هل حقق اقتصاد الحرب بروسيا مرونة في مواجهة عقوبات الغرب؟

ثمة اعتقادٌ سائدٌ بأن العقوبات الغربية على روسيا فشلت في تحقيق التأثير المبتغى منها، إذ يستند أنصار هذا الاعتقاد إلى بيانات رسمية تفيد بأن اقتصادَ الحرب في روسيا كان مرنا في مواجهة هذه الضغوط.

فمؤشراتُ الاقتصاد الكلي تظهر على وجه الخصوص، تعزيزاً في قوة الروبل، وانكماشاً متواضعا في الناتج المحلي الإجمالي الروسي، وانخفاضاً في معدل البطالة، لكنَ السؤال هنا.. هل تُعبر هذه المؤشرات عن الواقع؟

بالحديث عن سعر صرف الروبل، فقد تعززت قيمتُه بالفعل، ولكن يعود ذلك لأن الحكومة جعلت من الصعب على الشركات والأفراد الروس سحبَ الأموال وتحويلَها إلى عملات أجنبية، إضافة إلى ما حدث من هبوط في الواردات، غير أن تلك السياسات ألحقت ضررا فادحا بصناعات كالفولاذ، والذي تقلص إنتاجُه النهائي بما يزيد على 7 في المئة عام 2022.

أما عن البطالة، فالمعدل الرسمي الحالي يقف عند 3.7% مع وجود 2.7 مليون روسي عاطلين عن العمل، وهذا مستوى منخفض بشكل قياسي، لكن في المقابل، هناك نحو 3.5 مليون عامل روسي تم إعطاؤهم إجازةً غيرَ مدفوعة الأجر في نهاية الربع الثالث من عام 2022 ، ما اُعتبر «بِطالة مستترة».

كذلك ثمة تباينٌ اقتصادي آخر، إذ أفاد البنك المركزي الروسي بأن الدراسات الاستقصائية تُظهر أن التضخم المسجل يبلغ 16%، أي أنه أعلى بـ4 نقاط مئوية من الإحصاء الرسمي.

ودفعت هذه الفجَوات في البيانات والمؤشرات، مؤسساتٍ روسيةً لمطالبة السلطة بالكشف عن الإحصاءات الدقيقة في قطاعات المال والاستثمار والصناعة، لكن الكرملين برر إضفاءَ السرية على بعض المعلومات عن الاقتصاد الروسي باستمرار حالة الحرب.

لغة الأرقام واستقرار الاقتصاد الكلي

قال مدير الصندوق الروسي لتنمية الطاقة، سيرجي بيكين، إنه بالنظر إلى الأرقام نجد أن التصدير في العام الماضي ارتفع بصورة قياسية إلى أكثر من 600 مليار دولار، هذا ما استفادته روسيا من التصدير، كما أن البترول ومنتجاته زادوا أيضا بصورة قياسية، وهذا مؤشر مهم.

وأضاف في مداخلة من موسكو لبرنامج «مدار الغد» أنه فيما يتعلق بالدخل، فإن روسيا حققت أرباحا أكثر من السنوات الماضية، مشيرا إلى أن هناك الكثير من التغيرات في منظومة التجارة، وهناك عددا كبيرا من العملاء لم يعودوا موجودين، لكن الأرقام تظهر أن العام الماضي كان إيجابيا للغاية.

وشدد “بيكين” على أن الإحصاءات الرسمية تشير إلى أن الدخول زادت بشكل كبير، كما زاد إنتاج البترول بشكل جيد مقارنة بالعام الماضي، أما الأرقام الأخرى فهي محض خيالات من وجهة نظر قائليها، خصوصا فيما يتعلق بالتصريحات التي أطلقها البعض بأن إنتاج البترول في روسيا سوف ينخفض 20% أو أكثر، ولكن على العكس كانت هناك زيادة كبيرة، ولذلك فإن الاقتصادر الروسي كان مرنا بصورة كبيرة.

وأشار “بيكين” إلى أن الموقف الحالي لقيمة الروبل ليس له أثر كبير لأن الاستيراد قل بشكل كبير من جانب الحكومة، ولذلك فإن من صالح الحكومة أن يكون هناك انخفاض في سعر العملة، كما أن التضخم لا يعتبر مشكلة في روسيا الآن، لكن أهم شيء بالنسبة للحكومة الآن هو الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي من أجل أن يكون هناك استقرار في سوق المال وسعر الصرف والتضخم، ومن هنا تبرز الحاجة للحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي كما كان في العام الماضي.

وأوضح أن هذا الأمر يتأتى عبر مجموعة من الإجراءات التي تساعد في الحصول على مكاسب من الأسواق الخارجية، وزيادة حجم الصادرات، واللجوء إلى تحالفات جديدة، فنحن نرى أن القارة الأوروبية لم تعد حليفا، لكن الصين والهند أصبحا حليفين قويين، إذ إنهما في العام الماضي كانا مصدرين ومستوردين لروسيا، وكذلك دول الشرق الأوسط التي تهتم بزيادة التعاون الاقتصادي مع روسيا.

حقيقة مرونة الاقتصاد الروسي

قال الأكاديمي والباحث في الشؤون الاقتصادية، دانيال ملحم، إن من المبكر أن يتم الحديث عمليا عن مرونة للاقتصاد الروسي، فاليوم نحن نتكلم عن صلابة ومتانة، أو مدى مقاومة الاقتصاد الروسي على المدى القصير، ولكن على المدى البعيد فالأمور مختلفة بشكل كلي.

وأضاف في مداخلة من باريس لبرنامج «مدار الغد» أننا لا ننظر إلى الروبل، وأن قوته تعكس قوة الاقتصاد الحقيقي، فهذا غير صحيح، لأنه عمليا فإن زيادة الطلب على الروبل، مرتبط بطلب الدفع من دول أوروبية بالروبل، لذا زاد الطلب، وبالتالي فهو ارتفع، ولكن ننظر إلى بعض المؤشرات اليوم التي ترصد القدرة الشرائية للطبقة الوسطى الروسية، وهذه هي مركز البحث الحقيقي، إذ يتم النظر إلى الطبقة الوسطى في المجتمع الروسي هل بدأت تتآكل أم أنها ما زالت تقاوم، لأنه على الصعيد العملي عندما نتحدث عن مدى مقاومة أي اقتصاد يتم النظر إلى الطبقة الوسطى.

وتابع أنه عندما نتحدث اليوم عن انخفاض الطلب على السيارات والسلع المعمرة بنسبة 60% فأنا أعتقد أن القدرة الشرائية للطبقة الوسطى بدأت تنخفض، لأنه عمليا هذه الطبقة هي التي تزيد الطلب على الخدمات، وبالتالي لا أرى أن هناك نوعا من المقاومة على المدى القصير، ولكن على المدى الطويل فالأمور مختلفة، إذ إن الاقتصادر الروسي على المدى الطويل سيكون في حالة من عدم الاتزان، بسبب الخروج الكبير لليد العاملة والشركات، وخصوصا العاملة في مجال صناعة النفط والذي سيؤثر على الإنتاج في المدى المتوسط.

مرونة كبيرة للاقتصاد الروسي

قال كبير المحاضرين في الجامعة المالية، إيجور يوشكوف، إنه إذا ما تم النظر إلى البيانات الدولية، فصندوق النقد الدولي لا يكذب، وقد أعلن عن تحسن التنبؤ للاقتصاد الروسي، وقال إنه في 2023 سيرتفع.

وأضاف في مداخلة من موسكو لبرنامج «مدار الغد» أنه لا مجال للحديث عن انهيار الاقتصاد الروسي، حتى الآن، لأن التدهور والانكماش في الاقتصاد كان في شهري مارس وأبريل الماضيين، لكن بعد ذلك أصبح التضخم صفرا، ولذلك لا يوجد مكان للتضخم بسبب أن المواطنين أصبحوا قادرين على شراء كل احتياجاتهم من السوق الروسية، وهذا ما نراه بأعيننا.

وأشار يوشكوف إلى أن القوة الشرائية للمواطنين الروس ما زالت قوية، والكل يعترف بأنهم كانوا يتوقعون انهيارا للناتج المحلي الروسي بنسبة 20% أو أكثر، لكننا نرى أن صندوق النقد الدولي اعترف بأنه هبط بنسبة 2% أو 3% فقط، ولذلك لم يحدث انهيار للاقتصاد الروسي.

وتابع أن هناك بالفعل أزمة، وهناك آلاف من العقوبات المفروضة ضد روسيا، وهناك مشكلات، لكن روسيا تعيد ترتيب اقتصادها، وفيما يتعلق بالنفط فهناك تزايد في شهر مايو 2022 إلى سبتمبر 2022، وقد نجحت روسيا في استعادة حجم الصادرات كما كانت في السابق، هناك مرونة كبيرة، والآن روسيا تبيع كل النفط الخاص بها في السوق الآسيوية.

وأكد يوشكوف على أنهم يرون أنه عندما قام بنك روسيا المركزي برفع نسبة الفائدة على الروبل، كان لذلك أثر سلبي على الصناعات، لأنه أثر على القروض، ولكن بصورة سريعة وفي غضون شهور قليلة، تم تخفيض نسبة الفائدة، مما أدى إلى تلاشي المشكلات التي ظهرت بسبب هذا القرار.

وأشار إلى أن الشركات الروسية لديها العديد من الطلبات، مثل المجمع العسكري والصناعي، اللذين يعملان ليلا ونهارا من أجل تلبية هذه الطلبات، وفي الوقت الذي خرجت فيه شركات مثل كوكاكولا وبيبسي من السوق الروسية، ظهرت بدلا منهما شركات روسية، وأخذت نفس المكانة التي كانا يحتلانها، وهو ما يحدث في العديد من المجالات الأخرى.

خلط غربي بين أمانيه والواقع في روسيا

قال أستاذ الاقتصاد بجامعة كارديف البريطانية، الدكتور عبد اللطيف درويش، إن الحفاظ على سرية البيانات في حالة الحرب والطوارئ هي حق طبيعي، فأمريكا كانت قد قتلت صحفيين أمريكيين لأنهم كانوا ينشرون الأخبار الحقيقية عن موضوع العراق وعن ضحايا الأمريكان، فبالتالي عملية الحفاظ على بعض البيانات وسريتها أمر ضروري لأن هناك حربا اقتصادية وليست فقط عسكرية.

وأضاف في مداخلة من أثينا لبرنامج «مدار الغد» أنه إذا أخذنا في مقارنة نسبة البطالة، نجد أن نسبة البطالة في المنطقة الأوروبية أعلى منها في روسيا، وأن نسبة تآكل الطبقة الوسطى في المجتمع الأوروبي أعلى من روسيا، ونسبة عمليات الدعم التي تضطر لها الحكومة للطبقة الوسطى وعجز المؤسسات الرسمية والقطاع الخاص والأفراد عن الوفاء بالتزاماتها أعلى من روسيا، وبالتالي فإن الغرب يخلط أحيانا في التحليل السياسي والاقتصادي بين أمانيه وبين الواقع الذي يحدث في روسيا.

وتابع أنه بمقارنة العملات، نجد أن اليورو قبل الحرب الروسية الأوكرانية كان مساويا لدولار وحوالي 40 سنتا، أما اليوم فهو أقل أو يساوي الدولار، وبالتالي فإن القدرة الشرائية لليورو انخفضت وأسعار الخبز تضاعفت، وهناك دول تسعى لرفع سن التقاعد لكون اقتصادياتها عاجزة عن الوفاء بمستحقات الدول.

وأشار إلى أنه إذا ذهبنا إلى روسيا مقابل هذا الموضوع، لا نجد أن أسعار الخبز كما حدث في اليونان تضاعفت 100%، ولا نجد أن أسعار البترول ارتفعت، في حين هناك أزمة لدى دول عدة بشأن البترول والوقود.

وفي الجزء الثاني من حلقة «مدار الغد» تمت مناقشة ما إذا كانت الحرب تغير من تركيبة المجتمع الأوكراني، وسط تحذيرات من انعكاسات معيشية كارثية مع إطالة أمدها.

ففي خضم الحرب الدائرة منذ 11 شهرا، تسللت قوة البطالة في صمت داخل أوكرانيا، واحتلت حياةَ ملايين المواطنين، ويعود ذلك بالأساس إلى تراجع الاقتصاد الكلي والناتج المحلي نتيجةَ توقف عدد كبير من المصانع والمؤسسات والشركات عن العمل لأسباب عدة في مقدمتها الحرب والدمار، وتقلص التجارة الخارجية.

ووفقا لتقديرات مراكزَ بحثية، فإن ما يقرب من 60% من الأوكرانيين سيعيشون تحت خط الفقر هذا العام، ما ينذر بتداعيات كارثية لطول أمد الحرب على المجتمع الأوكراني.

ياكوشيك: هذا ما تحتاجه أوكرانيا

وفي ضوء هذا، قال أستاذ العلاقات الدولية ورئيس الهيئة الاستشارية للمعهد الأوكراني للدراسات السياسية، الدكتور فالنتين ياكوشيك، إنه في أوكرانيا يقولون لا أحد يموت من الجوع، لأن هناك أهدافا كثيرة، وهناك الكثير من المتطوعين الأوكرانيين الذين يعملون عن كثب من أجل مساعدة بعضهم البعض، وأيضا العالم يعمل بشكل جيد في الغرب.

وأضاف “ياكوشيك” في مداخلة من كييف لبرنامج «مدار الغد»: «أنا أعلم أن أصدقاء في الكويت أيضا قدموا دعما مناسبا، كما ساعدت رومانيا والإمارات كييف بشكل كبير، إذ مدت الإمارات أوكرانيا بالكثير من مولدات الكهرباء»، مشيرا إلى أن «الشعب الأوكراني لن يقع، ولكنهم يحتاجون إلى الكهرباء والتدفئة».

وتقدم “ياكوشيك” بالشكر للدول العربية لدعمها أوكرانيا، مضيفا: «كل ما نحتاجه الآن هو طريقة عادلة من أجل التوزيع، وأتوجه إلى الدول العربية إن كانوا سيساعدون أوكرانيا بدعم مالي فلا بد أن يفكروا أيضا في طريقة التوزيع، وطريقة استلام هذه المساعدات، كما تفعل أمريكا الآن فيما يخص مساعداتها العسكرية، ولا بد أن نتأكد من أن المساعدات الإنسانية تصل لمن يحتاجها».

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]