نيويورك تايمز: مصر تنتصر في معركة فيروس سي 

في قرية شباس الشهداء التابعة لمحافظة كفر الشيخ المصرية، يعرف عبد الجواد العباد تمامًا كيف أصيب بفيروس سي، فعندما كان طالبًا في المدرسة في هذه القرية المشهورة بزراعة الأرز في دلتا النيل، كان هو وزملاؤه الطلاب يذهبون كل شهر إلي العيادة المحلية لحقنهم ضد مرض البلهارسيا (مرض طفيلي ينتقل عن طريق القواقع المائية).

 

وكانت الممرضة تغلي الحقن، وتملأ كل حقنة بخمس جرعات، ثم تحقن بإبرة واحدة خمسة أولاد، الواحد تلو الآخر.

يتذكر العباد قائلًا «لم أكن أريد أن تلمس الإبرة الساخنة جلدي، فظننت أنني أتصرف بذكاء حين كنت أسمح للطلاب الآخرين أن يتلقوا الحقنة قبلي».

بحسب إحصاءات لمنظمة الصحة العالمية، يعاني ما لا يقل عن 10% من المصريين من التهاب الكبد الوبائي «فيروس سي»، ستة ملايين منهم أصيبوا عن طريق الإبر غير المعقمة خلال حملة الدولة لمكافحة مرض البلهارسيا التي استمرت لعقود، وتركت فيروس سي ينتقل وينتشر بخفاء داخل أجساد المصريين.

16hepatitis7-tmagarticle

ولكن تجربة جديدة تتبعها الدولة لمحاربة المرض، رصدتها صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية خلال تقرير مطول عن انتشار ومكافحة فيروس سي داخل مصر، حيث قالت الصحيفة «ثمة تجربة عظيمة تتكشف معالمها في مختلف أنحاء البلاد قد تغير كل ذلك».

فقد بدأت شركات الأدوية، انطلاقا من الشعور بالذنب وتأنيب الضمير بعد أن وُصمت بعار حجب أدوية الإيدز المنقذة للحياة عن الدول الفقيرة في أفريقيا، باختبار استراتيجية بديلة: عقد صفقة معقدة لبيع عقاقير معالجة التهاب الكبد بأسعار لا تغطي سوى جزء يسير من الكلفة المعتادة، مع فرض قيود مشددة هدفها حماية الأسواق المربحة في العالم الغربي.

وبحسب الصحيفة أثارت الاستراتيجية صيحات غضب من المدافعين عن الصحة العامة في بعض الأوساط، ولكن إذا نجحت هذه الترتيبات مع مصر، فستصبح مخططا تفصيليا لا للقضاء على مرض التهاب الكبد في جميع أنحاء العالم فحسب، وإنما أيضا لتوفير أحدث الأدوية المتطورة للمواطنين في الدول الفقيرة التي تعجز عن تحمل نفقاتها.

وتري الصحيفة أن التجربة المستمرة منذ عام واحد تقريبًا  ستكلل بالنجاح حتي وإن بدت ضعيفة الآن.

شفي عبد الجواد العباد أخيرا من التهاب الكبد في ربيع هذا العام. فمصلّح تكييف الهواء هذا خضع لبرنامج علاجي لمدة ثلاثة أشهر شملت سوفوسبوفير (سوفالدي)، العقار الأول لمعالجة المرض، ورغم أن تلك الحبوب تكلف في الولايات المتحدة أكثر من 84 ألف دولار، لكنه حصل عليها مجانا من الحكومة المصرية، التي دفعت نحو 900 دولار.

وقال عبد الجواد للصحيفة «كنت في السابق أشعر وكأنني أحتضر، أما الآن فإنني أشعر بما لم أشعر به من قبل. أشعر كما لو كان عمري 35 عاما مرة أخرى».

16hepatitis3-tmagarticle

مشكلة عالمية

ما يقرب من 150 مليون شخص مصابون بالتهاب الكبد الوبائي «فيروس سي» المزمن، أي أربعة أضعاف عدد المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية، ويلاقي ما يقرب من 500 ألف شخص حتفهم كل عام بسبب مضاعفات هذا المرض، وخاصة تليف وتشحم الكبد وسرطان الكبد.

ورغم أن المرض ينتقل من خلال ملامسة الدم، إلا أن أعراضي لا تظهر ربما لسنوات، وبعض المرضي يشفون من العدوي من تلقاء أنفسهم، ولكن المرض في معظم المصابين يصبح مزمنًا ويلحق ببطء أضرارًا بالكبد مع مرور الوقت.

وتعتبر مصر أكثر بلدان العالم التي يترسخ فيها هذا المرض، فبحسب التقديرات هناك 150 ألف إصابة جديدة كل عام نتيجة إعادة استخدام الحقن المعدة للاستخدام مرة واحدة فقط، ونتيجة خز الإبرة بصورة عرضية واستعمال ملوثات طبية ملوثة، وحتي تبادل أدوات تقليم الأظافر وفرش الأسنان بين أفراد الأسرة الواحدة.

وتقول الدكتورة منال حمدي السيد، التي تدير حملة التوعية الوطنية بالتهاب الكبد، إن كل مصري مصاب بالفيروس ينقل العدوى في المتوسط الى ثلاثة مصريين آخرين. ويدير معهد الكبد القومي المصري 50 مركزا للعلاج ويستهلك ثلث ميزانية الصحة الوطنية.

ورغم ذلك يسيطر الخوف من هذا المرض على العديد من الناس، حيث يقول شريف مشاوي، وهو حلاق في أحد أحياء الطبقة العليا في القاهرة، أنه يغسل يديه بمطهّر، ويمسك بكيس من البلاستيك الشفاف يحتوي على مشط وشفرة حلاقة لاستعمالها مرة واحدة فقط مع كل زبون.

ويضيف مشاوي (52 عاماً) إن زبائنه «لا بد أن يروني بأعينهم أفتح الكيس» وما يقرب من ربع زبائنه يجلبون معهم مقصاتهم الشخصية وأدوات الحلاقة الأخرى.

وهو يرتدي قفازات مطاطية أثناء حلاقة الزبائن. ففيروس التهاب الكبد يمكن أن يعيش مدة يومين أو أكثر على أدوات الحلاقة، ويعرف السيد شريف أن الخطر كامن حتى في أخدود الشفرة في ماكينة الحلاقة.

16hepatitis4-tmagarticle

وإذا كان انتشار المرض في القاهرة سيئا، فانتشاره أسوأ في قرى دلتا النيل، حيث أن نصف الرجال الذين تجاوزوا الخمسين من العمر مصابون به.

أما السيد محمد خفاجي، وهو مرشد سياحي من قرية تشتهر بزراعة الأرز، فيقول إن كل عائلة يعرفها منيت بخسارة شخص بسبب مرض التهاب الكبد سي. فمرض الكبد قتل والده واثنين من أعمامه وابن عمه.

والسيد محمد خفاجي، وعمره 39 سنة، مصاب أيضا بالمرض، وقد وصل التليف لديه الى الدرجة الثالثة، وهي حالة تستدعي في أي بلد غني توخي العلاج السريع.

وهو يعلم أن الأدوية اللازمة للشفاء من مرضه تتوالى على البلد من الغرب. ولكن أقرب عيادة حكومية إليه تقع في كفر الشيخ، وتبلغ مدة انتظار مراجعة الطبيب في تلك العيادة ثلاثة أشهر.

وتساءل بصوت عال، «هل سأبقى على قيد الحياة إلي ذلك الحين»؟

دواء يغير قواعد اللعبة

وقالت الصحيفة «مصر، كونها بلدا فقيرا، لديها نظام فعال نسبيا للرعاية الصحية، بما في ذلك جحافل من المتخصصين في أمراض الكبد. وإن وزارة الصحة، التزاما منها بإصلاح الضرر الناجم عن حملة مكافحة البلهارسيا، وضعت في عام 2007 خطة وطنية طموحة لعلاج التهاب الكبد باستخدام اثنين من الأدوية القديمة: إنترفيرون وريبافيرين».

لكن هذين الدواءين تصاحبهما مضاعفات جانبية كثيرة ويصعب تحملهما. وفي العام الماضي عرضت شركة جلياد ساينسز (Gilead Sciences) ، ومقرها كاليفورنيا، دواء بديلا.

الشركة تصنّع دواء سوفوسبوفير، الذي يباع منذ 2013 في الولايات المتحدة باسم سوفالدي بسعر 1000دولار للحبة في اليوم. ودورة العلاج، التي تستغرق 12 أسبوعا من تناول هذا الدواء، بالاقتران بدواء ريبافيرين، وغالبا بإنترفيرون، عادة ما تؤدي الى الشفاء من التهاب الكبد سي بعد 12 أسبوعا.

ولكن الشركة، في العام الماضي، باعت الدواء للحكومة المصرية بسعر عشرة دولارات للحبة. وتوزع الحكومة الدواء على الصيدليات في جميع أنحاء البلاد، حيث يعطى للمرضى مجانا.

كما سمحت شركة جلياد لإحدى عشرة شركة هندية وشركتين مصريتين بصنع دواء سوفوسبوفير بموجب ترخيص خاص وببيعه بأي ثمن تراه تلك الشركات مناسبا، مقابل هامش ربح  7%.

وقد شعرت شركة جلياد ببعض الضغوط لإتاحة الدواء على نطاق أوسع. وقال الدكتور وحيد دوس، رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة التهاب الكبد الفيروسي، إن مكتب براءات الاختراع المصري رفض طلب الشركة، الأمر الذي جعل من المحتم أن تباع في مصر الأدوية الرديفة غير المسجلة بعلامات تجارية في نهاية المطاف.

وتعويضا عن بيع سوفوسبوفير بأسعار بخسة، التمست شركة جلياد من مصر أن تفرض قيودا صارمة على كل زجاجة بقصد منع بيع الدواء في السوق السوداء وتقويض أعمالها التجارية في أماكن أخرى.

على سبيل المثال، تتولى الصيدليات الحكومية وحدها تزويد المرضى بالحبوب، ويجب على المرضى جميعا أن يعيدوا الزجاجة القديمة حتى يحصلوا على زجاجة جديدة. ويجب على الذين يتلقون زجاجات جديدة أن يفتحوا فورا الزجاجة الجديدة ويكسروا الختم ويتناولوا الحبة الأولى أمام الصيدلي – لجعل إعادة بيع الزجاجة أقرب الى المستحيل.

تلك القيود أثارت غضب النشطاء الدوليين الذين يسعون من أجل زيادة فرص الحصول على الأدوية، إذ اعتبروا تلك القيود انتهاكات لحقوق المرضى.

وقالت هبة ونيس، الصيدلانية التي عملت حتى وقت قريب في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أنها تعتبر شرط تناول الجرعة أمام الصيدلي مهينا ورأت أنه يثير الكثير من القضايا الأخلاقية».

دكتور جمال عصمت، أخصائي الكبد في كلية الطب بجامعة القاهرة ومؤلف مشارك للخطة الوطنية لمكافحة التهاب الكبد، قال: «ليست لدينا مشكلة مع القواعد. فهذه القواعد وضعت لمنع السوق السوداء من نقل تلك الأدوية إلى دول أخرى»”

واستطرد قائلا: “إذا كنت تستطيع حل مشكلة التهاب الكبد في مصر، فأنت بطل، وشركات الأدوية تعرف ذلك.”

الأهداف الطموحة للحكومة المصرية هي معالجة 300 ألف مريض مصاب بالتهاب الكبد سنويا بنهاية عام 2016 ودفع معدل الإصابة الوطني الى ما دون 2 في المائة بحلول عام 2025.

وقد تكللت السنة الأولى بالنجاح: فقد تم علاج ما مجموعه 125 ألف مريض بدواء سوفوسبوفير. والآن، بعد أن أصبحت الأدوية الرديفة غير المسجلة بعلامات تجارية متاحة بسعر زهيد يكاد يصل الى 4 دولارات للحبة الواحدة، فإن مصر توشك على الإنهاء التدريجي لعمليات شراء الأدوية من شركة جلياد.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]