هل يتجه «المركزي المصري» لـ«التعويم المدار» للتغلب على أزمة الدولار؟
أجمع أغلب خبراء الاقتصاد المصرفي في مصر والخارج على احتمال لجوء البنك المركزي المصري لاختيار حل التعويم المدار لتحريك قيمة الجنيه، من بين 4 سيناريوهات محتمل للسياسة النقدية المصرية خلال الأيام المقبلة.
ويرى مصدر مطلع في البنك المركزي المصري، فضل عدم ذكر اسمه، أن «لجنة السياسة النقدية في المركزي المصري لم تصل بعد إلى قرار نهائي لحل أزمة الدولار، إلا أنها تميل إلى تعويم الجنيه بنظام التعويم المدار، ولن تلجأ في الوقت الراهن إلى خفض قيمة الجنيه مقابل الدولار، في ظل ارتفاع معدلات التضخم، وارتفاع أسعار السلع والخدمات بنسبة قياسية، فضلا عن تخطيطها لفرض ضريبة القيمة المضافة خلال الأيام المقبلة».
وأضاف المصدر، في تصريح لـ«الغد»، أن «المركزي المصري سيستعين بالودائع والقروض لسد العجز الناتج عن تراجع احتياطي النقد الأجنبي لمصر خلال العام المالي الماضي بقيمة 2 مليار دولار»، مؤكدا أن «المركزي سوف يلتزم الصمت حتى نهاية العام الجاري، ولن يقوم بتخفيض الجنيه قبل تحسن احتياطي النقد الأجنبي، لأنه في حال تحركه فإنه ليس في إمكانه سوى تخفيض قيمة الجنيه مقابل الدولار، وهو أمر مستبعد في الوقت الراهن».
ومن جانبه، صرح هاني توفيق، رئيس جمعية الاستثمار المباشر، بأن «أفضل حل يلجأ إليه المركزي لتحريك قيمة الجنيه المصري بشكل آمن هو التعويم المدار، نظرا لكونه يتيح للمركزي التحرك بشكل تدريجي في حدود معينة وبنسب محددة، بحيث لا يؤدي ذلك إلى زيادة معدل التضخم ولا ينعكس سلبا على أسعار السلع والخدمات في السوق المصري».
وأضاف توفيق، في تصريح لـ«الغد»،«لجأت من قبل العديد من الدول لتخفيض أسعار عملاتها لتخفيض أسعار المنتجات ومن ثم زيادة التصدير».
وفي السياق ذاته، ذكرت وكالة «بلومبرج» الإخبارية في تقرير نشرته أمس الأربعاء، أنه مع تداول العملات بمستوى قياسي منخفض في السوق السوداء، فإن الاحتياطي النقدي كافٍ لتغطية 3 أشهر فقط من الواردات، فضلا عن اتساع العجز في الحساب الجاري، خاصة مع تزايد الضغوط لخفض قيمة الجنيه لتخفيف نقص الدولار، والتي دفعت المسؤولين لطلب المساعدة من صندوق النقد الدولي.
وقال الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في مقابلة نشرت خلال الأسبوع الجاري، إن مصر تتحرك لوضع حد لمشكلة سعر الصرف ضمن برنامجها لتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية.
هناك عدة سيناريوهات محتملة للسياسة النقدية في مصر، بهدف وقف نقص الدولار وزيادة استقرار سعر الصرف، يمكن حصرها فيما يلي:
تعويم الجنيه
تتبع مصر بذلك النموذج النيجيري، لاسيما أن نيجريا واجهت نفس الأزمة من قبل، خاصة أن استراتيجية نيجيريا بدأت تؤتي ثمارها، وبدأ المستثمرون الأجانب الاستجابة ببطء، وقد قامت نيجيريا بتخفيض عملتها فى يونيو الماضي، عندما استجاب صناع القرار لضغوط السوق لإنهاء تراجع العملة النيجيرية أمام الدولار، حيث كان يتم التداول على العملة فى السوق السوداء بنسبة 50% أقل من سعرها الرسمى، قبل أن يتم تخفيض العملة بنسبة 30%، ولتتراجع بعدها بنسبة 10%، وأكدت «بلومبرج» أن فرص نجاح هذا السيناريو في مصر كبيرة، لافتة إلى أنه يمكن الذهاب مباشرة إلى التعويم الحر، لكنه أمر محفوف بالمخاطر.
العلاج بالصدمات
مصر يمكنها تكرار محاولتها السابقة لجذب رأس المال الأجنبي، كما حدث في مارس الماضي، عندما خفض البنك المركزي العملة بأكبر نسبة منذ 13 عاما، وخفف قيود وخفف ضوابط رأس المال، وقام برفع أسعار الفائدة، ومنح المشترين الأجانب أذون خزانة كحماية ضد انخفاض قيمة العملة فى المستقبل.
وأكدت «بلومبرج» أن فرص نجاح هذا السيناريو محدودة، نظرا لاحتمال فشل مصر في جذب التدفقات، حيث يرى جيسون توفي الخبير الاقتصادي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، لدى «كابيتال إيكونوميكس»، التي تتخذ من لندن مقرا لها، أنه «لا تزال الحيازات الأجنبية للسندات المحلية لدى مصر قريبة من الصفر، مقارنة مع نحو 10 مليار دولار في نهاية عام 2010، وهذا الأمر قد لا يكون مرضيا لصندوق النقد الدولي وللمستثمرين على حد سواء، مؤكدين أن هذا السيناريو كان سيؤتي ثماره في حالة ما إذا كانت مصر تمتلك إحتياطي نقدي كافي لدفع الفوائد المتزايدة وتسديد الدين العام.
التعويم المدار
قامت مصر بالفعل بتخفيض العملة المحلية بنحو 25% فى عام 2003، وذلك من خلال تطبيق نظام التعويم المدار، حيث سمح البنك المركزي المصري للجنيه بالتحرك، إلا أنه استمر في ضخ الدولارات فى النظام المصرفى للسيطرة على قيمته.
واستمرت في القيام بذلك لأكثر من 10 سنوات، ونجحت مصر في هذا الوقت في جذب مليارات الدولارات لأسواق الأسهم كما تمكنت من بناء احتياطى أجنبي يزيد عن 36 مليار دولار بنهاية عام 2010، إلا أنها توقفت عن اتباع هذا النهج فى ديسمبر 2012 عندما تبنى المركزي المصري نظام ترشيد الدولار.
وتنتظر مصر، التي تعد ثالث أكبر اقتصاد في قارة أفريقيا، صندوق النقد الدولي للمساعدة في دعم سعر الصرف، وفي هذا الإطار أكد محمد أبو باشا، المحلل الاقتصادي في المجموعة المالية هيرميس القابضة، أن حصول مصر على 8 مليارات دولار بنهاية أكتوبر القادم سيسمح للمركزى تخفيض الجنيه مرة واحدة.
في الوقت نفسه، توقع هاني جنينة، كبير الباحثين في مؤسسة «بلتون» المالية، أن يكون هناك تعويم يمكن إدارته بحلول نهاية العام، بمعنى أن نرى تقلبات اسبوعية للجنيه.
ورجحت «بلومبرج» أن تعود مصر إلى هذا النظام مرة أخرى، خاصة أن فرصة نجاح هذا السيناريو ترتبط بموافقة صندوق النقد الدولي على منح مصر القرض، الذي من شأنه أن يسمح للمركزي بتخفيض قيمة العملة لمرة واحدة قبل السماح بضبط سعر الصرف.
التخفيض التدريجي
يقول آلان كاميرون، الخبير الاقتصادي في «أكسوكيس بارتنرز»، إنه «لا يزال هناك مقاومة فكرية داخل الدوائر السياسية في مصر لتحرير نظام العملة بالكامل، خاصة أن استقرار سعر الصرف ينظر له بأنه مقياس لاستقرار النظام».
وأضاف الاقتصادي أن «تطبيق هذا السيناريو لا يعني اختفاء السوق الموازية، لكن على الأقل يمكنه تضييق الفجوة بين سعر الصرف الرسمي والسوق السوداء بنسبة لن تقل عن 10%.
ويؤكد التقرير أن مصر أغلب الظن ستضعف عملتها خطوة خطوة فى المستقبل القريب.
عدم فعل أي شيء
أما السيناريو الأخير، هو عدم قيام مصر بفعل أي شيء لمواجهة الوضع الاقتصادي الذي تعاني منه الدولة، مثلما فعلت مصر في عام 1977 عندما ألغت الحكومة زيادة في سعر الخبز بعد اندلاع أعمال شغب في العاصمة، وفي الوقت نفسه، تدفق المساعدات الخليجية منذ العام الماضي، وتعد الحكومة المصرية المستثمرين باعتماد سعر صرف أكثر مرونة، إلا أن هذا لم يتحقق أبدا.
وقد بلغت نسبة التضخم في مصر نحو 14%، لذلك يدعم المركزي المصري الجنيه لتخفيف الضغط على ما يقرب من 50% من سكان مصر الذين يعيشون تحت أو بالقرب من خط الفقر.
صرح جنينة، بأن «الفشل في تخفيض قيمة الجنيه أغلب الظن سيوقف اتفاق صندوق النقد، وستصبح السندات الأوروبية مرتفعة الثمن للغاية، إلى جانب أن الاستثمارات سيتم حجبها، لذلك فالوضع الحالى غير قابل للاستمرار، فأنت فقط تؤجل المحتوم، وبدلا من أن تفعله بدعم من النقد الدولى، ستفعله بدونه».