حالة من القلق وتوقعات بالانقسام تحوم حول “هيئة تحرير الشام” خلال الفترة المقبلة، قد تعصف بالتنظيم وبأركانه، عقب قيام الهيئة بالقبض على عدد من القادة والرموز داخلها، وذلك على خلفية أنباء عن نيتهم تشكيل فرع لتنظيم القاعدة في سوريا، الأمر الذي أثار بلبلة، ليست خارج التنظيم فقط، بل من داخله عبر عدد من القطاعات، حتى وصل الأمر إلي تهديد عناصر بارزة أخرى لم يتم اعتقالها بتعليق العمل والخروج من الهيئة وإمهالها 24 ساعة لتنفيذ مطالبهم وإلا خرجوا منها.
هيئة تحرير الشام هي تشكيل عسكري مشارك في النزاع الدامي بسوريا، أسسته عدة فصائل عسكرية منتشرة في شمال سوريا، هي جبهة فتح الشام، وحركة نور الدين الزنكي، ولواء الحق، وجبهة أنصار الدين، وجيش السنة، وجبهة النصرة، وجميعها تتبنى نهج العنف والتطرف الديني.
وأكدت حسابات تابعة للهيئة، اعتقال كل من الشرعي العام السابق لجبهة النصرة، وعضو اللجنة الشرعية بفتح الشام الأردني سامي العريدي، و خالد العاروري الملقب بـ”أبي القسام”، النائب السابق لأبي مصعب الزرقاوي، ووالي درعا السابق لدى جبهة النصرة ، إياد الطوباسي الملقب بـ “أبي جليبيب الأردني”، و”أبي همام العسكري” العسكري العام السابق لجبهة النصرة، وأبو عبد الكريم المصري، بحجة أنهم رؤوس فتنة ويسعون لشق الصفوف.
وأضاف بيان وقع عليه عدد من قيادات التنظيم منهم، أبو ماريا الأردني و خالد التونسي وأبو المقداد المقدسي، وأبو خطاب الشامي و أخرون، أن المقبوض عليهم سبق وأن قاتلوا في أفغانستان والعراق ضمن تنظيم القاعدة، محملين هيئة تحرير الشام المسؤلية عن سلامتهم والإقراج عنهم.
ونقلت وكالة إباء الإخبارية- أحد القنوات الإعلامية للهيئة- عن المسئول الأمني في هيئة تحرير الشام “عبادة الأحمد” ، ملابسات اعتقال أبو جليبيب الطوباسي، وسامي العريدي، حيث نفى القبض على هذه القيادات بعد دعوتهم إلى اجتماع ثم القبض عليهم، موضحا أنه تم اعتقال أبو جليبيب على أحد حواجز الهيئة بريف حلب الغربي، في المنطقة الفاصلة وذلك أثناء محاولة الطوباسي التوجه إلى محافظة درعا، وفيما يخص العريدي فهو مطلوب للقضاء الشرعي وبناء عليه تم اعتقاله.
فيما وصفت قنوات إعلامية تابعة للقيادات المعتقلة، أن من اعتقل قادتهم هو رأس الفتنة- إشارة إلى الجولاني رئيس الهيئة- مطالبين أعضاء جبهة النصرة وغيرهم بالوقوف ضد من وصفوه بالطاغية الذي اعتقل قادتهم ورفض دعوة “الصلح خير”، التي دعى لها عدد من قادتهم في سوريا، وعلى رأسهم أبو محمد المقدسي وأبو قتادة الفلسطيني وسامي العريدي وأخرون.
غير أن هيئة تحرير الشام قالت في بيان لها، إن من تم اعتقالهم سعوا إلى تقويض كيان الهيئة، ونشروا الفتن، والإشاعات، والأراجيف تحت ذرائع شتى ووسائل مختلفة وصلت إلى درجة الافتراء والبهتان، موضحة أنهم رفضوا الحوار مع قيادة الهيئة، وفشلت جميع الوساطات والمباحثات معهم.
وأكدت الهيئة أنها ستحيل المعتقلين إلى محكمة شرعية، باعتبارهم “رؤوس الفتنة”، بعد رفضهم لدعوات الحوار والنقاش وشرح الأمر لهم لعلهم يتراجعون.
وأشارت الهيئة إلى أنه تم التنبيه عليهم كثيراً أن “الأمر سيحال للقضاء بعد فشل مساعي الصلح وأن الأمر لن يبقي الأمر معلقاً دون حسم”، ومن ثم قامت بتقديم لائحة ادعاء تجاه من وصفتهم برؤوس الفتنة لكي يقدموا للمحاكمة.
ووجهت جماعة “جند الأقصى” دعوات إلى المطلوبين لدى الهيئة، بالاحتماء بمقراتها في معقلها بسرمين في ريف إدلب، قبل أن يتم القبض عليهم واعتقالهم من قبل هيئة تحرير الشام.
غير أن قوات النخبة في القطاع الغربي بهيئة تحرير الشام، استنكرت ما قامت به قيادات الهيئة من سجن و مطاردة لبعض الرموز والقادة السابقين، رافضين بما وصفوه بوقوع ظلم من قبل الهيئة في حق من اعتقلوهم.
وفي بيان من بعض القيادات الشرعية والعسكرية والإدارية بهيئة تحرير الشام، قالت فيه: إن أبواق الفتنة المستأجرة في صراع مستميت على كرسي الإمارة، نفخوا في نار الفتنة حتي زادت واشتعلت، حتى وصلت إلى اعتقال بعض القيادات التي رفضت السير تحت قيادة الهيئة والتي لم تستطع أن تقنعهم بمشروعها، وكان لهم في ذلك حجتهم ومبرراتهم.
وطالبت هذه القيادات بسرعة الإفراج عن المعتقلين وإحالة القضايا لعلمائهم وعلى رأسهم أبو قتادة الفلسطيني، كما طالبوا قيادات الهيئة الحاليين إن لم يكونوا قادرين على حل تلك الخلافات، أن يتنحوا عن القيادة وتسليمها لمن لديه القدرة، معلنين تعليق العمل والخروج من الهيئة في حال عدم الإستجابة لمطالبهم خلال 24 ساعة.
وقد وقع على هذا البيان كل من قطاع البادية الشمالي، علي رأسه المفصل الشرعي وجيش البادية والإدارة العسكرية والقاطع الغربي والشرقي والشمالي والمكتب العسكري.
وشهدت الأسابيع الماضية توترات داخل هيئة تحرير الشام، لا سيما بعد نشر العريدي شهادات عن فك ارتباط جبهة النصرة بالقاعدة، ملمحا إلى خداع أبي محمد الجولاني للظواهري.
ومازالت أصداء الحدث مستمره حيث أعلن أبو المقداد الأردني، الأمني العام السابق للجنوب في جبهة النصرة، تركه العمل مع هيئة تحرير الشام، بعد حملة الاعتقالات التي طالت بعض القادة البارزين واصفا تصرفات الهيئة بالرعناء.
نفس الأمر أعلنته لجنة متابعة قطاع البادية الشمالية متمثلا في أبو سعد الديري وأبو احمد رمضان وأبو بلال الجيوسي، بأنهم قرروا ترك العمل مع هيئة تحرير الشام لعدم رضاهم بما وصفوه بالأفعال المشينة.
يشار إلى أن أنباء راجت خلال الفترة الماضية عن تشكيل جماعة تدعى “أنصار الفرقان” بقيادة حمزة نجل أسامة بن لادن، وتسعى لجمع المنشقين عن تنظيم داعش وهيئة تحرير الشام في محاولة لإحياء تنظيم القاعدة من جديد في سوريا.
