وفاة أكبر الناجين الأمريكيين من هجوم بيرل هاربر

تواجه الإدارة الأمريكية، تحديا أمنيا فرضه فيروس كورونا «كوفيد ـ 19»، يتصل بمفهوم «الأمن القومي»، وفي ثالث محطة بعد واقعتين غيرتا من تعريف ومفهوم الأمن القومي الأمريكي وهما (الهجوم الياباني على ميناء بيرل هاربر، في السابع من ديسمبر/ كانون الأول الخامس من أغسطس 1941.. وهجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 ) وكلا الواقعتين أعادت تصحيح مفهوم الأمن القومي ليشمل أبعادا جديدة، وأعادت توجيه مسار سياسة الولايات المتحدة لعدة عقود.

• في 7 ديسمبر/ كانون الأول 1941، كتم العالم أنفاسه عند سماعه لخبر الهجوم الياباني على الولايات المتحدة الأمريكية، الذي تناقلته وسائل الإعلام، ففي حدود الساعة الثامنة صباحاً من ذلك اليوم، تعرضت قاعدة بيرل هاربر الأمريكية بهاواي لموجتي قصف جوي قادتها 353 طائرة يابانية، أسفرت عن تخريب وتدمير عدد من السفن الحربية ومقتل ما يزيد عن 2300 أمريكي.

وبسبب هذا الهجوم، تغير مجرى التاريخن وأضطرت الولايات المتحدة لدخول الحرب العالمية الثانية..واتخذت الحرب العالمية الثانية منحىً جديداً حيث دخلت الولايات المتحدة الحرب بشكل رسمي ليبدأ بذلك العد العكسي لهزيمة دول المحور.

• وفي 11 سبتمبر/ أيلول 2001  شهدت الولايات المتحدة مجموعة من الهجمات في يوم الثلاثاء، الموافق 11 سبتمبر/أيلول. وفيهِ توجهت أربع طائرات نقل مدني تجارية لتصطدم بأهداف محددة، وقد نجحت في ذلك ثلاث منها، وتمثلت الأهداف في برجي مركز التجارة الدولية في حي منهاتن، ومقر وزارة الدفاع «البنتاجون»، وبلغ عدد الضحايا: 2973 قتيلا و24 مفقودا، إضافة لآلاف الجرحى والمصابين بأمراض جراء استنشاق دخان الحرائق والأبخرة السامة.

وأدت هذه الأحداث إلى تغييرات كبيرة فى السياسة الأمريكية، حيث استغلت إدارة الرئيس الأمريكى الأسبق جورج دبليو بوش تلك الأحداث لتعلن ما يسمى بــ «الحرب على الإرهاب»، وضرب أى أعداء محتملين لأمريكا، وهذا ما استخدمته فى تبريرها لغزو أفغانستان 2001، ثم العراق 2003، واحتلال الدولتين عسكريا، وتصاعد الموجات المعادية للإسلام أو ما يعرف بالإسلاموفوبيا.

• وفي 29 يناير/ كانون الثاني 2020.. أي بعد نحو عشرين عاما على هذا المشهد الكارثي، تم تسجيل الحالة الأولى المصابة بفيروس «كوفيد ـ 19» في الولايات المتحدة، ثم تصدرت دول العالم بأكبر عدد من المصابين والمتوفين، بلغ حتى الآن  مليون إصابة ( أي ثلث المصابين في العالم)، وتوفي 415 حالة، بينما ارتفع معدل البطالة إلى 16 في المئة.. وخلصت دراسة أجراها باحثون في جامعة نيويورك إلى أن فيروس كورونا سيكلف القطاع الصحي بالولايات المتحدة  654 مليار دولار، وتفترض الدراسة، أنه «لو أصيب 80 في المئة من الأمريكيين بالعدوى، مع مراعاة التكاليف الطبية الأخرى مثل أجهزة التنفس الصناعي وتلف الرئة وأعضاء أخرى، قد تواجه البلاد فاتورة تصل إلى 654 مليار دولار».

وبعد سقوط نحو  55 ألف أمريكي ضحية لوباء «كوفيد-19»، وإصابة أكثر من  مليون، فإنه أصبح جليًا أن هذه الأزمة تحمل عواقب طويلة الأجل على الولايات المتحدة وركائز أمنها القومي. فتلك الأعداد تفوق بكثير ضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول، التي دفعت الولايات المتحدة لخوض حرب طويلة الأمد في أفغانستان والعراق، كما تتجاوز أعداد ضحايا بيرل هاربر التي أدخلتها الحرب العالمية الثانية.

وانتشر الفيروس بين الجنود  الأمريكيين على متن المدمرات وحاملات الطائرات وداخل مبنى البنتاغون نفسه ( وحتى الآن، هناك نحو خمسة آلاف حالة إصابة بين العسكريين الأمريكيين وفقاً لأرقام البنتاغون)، وأصبح واضحا أن الحفاظ على سلامة الأمريكيين لا يعني جيشاً وقطعاً حربية وأساطيل منتشرة في قواعد في أرجاء العالم فحسب، وإنما قد يتسع ليعني جيشاً صحياً استكشافياً وتطوير أدوات أفضل للتنبؤ لرسم انتشار مرض أو فيروس، وتعزيز قدرات الاستخبارات الطبية. وتحتم هذه التحديات الجديدة على صناع السياسة الأميركية إنشاء وحدات وكيانات أوسع تقوم بمهام التأهب لحرب من نوع جديد.

• وهكذا.. فإن الإدارة الأمريكية تواجه تحديا أمنيا يتصل بالتغيرات  التي طرات على نظرية «الأمن القومي» بمفهومها الواسع.. وحسب تقديرات الدوائر السياسية في واشنطن، فإن العواقب الوخيمة لوباء كورونا، ستلقي بظلال طويلة الأمد على سياسات الحكومات الأمريكية المتتالية، ومرتكزات وأسلوب إدارة الأمن القومي الأمريكي.. والتعريف الواضح والبسيط لمصطلح الأمن القومي لأي إدارة أمريكية هو الحفاظ على سلامة وحياة الأمريكيين في وجه أي تهديد.

يذكر أنه في استراتيجية الأمن القومي الأميركي لعام 2017، وفي استراتيجية الدفاع البيولوجي لعام 2018 التي أقرّها الكونغرس، حددت الإدارة مواجهة الأوبئة والحرب البيولوجية كعنصر مهم في استراتيجيتها وركزت على احتواء أي وباء في مصدره، ودعم الابتكار الطبي، وتحسين استجابة الطوارئ. إلا أن الإدارة الحالية اتجهت إلى قطع تمويل أبحاث العلوم والصحة، وأضعفت المنظمات الدولية الأساسية للكشف عن الأوبئة واحتوائها. وفي هذا الصدد، ذكر تقييم لمكتب مساءلة الحكومة في شهر فبراير / شباط 2020، أن استراتيجية الدفاع البيولوجي تفتقد لعمليات وأدوار ومسؤوليات واضحة.