وفاء البوعيسي تكتب: ليبيا المريضة جدا.. إلى أين؟

تطرح الكاتبة والمستشارة القانونية الليبية، وقاء البوعيسى، تساؤلا مطروحا، بمزيد من القلق والحيرة، داخل الشارع السياسي:  ما هو مستقبل ليبيا بعد الحرب؟

وتؤكد أن معظم الليبيين اليوم (نُخباً وشعباً) واقعون بالكامل في قبضة الماضي، وبالكاد تجد ليبيّاً واحداً، يتمسك بحقه في حجز مكانٍ له بالمستقبل، واضعاً نُصب عينيه أخطاء ذلك الماضي المدمِر، وتجارب أمم أخرى نهضت من رماد حروبها، وحققت قدراً من الديموقراطية والشفافية، وحقوق الإنسان والمواطنة.

وترى البوعيسى، في مقالها المنشور اليوم بصحيفة ليبيا المستقبل، أن المواطن الليبي، يعاني من إنعدام الطموح، وتشويش في الذاكرة الوطنية، فأنصار القذافي يتباكون على الديكتاتورية، متناسين أن أمان القذافي كان كاذباً، يحرسه القمع و البطش والخوف من القتل، والذين يصرون على عودة نظام القذافي، كانوا قد تخلوا عنه مرتين على مدى تاريخهم، لأنهم مجرد نفعيين بلا مبادئ، فعودة النظام معناه عودة مصالحهم التي انقطعت بسقوطه..أما المتباكين على الملكية «الشرعية»، فإن معظمهم لم يعاصرها ولم يشهد يوماً واحداً من أيامها.. والمتباكين على الشريعة الإسلامية، فقد سبق لهم وأن رفضوا تطبيقها مرتين

وتشير الكاتبة، إلى أن  الشعب الليبي  أطاح بثلاثة أشكال من الحكم، وجلس ليندب حظه بعد كل مرة، فقد رفض الحكم الإيطالي مطالباً بالإستقلال، دون أن يستفيد من نواة الدولة والأحزاب والمؤسسات التي تركها له، لينقلب بعدها على الملكية التي حققت له الإستقلال، ليعود فينقض على نظام الجماهيرية الشاذ والهلامي، الذي أشاع فوضى إدارية ومالية عارمة في البلاد، وفي انتفاضته عليه كشف عن شخصية خاملة وفاسدة الضمير (إلا ما ندر)، فهو قد انتخب قريبه غير المؤهل، فقط كي يدبر  لإبنه وظيفةً في الخارجية.

وتقول وفاء البوعيسى، إن الليبيين لن يتحرروا من الماضي بقرارٍ عقلي صرف، بل بعمل مدني وسياسي واعٍ وعلى المدى الطويل. نحن في ليبيا بحاجة ماسة جداً إلى حركة حقوقية مدنية، تؤسس القاعدة الفكرية للمواطنة، والإنتماء لدولة قانون، ومبادئ حقوق الإنسان العالمية،  فبعد هذا المخاض الطويل وثلاث محاولات شعبية للتغيير،  قد يقودنا هذا العبث للإنتحار الجماعي البطيء.

نص المقال:

يشغل هذا السؤال ” ما هو مستقبل ليبيا بعد الحرب”،  بال الليبيين كثيراً في مواقع التواصل الإجتماعي، ومراكز إيواء اللاجئين بأوربا، وبالردهات الضيقة لأحياء النازحين، وعلى جبهات القتال بكل مكان، وحتى في أواسط الليبيين الهاربين للخارج لأسباب مختلفة، هذا السؤال الملحاح يُباغَتُ في كل مرة بالجواب النكوصي ذاته، إنه بالعودة إلى الماضي.

عند مناقشة السوال يتمسك عددٌ من الليبيين بعودة نظام القذافي، مُحتجين بأيام الأمان ووفرة الخدمات والسيادة الوطنية، ويتمسك غيرهم بالعودة إلى حكم الملكية “الشرعي”،أما بقيتهم فيصرون على نموذج دولة النبي وتطبيق الشريعة الإسلامية، وما هي إلا لحظات حتى يشتبك الجميع في شجارٍ مر، حول الماضي الأولى بالإستعادة من غيره، ليتطور إلى عنفٍ لفظي، ويبدأ الكل في لوم الكل على الوضع الذي انتهى إليه، ويشرع كل فريق في تعداد ضحاياه، كمبررٍ أخلاقي لقتل ضحايا الآخر وتخوينهم وتكفيرهم.

معظم الليبيين اليوم (نُخباً وشعباً) واقعون بالكامل في قبضة الماضي، وبالكاد تجد ليبيّاً واحداً، يتمسك بحقه في حجز مكانٍ له بالمستقبل، واضعاً نُصب عينيه أخطاء ذلك الماضي المدمِر، وتجارب أمم أخرى نهضت من رماد حروبها، وحققت قدراً من الديموقراطية والشفافية، وحقوق الإنسان والمواطنة.

في ظني أن المواطن الليبي إنما يعاني من إنعدام الطموح، وتشويش في الذاكرة الوطنية، وضمور في العزيمة، وقِصر نـَفَس سرعان ما يدفعه للتوقف أمام الحواجز، عدا عن إصابته بفصام خطير في الشخصية، فأنصار القذافي يتباكون على الديكتاتورية، متناسين أن أمان القذافي كان كاذباً، يحرسه القمع و البطش والخوف من القتل، لمن يعارض حكماً دمر البلاد حضارياً واقتصادياً، بعد أن حوّلها لمزرعة تحكمها عائلة واحدة، وأن كذبة السيادة الوطنية، لم تصمد أمام بضعة أجانب مأجورين، حقنوا أربعمئة طفل ليبي بالإيدز في بنغازي، ولا حالت دون استيلاء أميركا على برنامجنا النووي “المزعوم”، أما وفرة الخدمات فإن ثلاثة أرباع مدن ليبيا تكذّب هذا الإدعاء.

إن الذين يصرون على عودة نظام القذافي، كانوا قد تخلوا عنه مرتين على مدى تاريخهم، لأنهم مجرد نفعيين بلا مبادئ، فعودة النظام معناه عودة مصالحهم التي انقطعت بسقوطه، وأول مرة تخلوا فيها عنه كانت بمنتصف الثمانينات، أثناء الغارة الأميركية على بنغازي وطرابلس، حين هرعوا لتمزيق ملفاتهم بمكاتب اللجان الثورية، حتى لا يتم التعرف عليهم لو سقط القذافي، والثانية حين انتفضت بنغازي وغيرها في فبراير، فعوض أن يثبتوا مع الرجل ويدافعوا عن نظامه، هربوا لتونس ومصر ونيجيريا وموريتانيا وفرنسا وقطر   والإمارات، وتركوه يقاتل لوحده مصدقاً أن معه الملايين. عدا عن أن جبهتهم الداخلية متصدعة ومقسومة على نفسها، تتآكلها مصالح ضيقة وتصفيات داخلية لبعضهم البعض، ولو عادوا للحكم من جديد، فسنرى عمليات أنتقام داخلية وخارجية، وأياماً أشد سواداً من هذه.

أما المتباكين على الملكية “الشرعية”، فإن معظمهم لم يعاصرها ولم يشهد يوماً واحداً من أيامها، كما أنهم لا يقلون سذاجةً عن أنصار القذافي في فهمهم للحل، إذ يكفي عندهم عودة الأمير الغِر من منفاه المُنعم في بريطانيا، ليشق الصعاب أمام الليبيين بغمضة عين، بل لقد نسى هؤلاء أن إسقاطهم للملكية، كان سببه قناعة الليبيين وقتها بعمالتها للغرب، وتخاذلها عن نُصرة قضاياهم القومية والإقليمية، حتى أنهم فرّطوا فيها بسهولة شديده، لصالح حركة الضباط الوحدويين المشبوهة، وتركوا ملكهم الذي يتباكون عليه اليوم، مُبعداً ذليلاً هو وزوجته حتى ماتا في المنفى، وقد كان الملك نفسه ديكتاتوراً آخر نفى بعض معارضيه للخارج، وأنهى متعمداً وجود الأحزاب في ليبيا، التي تعتبر آليةً مهمة من آليات تحقيق الديموقراطية في العالم.

أما المتباكين على الشريعة الإسلامية، فقد سبق لهم وأن رفضوا تطبيقها مرتين، مرةً بزمن القذافي حين وافقوا في المؤتمرات الشعبية (بالتسعينات) على إقرار قوانين القصاص والدية والحدود، والميراث والوصايا وتحريم الخمر والربا، ثم رفضوا تطبيقها على أنفسهم واكتفوا بتطبيقها على الأجانب “الغلابى” ممن لا قبائل ولا وساطات لهم، لتحميهم من الجلد وبتر الأطراف، ومرةً حين رفضوا ممارسات داعش وحركة أنصار الشريعة، اللتان أعلنتا عن نيتهما في استعادة نموذج دولة النبي، وصرخوا في العالم يطالبون دعمه للقضاء عليهما.

لقد أطاح الشعب الليبي بثلاثة أشكال من الحكم، وجلس ليندب حظه بعد كل مرة، فقد رفض الحكم الإيطالي مطالباً بالإستقلال، دون أن يستفيد من نواة الدولة والأحزاب والمؤسسات التي تركها له، لينقلب بعدها على الملكية التي حققت له الإستقلال، رامياً إياها بالعمالة والتفريط في الشريعة، ليعود فينقض على نظام الجماهيرية الشاذ والهلامي، الذي أشاع فوضى إدارية ومالية عارمة في البلاد، وفي انتفاضته عليه كشف عن شخصية خاملة وفاسدة الضمير (إلا ما ندر)، فهو قد انتخب قريبه غير المؤهل، فقط كي يدبر  لإبنه وظيفةً في الخارجية، أو في مكاتب وزارة الثقافة في مدن لا توجد فيها مكتبات حتى في المساجد، أو سارع لمنح بركاته لتيارات الإسلام السياسي المشبوهة كي ينجو من غضب الله، وحين طالب بمحاسبة المسؤلين، نسى أنه يتقاضى رواتب عن ثلاث وظائف دون أن يداوم في واحدة منها، أو داوم على لعن فبراير ليل نهار لكنه استعمل علاقاته، للحصول على مِنح ومزايا مالية منها، لينفقها على شاطئ النيل أو شقق تونس المفروشة.

إن الليبيين المتمسكين بالتاريخ، وقد جاءواجميعهم من الأمس بحلوه ومره، وماضيهم تاركٌ فيهم ندبات عميقة، سوف لن يتحرروا من الماضي بقرارٍ عقلي صرف، بل بعمل مدني وسياسي واعٍ وعلى المدى الطويل. نحن في ليبيا بحاجة ماسة جداً إلى حركة حقوقية مدنية، تؤسس القاعدة الفكرية للمواطنة، والإنتماء لدولة قانون، ومبادئ حقوق الإنسان العالمية، وأعني بذلك حركة علمانية مستنيرة ومنظمة تولد من رحم المعاناة، وتستعد لمحاربة تنين بعشر رؤس دفعةً واحدة، توقف رجال الدين عن حد الوعظ والإرشاد في المساجد، تربط نفسها بالجماهير وتنزل للشوارع، وتستوعب الكل ممن لم يتورط في سرقة مال عام، أو تحريض على العنف والمشاركة فيه، فبعد هذا المخاض الطويل وثلاث محاولات شعبية للتغيير بلا جدوى، لم يعد أمامنا إلا التنسيق لها من جهدنا الذاتي ومن جيوبنا، وإلا فلنستمر في القتال من أجل شريعة لن نطبقها، ومَلِك سنعيّره دائماً بأنه عاش بعيداً عن معاناتنا، وديكتاتورية فساد وجريمة لن تزيدنا إلا تأزماً، وقد يقودنا هذا العبث للإنتحار الجماعي البطيء.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]