شهدت الساحة السورية تطورا ميدانيا مفاجئا بإعلان روسيا سحب قواتها تدريجيا بدءا من اليوم، الثلاثاء، في الوقت الذي تترقب فيه جميع الأطياف تطورا آخر على الصعيد السياسي، متمثلا في مفاوضات جنيف، إلا أن الدور المصري، بحسب مصادر دبلوماسية وسياسية، لم يكن بعيدا عن هذه التطورات.
في 30 سبتمبر/ أيلول 2015، أعلنت روسيا بدء تدخلها عسكريا في سوريا، وهو ما اعتبرته دول عدة محاولة أخيرة لمساندة حليفها الرئيس بشار الأسد، الذي تراجعت قواته بشكل لافت على الأرض وتكبدت خسائر كبيرة، إلا أن مصر أيدت التدخل الروسي، على الرغم من رفض السعودية له، ليتحول دورها فيما بعد إلى وسيط دولي فاعل في هذه الأزمة، بحسب بعض المراقبين.
ويتزامن بدء الانسحاب الروسي مع زيارة يجريها وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى موسكو تستغرق يوما واحدا، يلتقي خلالها نظيره سيرجي لافروف ورئيس مجلس الدوما، وبحسب البيان المصري، فإن مباحثات حول تعزيز العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية، على رأسها سوريا وليبيا، ستجرى مساء اليوم، الثلاثاء، بين شكري والمسؤولين الروس.
وأكد مصدر دبلوماسي مصري لـ«الغد»، أن الأزمة السورية على رأس الملفات التي يبحثها المسؤولون المصريون ونظراؤهم في روسيا، مشيرا إلى أن القاهرة تستضيف رموزا للمعارضة السورية، علاوة على أنها لم تقطع صلاتها بشكل نهائي مع الحكومة السورية.
وقال المصدر، إن مصر تبذل جزءا من الجهود الرامية لحل الأزمة السورية، التي دخلت اليوم عامها السادس على التوالي ،وخلفت مئات الآلاف من القتلى والجرحى، لافتا إلى أن القضية ألقت بظلالها، ليست فقط على الشرق الأوسط، بل أوروبا أيضا.
وأضاف أن روسيا منذ بدء الحديث عن استئناف مفاوضات بشأن الحل الروسي أصرت على مشاركة كل من مصر والإمارات وقطر والأردن وإيران، متابعا: «أطياف المعارضة التي شاركت في وثيقة إعلان القاهرة، ومهدّت لمؤتمر في موسكو في أغسطس/ آب الماضي، أظهرت أرضية مشتركة لما تتفق عليه روسيا ومصر لحل الأزمة السورية».
وينص إعلان القاهرة الصادر في يناير/ كانون الثاني 2015 على خارطة طريق تلبي تطلعات الشعب السوري و«خلق أجواء العمل المشترك والتحرك الجماعي لإنقاذ البلاد، مؤسسا لمقومات الخيار السياسي الوطني المتمثلة في الاستجابة لتطلعات الشعب السوري، وثورته والحفاظ على وحدة سوريا أرضا وشعبا، وتأكيد استقلالها واحترام ودعم سيادتها علي كامل أراضيها، والحفاظ على الدولة السورية بكامل مؤسساتها من خلال تنفيذ بيان جنيف الصادر عن مجموعة العمل الدولية لأجل سوريا بتاريخ 30 حزيران/ يونيو 2012».
وشهد يوم الجمعة الماضي في القاهرة انطلاق «الغد السوري»، وهو تيار معارض جديد برئاسة أحمد الجربا، الذي سبق أن ترأس ائتلاف المعارضة، وحضر المؤتمر ممثلا وزارة الخارجية المصرية نزيه النجاري، والمناضل الفلسطيني محمد دحلان، وعقاب صقر ممثلا عن سعد الحريري، ووسام حبشي ممثلا عن زعيم القوات اللبنانية سمير جعجع، وحميد دربندي ممثلا عن مسعود البرزاني رئيس إقليم كردستان العراق، ورئيس المجلس الوطني الكردي إبراهيم برو، وغيرهم علاوة على أعضاء لجنة المتابعة في مؤتمر القاهرة من أجل سوريا، بحسب بيان صادر عن التيار.
وقال الجربا في كلمة افتتاح جلسات التيار، «غدنا الذي نريده هو الغد المتصالح مع سوريا الثورة، مع العالم الحر، والأصدقاء في العالم وما أكثرهم، وقبل ذلك مع المحيط العربي، وعلى رأسه المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية، وجمهورية مصر العربية، التي نخص مشيرها الرئيس عبد الفتاح السيسي بشكر خاص على رعايته للقضية السورية واستضافته لمؤتمر القاهرة، وحسن استضافته لجمعنا».
من جانبه، قال قاسم الخطيب عضو لجنة مؤتمر القاهرة وعضو تيار «الغد السوري»، إن هناك اتفاقا بين المعارضة وروسيا في عدة نقاط، بينما هناك خلافات كبيرة وتباعد في وجهات النظر، متابعا: «روسيا لا تدعم الأسد شخصيا، لكنها تبحث عن بديل يخدم مصالحها».
وأضاف الخطيب، الذي كان أحد أعضاء وفد لجنة متابعة مؤتمر القاهرة الذين استضافتهم موسكو في أغسطس/ آب الماضي، أن الهيئة العليا للتفاوض في جنيف لم تحسم أمرها بعد في مسألة المشاركة في المفاوضات فعليا عقب مؤتمر وزير خارجية النظام وليد المعلم الذي اعتبره «استفزازيا» بالنسبة لكافة الأطراف والدول، على حد قوله.
من جانبه، قال المعارض وعضو الائتلاف السوري بسام الملك، إن تصريحات المعلم الأخيرة أغضبت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ما استدعاه إلى اتخاذ قرار مفاجئ بسحب قواته من سوريا، موضحا أن عدم تنسيق الأوراق بين الأسد وبوتين قد يطيح بالأول.
وأضاف الملك، في تصريحات لـ«الغد»، أن مصر تلعب دورا في هذا القرار بعد زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى السعودية ولقاء الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود في مناورات رعد الشمال قبل أيام، قائلا: «العاهل السعودي يعلم أن مصر تحتفظ باتصالاتها بين سوريا وروسيا، وهو ما قوى موقف القاهرة لتكون وسيطا قويا لدى موسكو».
وأشار إلى أن تيار الغد السوري الذي ولد في القاهرة الجمعة الماضية كجزء من المعارضة، التي تستضيفها القاهرة جاء لإيجاد صيغة مقبولة لمرحلة انتقالية ترضي جميع الأطراف، بما فيها السعودية وروسيا، وهو ما سيبحثه شكري اليوم مع لافروف في موسكو، على حد قوله.
