يبدو أن لبنان على موعد مع دخول مبرمج في مرحلة الانهيار الشامل، بحسب تعبير الباحث الحقوقي اللبناني، محمد أمين الداعوق، وقد أصبح لبنان وطن «بالمقلوب» تحكمه الفوضى، بحسب تعبير الخبير الإستراتيجي اللبناني، العميد الركن نزار عبد القادر، ومحذرا من مؤشرات تنبىء بأن العام الجديد 2021 هو عام «التسويات المستحيلة» في لبنان.
تشكيل الحكومة بعيد المنال
المحللون والمراقبون في بيروت، يرصدون كل مؤشرات الحركة باتجاه تشكيل الحكومة الجديدة «المتعثرة»، وبينما يرى المحلل السياسي اللبناني، عمّار نعمة، أنه في مرحلة الوقت المُستقطع في المنطقة ولبنان، يبدو تشكيل الحكومة بعيد المنال على أمل أن يتم في الربع الأول من العام الجديد 2021.
وبات واضحا أن الجميع ينتظر مغادرة الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب ووصول الرئيس المنتخب جو بايدن لإطلاق عجلة مرحلة جديدة قوامها فك الإشتباك في المنطقة وتخفيف التشنجات ومخاطر التوترات غير محسوبة المخاطر..لكن الجميع أيضا، بحسب تقديرات عمّار نعمة، يبدو جاهزاً للتسوية المقدر لها أن تجري وفق المبادرة الفرنسية مع تذليل عقبات حقيقية تتعلق بتوزيع القوى في سلطة يخشى كثيرون أن تسبق الفراغ المقبل.
السير بالمقلوب
الأزمة الأشد تعقيدا في «الحالة اللبنانية»، ترجع كما يرى الخبير الاستراتيجي العميد نزار عبد القادر، إلى أن مصير لبنان ما زال مرتبطاً بإيجاد حل لكل الأزمات الدولية والإقليمية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، وأصبحت التساؤلات تدور حول: هل يجوز ربط مصير البلد بحل كل الأزمات الدولية والإقليمية التي تواجهها إيران؟ هل يجوز ان يتحوّل لبنان إلى ورقة في المفاوضات لرفع العقوبات الأميركية عن إيران؟ هل يمكن السماح بتحويل كل الاستحقاقات السياسية إلى ورقة ضامنة لسلاح حزب الله؟ وإلى متى يمكن ان يستمر اللبنانيون بقبول ان يحكم وطنهم من خارج العرف والدستور؟
ويؤكد الخبير الاستراتيجي اللبناني، أنه من المستبعد أن يقبل اللبنانيون الاستمرار لدفع بلدهم للاستمرار في السير بالمقلوب، وأن بحكمه بصورة عشوائية من خارج العرف والميثاق والدستور والتي شكلت الركائز الأساسية لدولة الاستقلال وللدولة الحديثة التي عمل الرئيس فؤاد شهاب على اقامتها في ستينيات القرن الماضي.
مؤشرات السير بالمقلوب
ويؤكد المحلل السياسي اللبناني، زهير الماجد، للغد، أن من يقول أن لبنان «وطن بالمقلوب» تحكمه الفوضى، يقترب من تجسيد حال الواقع اللبناني، في بلد يسير فعلا بالمقلوب، كل شىء عكس الاتجاه الصحيح للإنقاذ قبل السقوط في دوامة الانهيار الشامل.
وأضاف للغد أن الأمل في تشكيل حكومة تتولى مهام الإنقاذ، ولكن كل ما يجري عكس محاولات تشكيل الجكومة.. ثم الإنهيار الاقتصادي على الأبواب، ولكن ما يجري وكأنه في صالح استعجال الإنهيار، وهكذا على مختلف الصعد سواء سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية !! وحتى مع حالة الاضطراب الفريدة التي تسبب بها انفجار مرفأ بيروت في شهر أغسطس/ آب الماضي، لم تتسبب بأكثر من اهتزاز تكتيكي ومؤقت للطبقة السياسية، وهذا ما يؤشر إليه غياب كامل لأية رؤية استراتيجية، تدفع إلى العمل على تشكيل حكومة إصلاحية، قادرة على الاستفادة من المبادرة الفرنسية وتزخيمها دولياً وعربياً.
لبنان بلد سوريالي
ويؤكد الكاتب والمحلل السياسي اللبناني، سمير عطا الله، أن لبنان بلد سوريالي في أفضل حالاته.
ومثل هذه الفوضى والأزمة والفقر والفراغ، هي مأزق لبنان باللبنانيين. ولن يفيقوا. وها هم يعملون جميعاً بنصيحة الرئيس ميشال عون قبل 9 أشهر «اللي مش عاجبو، يهاجر». لن يبقى أحد.
ويقول «عطا الله»، إن لبنان يعيش في ظل حكومة مستقيلة تسمى «حكومة تصريف الأعمال»، أي رفع العتب في القضايا الصغيرة – فقط ـ وفي المقابل، هناك رئيس مكلف بتشكيل الحكومة الجديدة، لكنه لا يحكم، وممنوع عليه أن يسمي وزراءه.
ومن جهة أخرى، هناك رئيس الجمهورية الذي يتذمر كل يوم من أن الدستور سرق صلاحياته، ولذلك يتصرف بجميع أنواع الصلاحيات، ومنها المشاركة في تأليف الحكومة، أو منع تأليفها.
لبنان في أسوأ عزلة عربية ودولية
ليست هذه أول مرة يشهد فيها لبنان البدع السياسية. كلها أمور عادية، لاجديد، إذن، في العيش من دون حكومة أو دولة أو قانون. لكن المأساة اليوم أن النظام الاجتماعي البديل، أو الموازي، دخل أيضاً في عدميات السفه السياسي والانحطاط الأخلاقي. الاقتصاد الحر قد دُمِّر، ومال الناس سُرق، والنظام الصحي مهدد، ولبنان في أسوأ عزلة عربية ودولية منذ ظهوره كاسم جغرافي في التاريخ.
محاولة نزع «الثلث الضامن»
ومع فشل الجهود الرامية لتشكيل الحكومة الجديدة، استؤنفت جهود المبادرة الفرنسية عبر المسعى الذي يقوده البطريرك الماروني بشارة الراعي، مع «تدخل» عمليّ بشخص المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم..وتتمثل أضلُع المساعي الجديدة، بحسب تقرير صحيفة اللواء اللبنانية، في الرغبة بتشكيل حكومة خالية من ثلث ضامن لأي طرف، وهو ما يردد محيط رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري بأنه حاصل على تأييد الجميع باستثناء رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل.
أي أن الحريري قد حصل على موافقة «حزب الله» على نزع الثلث الضامن من باسيل الذي لا يزال يتمسك به، في الوقت الذي تبدو فيه موافقة رئيس مجلس النواب نبيه بري على نزع الثلث الضامن، بمعنى آخر «عون وباسيل»، مفروغاً منهما.
ويرى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، أنّ الحكومة لن تتشكّل إلا من خلال لقاء رئيس الجمهورية والرئيس المكلف واتفاقهما على تشكيل حكومة مميّزة باستقلالية حقيقية وتوازن ديمقراطيّ وتعدديّ وبوزراء من ذوي الكفاءة العالية.
وقال البطريرك، بشارة الراعي: لا يفيد تبادل الاتهامات بين المسؤولين والسياسيين حول من تقع عليه مسؤولية عرقلة تشكيل الحكومة، ورئيس الجمهورية والرئيس المكلف قادران على اتخاذ هذا القرار المسؤول والشجاع إذا أبعدا عنهما الأثقال والضغوط وتعاليا عن الحصص والحقائب والمصالح وعطّلا التدخلات الداخلية والخارجية ووضعا نصب أعينهما مصلحة لبنان فقط.
ولفت البطريرك «الراعي»، إلى أنّ الإنقاذ لا يحصل من دون مخاطرة وكل المخاطر تهون أمام خطر الانهيار الكامل.
