هاني حبيب يكتب: مازال قادراً على شن العدوان.. ثغرات ميدانية ونفسية تطال جيش الاحتلال
يتبادل رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزير حربه نفتالي بينت مع رئيس الأركان أفيف كوخافي، رسائل التهديد والوعيد بحربٍ إسرائيلية قادمة في الشمال أو الجنوب أو على كل الجبهات، مرد هذه التهديدات في معظم الأحيان يعود إلى الأزمة السياسية الداخلية لدى دولة الاحتلال إلاّ أنها ترجع في الغالب إلى الإدراك بأن قوة الردع الإسرائيلية قد أخذت في التآكل في الأونة الأخيرة إلى حدٍ بعيد، وإن مثل هذه التهديدات من شأنها رفع الروح المعنوية للجيش، في حين أنها قد تشكل رادعاً كي لا تبادر أي قوات معادية لإسرائيل لتصعيد أمني معها.
في تقديرنا أنه لا يجيب الاستهانية أو التقليل بميزان القوى العسكري المائل تماماً لصالح الدولة العبرية، ولكن وبالمقابل لا بد من تلمّس العديد من الثغرات التي أخذت في البروز خاصة في الآونة الأخيرة، والتي من شأنها كبح جماح العدو الاسرائيلي في الاندفاع إلى حربٍ جديدة سواء في الشمال أو الجنوب أو على كل الجبهات، ثغرات تطال بنية الجيش الاسرائيلي ووسائله القتالية وقدراته البشرية وأوضاع أفراده السيكولوجية والنفسية، وهي أسباب تدركها في معظم الأحيان القيادات العسكرية والأمنية ويوفّر لها مبررات حقيقية لعدم إتخاذ قرار الحرب تحت ضغط المستويات السياسية وهي تنجح في بعض الأحيان في هذا المسعى.
وترصد وسائل الإعلام الاسرائيلية بعض هذه الثغرات وتتناولها في البحث والتنقيب والتعقيب، مشيرة على سبيل المثال إلى أنّ بطاريات الدفاعات الجوية كالقبة الحديدية ومقلاع داوود غير كافية، كما أثبتت فشلها في العديد من حالات المواجهة في حين أنه لا توجد في إسرائيل أماكن آمنة لثلث سكان الجنوب ولمعظم سكان الشمال، كما أشارت هذه الوسائل إلى أنّ أية حربٍ قادمة ستؤدي بالضرورة إلى إنهيار الحياة المدنية ووقف العمل في المرافق الاقتصادية التي ستكون مستهدفة في هذه الحرب، ولأن العدو الذي يعرف حساسية الوضع الداخلي الاسرائيلي سيعمل على إطالة زمن الحرب التي لا يمكن حسمها بسرعة من قبل اسرائيل نظراً للثغرات العديدة التي تطال بنية الجيش الإسرائيلي.
وكشف موقع “غلوبس” العبري مؤخراً أن 40 % فقط من الشباب الاسرائيلي يتجندون في صفوف الجيش من بينهم 18 % لا ينهون فترة خدمتهم ويتهربون وينسحبون منها بعد وقتٍ قصير، وأن واحدا ونصف بالمئة فقط من الإسرائيليين يؤدون خدمتهم في الاحتياط بشكلٍ كامل.
تشير التقديرات التي نشرتها “معاريف” في الأول من نوفمبر – تشرين ثاني الماضي إلى أنّ هناك تراجعاً ملموساً في توجه الجنود للإلتحاق بالوحدات القتالية من 71% إلى 64% بعدما كانت قبل تسع سنوات 80 %، وفي الثامن من الشهر نفسه نشرت ذات الصحيفة ما مفاده أن معطيات العام الماضي قد أشارت إلى أن 30 % من الجنود المسرحين يعود السبب في تسريحهم إلى أسباب نفسية بعد حصولهم على شهادات وتقارير طبية تفيد بمشاكلهم النفسية، وفي الغالب كي يتملصون من الخدمة العسكرية.
بعض وسائل الاعلام الاسرائيلية وفي سياق تحقيقات صحفية أشارت إلى حوادث عديدة تفيد بأن هناك تزايداً في نسبة تمرّد الجنود والضباط على الأوامر الصادرة لهم، وكان من اللافت أن تشير هذه الوسائل إلى أن أحد ضباط سلاح المدرعات والذي نشرت إسمه وهو عيدو فيو توكوبسكي، في رسالة بعثها إلى قيادة الجيش حول استقالته المسببة، أفاد بأن الضباط يتمردون على الأوامر وأن الجيش يعيش مشكلة كبيرة في سلم الأولويات وتنفيذ المهام ” معارف 28 نوفبر 2019″ .
هذه المعطيات وغيرها الكثير أعادت الجدل في إسرائيل حول التحوّل من جيش الشعب من خلال قانون التجنيد الالزامي إلى “الجيش المحترف” الأقل عدداً والأكثر تملكاً لأدوات الحرب الحديثة التي تعتمد على التقنيات الأمنية والعسكرية الرقمية، بالتوازي مع تطوير أجهزة المخابرات والحصول على المعلومات وتنظيم بنوك الأهداف، وبينما الأمر لم يحسم بعد ستظل دولة الاحتلال الاسرائيلي تمتلك في القوة العسكرية ما يؤهلها لشن الحروب والعدوان، لكنها في كل مرة ستجد نفسها مضطرة إلى التردد قبل أن تتخذ قرارها بهذا الشأن، ونحن هنا ومرة أخرى لا نحاول التهوين من قدرات الجيش الاسرائيلي بقدر ما حاولنا الاحاطة السريعة بعناصر من شأنها إضعاف قدرة هذا الجيش، رغم كل مقومات وعناصر قوته من التوجه إلى حربٍ جديدة.