فيما وصف بأنه “مؤشر جماعي قوي على التزام مجلس الأمن الدولي بسيادة ليبيا ووحدة أراضيها ووحدتها الوطنية”، أيد المجلس بإجماع أعضائه الـ15، أمس الأربعاء، قرارا ينص على دعم حكومة الوحدة الوطنية الليبية، التي أقرها الاتفاق السياسي الليبي في مدينة الصخيرات المغربية، واستعادة الاستقرار في ليبيا وحماية الدولة من التفكك، وطلب من الدول الأعضاء مساعدة حكومة الوفاق الوطني حتى تستعيد ليبيا وحدتها الوطنية وتستطيع التصدي لتنامي تنظيم داعش الإرهابي.
القرار الأممي طرح تساؤلات داخل الدوائر السياسية في الغرب: هل يستعيد مجلس الأمن الدولة الليبية من التفكك؟ وهل تلتزم الدول الأعضاء بقرار تقديم الدعم للحكومة الجديدة حتى تستعيد وطنها من أيدي الميليشيات المسلحة، والخروج من نفق الضياع المسلح والفراغ الأمني؟
والتساؤل الأكبر القائم هو كيف يمكن تحقيق ذلك بعد التوقيع على اتفاق السلام باعتباره الفرصة الوحيدة أمام المجتمع الدولي؟ بحسب تحليل الدبلوماسي الألماني، أندرياس ديتمان، والذي يرى أن قرار مجلس الأمن الدولي غير ملزم طالما لم يصدر تحت البند السابع، وأن استراتيجية المماطلة الخطيرة التي تعترض رفع الحظر عن تسليح الجيش الليبي، تصب في صالح التنظيمات والجماعات المسلحة وتنظيم داعش الإرهابي، وهي القوى التي تمهد الأرض لتفكيك الدولة الليبية، فضلا عن أن الاتفاق السياسي الليبي يرتكز على وحدة الجماعات المعتدلة، أما باقي القوى، وعلى رأسها قادة الميليشيات المسلحة فلم يشاركوا في صياغة اتفاق السلام، ولا يشعرون أنهم ملزمون بتنفيذ هذا الاتفاق.
وشككت الدوائر السياسية في نيويورك في تحرك المجتمع الدولي، ممثلا في مجلس الأمن الدولي، باستعادة الدولة الليبية من التفكك، مع غياب الرؤية الشاملة لخريطة الأحداث، وللثقافة السياسية القائمة في ليبيا حاليا، والتي تتجلى في صعوبة الحوار، وإيجاد حل سلمي، خاصة أن بعض زعماء العشائر أدركوا أنه بإمكانهم تحقيق أهدافهم السياسية عن طريق الميليشيات المسلحة، وعندما تم تطبيق هذا المبدأ لم يعد أي قائد ميليشيا مسلحة مستعدا لترك السلاح.
وفي السياق ذاته، أوضح تقرير صحيفة نيويورك تايمز، مستندا إلى تحليل خبراء سياسيون وعسكريون، أن هناك صعوبة في السيطرة على حالة عدم الاستقرار في ليبيا، وأن قرار مجلس الأمن الدولي الصادر أمس لا يعدو كونه “مشاركة دبلوماسية” في دعم الحكومة الليبية الجديدة، و”مناشدة” للدول الأعضاء لتقديم المساعدة للحكومة الليبية، الأمر الذي لا يجدي في مواجهة الفوضى القائمة في البلاد والتي يستغلها تنظيم داعش للتوغل أكثر داخل ليبيا، وهو يقف حاليا على أبواب بنغازي ودرنة شرق البلاد، بعد أن أعلن مسبقا سيطرته الكاملة على مدينة سرت الساحلية.
“الأزمة أكبر من مجرد قرار سياسي يناشد الدول بتقديم المساعدة لاستعادة الدولة الليبية من التفكك”، حسب تعبير خبير الشؤون الدولية والاستراتيجية، الدكتور نعمان جلال، مندوب مصر المناوب لدى الأمم المتحدة ومساعد وزير الخارجية المصري السابق، لأن دعم الاتفاق السياسي الليبي يتطلب خطوات عملية وجادة من المنظمة الدولية لتعزيز السلطة التنفيذية في البلاد، ببناء أجهزة الشرطة، والجمارك والجيش، وتقوية هياكل الدولة الليبية في مواجهة تمسك الميليشيات المسلحة بالسلطة، ورفضها أن تكون خاضعة لسلطة الدولة.
وأكد جلال، في تصريح لـ”الغد العربي”، أن اتفاق الصخيرات خطوة كبيرة على مسار الحل السياسي في ليبيا، ولكنها خطوة ستظل متعثرة دون دعم دولي صريح ومحدد لإنهاء النزاع على الحكم في ليبيا، والتحرك لتوحيد السلطتين المتنازعتين في ليبيا للدفع باتجاه محاربة تنظيم داعش الإرهابي، وهو أكبر تحدي حاليا تواجهه جهود ترسيخ قواعد الحل السياسي.