في ظل أجواء من التوتر الأمني، الذي يخيم على أوروبا، خشية عمليات إرهابية صادمة ومفاجئة، ومع تحذيرات الاتحاد الأوروبي من مؤشرات تصاعد “الشعبوية” الوطنية، التي تهدد وحدة بنيان الاتحاد، وتأجيج مشاعر العنصرية مع ارتفاع أسهم اليمين المتطرف، يواجه الألمان حالة من الجدل المثير لهواجس الخوف بعد أن تحول كتاب الزعيم النازي أدولف هتلر “كفاحي” لقضية رأي عام.
وانقسم الألمان بين المؤيدين والمعارضين لإصدار نسخة جديدة من الكتاب “الأزمة”، الذي أصبح حديث الشارع الألماني، الأعلى صوتا فوق أزمات وقضايا الإرهاب واللاجئين ومستقبل الاتحاد الأوروبي.
ولم يقتصر الأمر على الشارع الألماني، بعد تدخل إسرائيل عبر اللوبي اليهودي، المتمثل في المجلس المركزي لليهود في ألمانيا، لوقف إعادة نشر الكتاب المثير للجدل بعد مرور 70 عاما على وفاة هتلر، رغم توضيح المستشارة الألمانية ميركل لرئيس الحكومة الإسرائيلية “نتنياهو”، أن السلطات الألمانية لا تستطيع الحجر على المطبوعات أو مصادرتها، والدستور يكفل حرية النشر والتعبير.
الألمان متخوفون من إحياء “النازية” العنصرية، التي تهدد استقرار المجتمع الألماني، وإسرائيل لا تريد الاحتفاء بصاحب المحرقة عبر إعادة نشر كتابه، ما يتضمن إشارات تبرر “موقفه الدموي النازي من اليهود”، حسب تقرير صحيفة “هاآرتس” العبرية، صدر اليوم الخميس، وأن الألمان سيجنون ثمار نشر مذكرات “نازية” بتصعيد مشاعر العنصرية الألمانية “المدمرة” داخل القارة الأوروبية.
الجدل حول “كفاحي” يفتح صفحات من التاريخ الألماني الحديث، حسب تقرير وكالة الأنباء الألمانية، ويرجع بالألمان إلى حائط سور برلين القديم، في إشارة إلى هزيمة النازية وتقسيم ألمانيا، وأن الجدل حول كتاب هتلر، يجتاز ألمانيا إلى القارة الأوروبية شرقا وغربا، مع ترحيب الحركات اليمينية العنصرية بالإصدار الجديد، مثل أنصار حركة “بيغيدا” الذين يرفعون شعارات الكراهية ضد الأجانب، والحركات التي تصف الإعلام الديمقراطي بـ”صحافة النفاق”، وأنصار “الحزب النازي” الذي قد يجد فرصة اقتباس ما جاء من مضامين في كتاب هتلر.
وحذر التقرير من تأثير نشر كتاب “كفاحي”، وهو السيرة الذاتية للزعيم النازي هتلر، والتي تفتقر إلى التحليل العميق، وخصوصا فيما يتعلق بأسباب التأثير الكبير للكتاب على الأحداث في ألمانيا خلال سنوات منتصف الثلاثينيات وحتى منتصف الأربعينيات من القرن الماضي.
المؤيدون لنشر “كفاحي” من خارج دائرة الأحزاب والحركات اليمينية العنصرية، يعتقدون بأن النشر يتيح للشعب الألماني، معرفة الدور الذي لعبه هتلر في التنظير للحروب التي أشعلها تحت قيادته، مثل الحرب التي قام بها في أوروبا الشرقية، وغزوه لبولندا عام 1939 وللاتحاد السوفياتي عام 1941، دون نسيان معاداته للسامية، أو أفكاره المجرمة في موضوعي التعقيم، والقتل الرحيم، وهذه الجرائم المرتكبة في عهد النظام النازي موجودة في كتاب هتلر، الذي ظهر مجلده الأول عام 1924 والمجلد الثاني عام 1927.
نشر الكتاب يمثل خطوة باتجاه إعادة قراءة التاريخ والاستفادة من دروسه، ونبذ العنصرية، ويشير مؤرخون ألمان إلى أن نشر مذكرات هتلر، تخضع لنص قانون النشر، أي أن كتاب “كفاحي” تحول من “ملكية خاصة” إلى “الملكية العامة”، حيث تنتهي حقوق المؤلف بعد مرور 70 سنة، وهو تاريخ انتحار هتلر، عندما تأكد بأنه لن يربح الحرب في 30 إبريل/ نيسان 1945، وأن الطبعة الجديدة ستحتوي على الكثير من المعلومات من شأنها أن تساعد على فهم النص جزءا بجزء، وبالتالي تحقيق فهم أفضل لتاريخ الاشتراكية القومي.