هاني حبيب يكتب: فلسطين.. مناورة الانتخابات «كرة مرتدة» !
أن تتم الدعوة لعقد انتخابات تشريعية فلسطينية، وتبذل كل الجهود من أجل إزالة العقبات المتوقعة في سبيل هذا الهدف، شيء، غير أن تتم الدعوة لعقد هذه الانتخابات مع إدراكٍ كامل من قبل أصحابها لعدم إمكانية عقدها من حيث المبدأ فهذا أمر آخر.
لقد فوجئ معظم المتابعين عندما تم الإعلان عن عقد هذه الانتخابات من قبل الرئيس محمود عباس من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، البعض اعتبر هذه الدعوة في الزمان والمكان المحددين دليلاً على أن الرئاسة الفلسطينية تواجه ضغوطاً دولية من أجل تجديد شرعيات السلطة الوطنية الفلسطينية، في وقت رأى البعض الآخر أن هذه الدعوة من خلال المنبر الدولي، طلباً فلسطينيا للمجتمع الدولي للضغط على الجانب الإسرائيلي من أجل إزالة العقبات المحتملة والمرجحة إزاء عقد هذه الانتخابات خاصة في العاصمة الفلسطينية القدس المحتلة، ولن نقف طويلاً أمام هذه الآراء كونها في النهاية ليست جوهر هذه المسألة.
ذلك أننا نعتقد أن هذه الدعوة، جاءت فقط لتبرئة ذمة الرئيس أبو مازن قاذفا بهذه الكرة في وجه الجميع وهو على يقين بشروط ومخاوف ومحاذير وتحفظات مختلف القوى الفلسطينية كما يدرك تماماً أن المفتاح الوحيد لنجاح إية انتخابات يكمن في إنجاز المصالحة الفلسطينية، التي يعلم الرئيس كما يعلم الجميع أن هناك عقبات كأداء تقف في وقت إنجاز هذه المصالحة وإن تجربة الدعوة لإنتخابات محلية قبل بضعة اشهر ما تزال ماثلة للعيان على ضوء فشلها نتيجة للعقبات التي أدت إلى عدم عقدها رغم الدعوة لها.
الجميع يدرك أهمية عقد هذه الانتخابات بإعتبارها استحقاقاً فرديا وجماعيا في سياق تجديد العقد الاجتماعي، ناهيك على إنها ضرورة لا بد منها لمواجهة كافة متطلبات المواجهة مع المشاريع الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية، لكن الدعوة لها والتأكيد على أهميتها والتغني بضرورتها لا ينفي أن القوتين الرئيسيتين في الساحة الفلسطينية حماس وفتح ربما الأقل حماساً لعقد هذه الانتخابات ذلك أن دولة غزة قائمة تحت سيطرة حركة حماس المطلقة دولة لها مؤسساتها ومرجعياتها من برلمان وحكومة وقضاء وقوى أمن، لها كافة مقومات الدولة من إقليم وشعب وقوى مسلحة، وأكثر من ذلك لهذه الحكومة معارضة تقوم بين وقتٍ وآخر بتأكيد وجودها، معارضة مدجنة تعزز من وجود مثل هذه الدولة، حماس تعلم كما يعلم الجميع أن أية انتخابات بصرف النظر عن نتائجها لم تمكنها من أن تحكم في الضفة الغربية في حال فوزها، لسبب معروف واضح ذلك أن الاحتلال الإسرائيلي لن يسمح لها بذلك، بفرض أن القوة الخاسرة في هذه الانتخابات سلمت لها بالفوز.
أما حركة فتح التي تتحكم بدورها في الضفة الغربية فهي تدير عصب السلطة الفلسطينية وتدير العملية السياسية وهي تمتلك الشرعية العربية والدولية وتقود منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني بصرف النظر عن أية ملاحظات هامة حول المنظمة حركة فتح لن تتخلي بأي حال من الأحوال عن أن تمسك بزمام النظام السياسي الفلسطيني بأي وهي إذ تدرك أنها لن تتمكن من العودة لفرض سيطرة السلطة على قطاع غزة إلاّ من خلال مصالحة حقيقية تدرك بنفس الوقت أن ذلك غير ممكن في الظروف الراهنة وجملة المبادرات والاتفاقيات التي وصلت إلى طريق مسدود برهان أكيد على ذلك.
يمكن القول أنّ الدعوة لعقد انتخابات تشريعية، ربما تلحق بها انتخابات رئاسية مجرد مناورة لإلقاء اللوم على الرافضين والمشترطين والمتحفظين ورغم أن هؤلاء لم تنطلي عليهم هذه المناورة عندما رحبوا بها فهم بذلك يشاركون في هذه المباراة التي تتقاذف من خلالها مختلف الأطراف الكرة فيما بينها لتستقر معظم الوقت في الهواء أو بين الأرجل دون أن تصل إلى الشباك في مباراة يدرك أطرافها إمكانياتهم وإمكانيات الآخرين.
وإذ يجري الحديث عن الصعوبات الفنية والإدارية، قانون الانتخابات ولجنة الانتخابات المركزية وانتخابات متزامنة وإصدار مراسيم، كل هذا الحديث لا جدوى منه سوى استعادة الزخم للنقاش السياسي، لكن بعيداً عن جوهر المسألة : هل هناك فعلاً نوايا وإرادة حقيقية لإجراء هذه الانتخابات أم لا؟.