، في بداية عهد الرئيس جورج دبليو بوش وقبل غزو العراق، أثار السيناتور آنذاك “جو بايدن”، و” ريتشارد لوجار” تساؤلات كبيرة حول بعد صدام حسين، ما هي مسؤولياتنا؟ لم يتم اﻹجابة على هذا السؤال ولكن ثبت أنه الأكثر أهمية.
“الدولة الإسلامية” كانت بديل “صدام حسين”، والمسألة التي طرحوها تظهر بشدة اليوم، وحتى عندما هزمت داعش عسكريا، فإن الظروف السياسية والاقتصادية التي ساهمت في صعودها سوف تستمر، إذا كيف نضمن أن يظل داعش مهزوما؟
والسؤال الأكثر إلحاحا هو كيف نحافظ على استقرار المدن المحررة، وتأمينها وإعادة بنائها حتى يتمكن المشردون من العودة لديارهم.
والخبر السار، أن ائتلافا من 68 دولة بقيادة الولايات المتحدة لمحاربة داعش جمع الأموال اللازمة لبدء هذه العملية من خلال الأمم المتحدة، وهناك خطة مماثلة لسوريا، لكن الحرب الدائرة هناك ستجعل من الصعب تنفيذها.
يعيش 25 مليون مسلم سني بين بغداد ودمشق، وما لم يقتنعوا بأن دولتهم تحميهم ولا تضطهدهم، فإن داعش سيجد الكثير من المجندين والمؤيدين الجدد.
ويقدم العراق أفضل فرص النجاح للتنظيم، ومن المرجح أن تستمر الظروف التي أدت إلى صعوده، مما يعزز عودة داعش مرة أخرى.
لا يمكن للولايات المتحدة أن تفرض اﻷمور على العراق، إلا أنه يمكن أن يدعم من يضع العراق في الاتجاه الصحيح.
وهذا يبدأ بدعم “حيدر العبادي” رئيس الوزراء العراقي، الذي يدعو للفيدرالية، فتلك أفضل طريقة لإقناع السنة بأن مستقبلهم داخل العراق وليس مع داعش جديد، كان العراقيون السنة يعارضون الفيدرالية لصالح حكومة مركزية قوية، على نحو متزايد.
وينص الدستور العراقي على تطبيق اللامركزية، لكنه لم يدخل حيز التنفيذ حتى اﻵن، ويصر البعض داخل المجتمع الشيعي، الذي تدعمه إيران، على الإبقاء على مكاسب حكم الأغلبية.
بدء الفيدرالية في الحياة يبدأ بالتنفيذ الفعال لقانون يحكم الميليشيا العراقية المعروفة باسم “الحشد الشعبي”. ووضع الوحدات تحت سيطرة داعش، وبعيدا عن السياسة وعن المناطق السنية.
كما أن القوات السنية التي تمت تعبئتها في المعركة ضد داعش تحتاج إلى البقاء تحت مظلة الدولة وتتحمل المسؤولية عن تأمين أراضيها، كما يجب على بغداد التأكد من أن الاستثمارات ومشاريع البنية التحتية الكبرى لا تهمل مناطق السنة.
وفي الوقت نفسه، ينبغي أن تستخدم إدارة ترامب العلاقات القوية التي أقامتها مع جيران العراق، لإشراك بغداد وتعزيز التكامل الإقليمي مع العراق، وتهدئة طموحات المجتمع السني.
الطموحات الكردية تشكل تحديا بالنسبة لاستقرار العراق، فقد دعا “مسعود بارزاني” ﻹجراء استفتاء حول الاستقلال في سبتمبر القادم، وفي الوقت نفسه، استفاد الأكراد من القتال ضد داعش للسيطرة على 70 % من الأراضي شمال العراق التي هي موضع خلاف مع العرب.
الاستقلال الكردي حلم قوي، ويرى البارزاني أن تحقيقه مهم للغاية، ولكن التحرك بسرعة كبيرة سيؤدي إلى غضب بغداد والسنة، ناهيك عن تركيا وإيران، وإذا بقيت أسعار النفط منخفضة، سوف يواجه اﻷكراد مشاكل كبيرة.
سؤال أخير، ما هو الوجود العسكري للولايات المتحدة، الذي ينبغي أن يبقى في العراق للمساعدة في التأكد من أن داعش لن تعود مرة أخرى؟ رحيل أميركا نهاية عام 2011 يعكس الواقع حينها، معظم العراقيين في ذلك الوقت يريدون رحيل القوات اﻷمريكية.
لكن الآن، مع استيقاظ العراق من كابوس داعش، قد تكون هناك رغبة أكبر في إبقاء بعض الأمريكيين لتدريب القوات العراقية، وتوفير الدعم الاستخباراتي ومكافحة الإرهاب، ولكن ليس للمشاركة في القتال.
كيف ستخوض إدارة ترامب في حقل الألغام السياسي المسمى العراق، هذا سيكون اختبارا حاسما؟
