هل تحتضن ليبيا داعش من جديد؟
عاد تنظيم داعش ليطل بوجهه من جديد في ليبيا، في محاولة للعودة للمشهد، وإراقة مزيد من الدماء من خلال عملياته الإرهابية، التي تأتي انتقاما لخسائره السابقة في عدة مناطق من البلاد، وسعيا لإعادة وجوده في العمق الليبي.
عودة داعش جاءت عقب فرار المئات من عناصره من مدينة سرت الليبية، خلال الحملة العسكرية على معاقلهم، التي استطاع السيطرة عليها في عام 2015، ليشن هجمات جديد علي بعض المدن الليبية.
وشهدت مدينة مصراتة الليبية أمس، الأربعاء، حادثا إرهابيا استهدف مجمع المحاكم بالمدينة، وأسفر عن وقوع قتلى وجرحى، وأعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن الهجوم الانتحاري، وقالت وكالة “أعماق” التابعة للتنظيم، في بيان تداولته حسابات على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، إن من وصفتهم بانغامسيين من جنود دولة الخلافة الإسلامية، حسب تعبيرهم، يقتحمون مجمع المحاكم أحد أبرز معاقل حكومة الوفاق في مصراتة”.
ويتعمد التنظيم في ليبيا وغيرها، القيام بأعماله عن طريق ما يطلق عليهم الانغامسيون، وهم عناصر من التنظيم يرتدون أحزمة ناسفة وينفذون هجمات بأسلحة خفيفة قبل تفجير أنفسهم عند محاصرتهم، ومن ثم يعتبرون من أخطر أسلحة التنظيمات الإرهابية، نظرا للخسائر البشرية الكبيرة التي يسببونها.
قوات البنيان المرصوص، التابعة لحكومة الوفاق الوطني الليبية، ذكرت أن الهجوم نفذه 3 من عناصر تنظيم داعش، وحدث تبادل لإطلاق النار بينهم وبين قوات الأمن استمرت 20 دقيقة قبل أن يفجر أحدهم نفسه.
التنظيم في هجومه الأخير تزامن مع محاكمة بعض عناصر التنظيم المقبوض عليهم في مدينة سرت، وذكرت وكالة الأنباء الليبية، أن الاعتداء وقع لحظة وصول عدد من المتهمين المنتمين لتنظيم “داعش” إلى المكان للمثول أمام النيابة، حيث بدأ الهجوم بدخول سيارة بالقوة إلى داخل المجمع، وفيها 4 مهاجمين قام اثنان منهم بتفجير نفسيهما.
ولكون المجمع يتم فيه محاكمة عناصر التنظيم المقبوض عليهم خلال مواجهات مع قوات البنيان المرصوص التابعة لحكومة الوفاق الوطني الليبية، يسعى التنظيم لتهريب عناصره من خلال هذه العمليات.
لكن دلائل هذه العمليات تشير إلى رغبة التنظيم في العودة مجددا بعد هروبه وتشعبه في الصحاري، لاسيما وأن التقارير تشير إلى كون التنظيم يحاول ترتيب أوراقه من جديد وتجميع صفوفه في مناطق صحراوية، بعضها يقع جنوب مدينة سرت، وقاموا بتكوين جيش يتكون من 3 كتائب.
ويستغل التنظيم مناطق غير خاضعة للسلطة في ليبيا لإقامة مراكز تدريب والإعداد لهجمات جديد وتجنيد عناصر جديدة واستقبال العناصر القادمة والسلاح، وفي إصدار مرئي جديد نشرته وكالة أعماق الإخبارية الذراع الإعلامية للتنظيم في سبتمبر الماضي، حيث أعلنوا فيه استمرار عناصره في القتال في ليبيا وأظهر بعض مشاهد لبعض المعسكرات التدريبية في الصحاري الليبية.
وذكر المتحدث باسم وزارة دفاع حكومة الوفاق، العميد محمد الغصري، أن عناصر داعش تتواجد في منطقة النوفلية الواقعة على بعد 90 كيلومترا شرق سرت، وتتجول أحيانا في مناطق الوسط بالقرب من منطقة ودّان وفي وادي اللود ووادي بيّ، مؤكدا أن قوات عملية البنيان المرصوص رصدت تحركات لعناصر التنظيم جنوب شرق مدينة بني وليد بمنطقة قرزة، الواقعة على بعد90 كيلومترا عن بوابة السدادة بمحيط مدينة سرت.
وأوضح الغصري، أن خلايا التنظيم تتحرك ضمن مجموعات، وتقيم نقاط تفتيش وتستوقف المواطنين ثم تنسحب لتختفي في الصحراء، كما أشار إلى ورود معلومات عن وجود خلايا نائمة بمدن عدة أبرزها مصراتة وطرابلس والخمس وزليتن.
وفى أغسطس الماضي، أظهر مقطع فيديو بثه داعش عملية انتشار ودوريات لعدد من عناصره في منطقة أبو قرين ومحافظة الجفرة وسط ليبيا، وسبق هذا إعلان التنظيم مسؤوليته عن الهجوم المسلّح على حاجز أمني في بلدة الفقهاء جنوب سرت وأدى إلى مقتل 14 عسكرياً من قوات الجيش الليبي.
الحكومة الأمريكية أدركت مساعي التنظيم لتكوين نفسه من جديدة ورغبته في العودة لشن الهجمات، فقامت بشن غارتين مؤخرا على موقعين للتنظيم، وأعلنت القيادة الأمريكية في أفريقيا في بيان لها، الخميس 28 سبتمبر 2017، مقتل العديد من عناصر التنظيم، كما شنت 6 ضربات جوية ضد معسكر للتنظيم في الصحراء الليبية على مسافة 240 كيلومترا جنوب شرق سرت، أدت إلى مقتل 17 مسلحا وتدمير 3 مركبات.
وفي تقرير نشره مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط عن تنظيم داعش في ليبيا تحت عنوان “نشأة وتطور تنظيم داعش في ليبيا”، رصد التقرير تحول الساحة الليبية لتكون ساحة للتنظيمات الجهادية العالمية، مع التركيز على تنظيم داعش، فضلا عن التحذير من خطورة الاكتفاء بالهزيمة العسكرية للتنظيم، وأن هزيمة التنظيم تقتضي استراتيجية شاملة.
التقرير الذي أعده عدد من الباحثين في المركز هم كريم ميزران وجاسون باك وريهانون سميث، رأى أن ليبيا تعد مركزاً رئيسياً للحركات الراديكالية المسلحة والمقاتلين الأجانب منذ ثمانينيات القرن الماضي على الأقل، زاد المر عقب سقوط نظام القذافي في عام 2011.
ورجح التقرير، أن فشل أجهزة الدولة الجديدة في ليبيا في توطيد مؤسساتها، وإدماج نفسها مع الشعب الليبي في الفترة الأولى عقب سقوط القذافي بين 2012-2013، ووجود الفراغ الأمني والسياسي خلق مناخاً مناسباً مكن لهذه التنظيمات من التواجد وتأسيس قوات لهم خاصة في بني غاي ودرنة، وإعلان العديد من المدن بيعتها للبغدادي، والتمدد في العددي من المدن وإحراز مكاسب جديدة لهم ومن ثم أصبحت ليبيا جاذبة للعديد من العناصر الداعشية من الغرب ومن بعض البلدان العربية، وبدأت مدن مثل درنة وطرابلس وبنغازي تكتظ بهذه العناصر الجديدة القادمة.
واستطاع التنظيم من خلال وحشيته التي ظهر بها في بدايته والإفراط في التنكيل بخصومه، في محاولة للترويج لنفسه، الأمر الذي دعا زعيم داعش أبو بكر البغدادي، بقبول إمارات داعش في ليبيا المبايعة له، غير أن ما قامت به أحدث ردة فعل عكسية ضده لاسيما في مدينة درنة الرافضه لحكم داعش، ومن ثم بدأ القصف من قبل قوات مصراته المدعومة بسلاح الجو الأمريكي علي مواقع داعش واستطاعوا طرد التنظيم من معاقله ولجوئه للصحاري.
غير أنه عاود من جديد ترتيب أوراقه بعد أن قام بتغيير تكتيكه العسكري والتي غالبا ستكون عبارة عن حرب عصابات، بعد ورود معلومات أن هناك حالة نزوح من قبل عناصر داعش الليبين في سوريا والعراق وعودتهم لبلدهم بعد تلقيهم دروات مكثه وتدريبات عالية علي القتال وفنونه العسكرية.
وتلعب العناصر غير الليبيه في ليبيا دروا هاما، فهناك العديد من مقاتلي تنظيم داعش في ليبيا ليسوا ليبيين، ولكن غالباً من تونس ومصر والسودان.
وكشفت منظمة “عين على داعش في ليبيا” الأمريكية، التي أسسها جاسون باك، أن تنامي تنظيم داعش مرتهن بعلاج الأمراض التي يعاني منها الشعب الليبي، وعلى رأسها التوحد وتقوية نظم الحكم، وتعزيز المؤسسات الليبية، ووقف حالة اللادولة في ليبيا، الذي سمح باستخدامها كمعسكر تدريب ومعقل للاتصالات لداعش من أجل بسط سيطرته.