يسرى السيد يكتب: قنبلة فى كل بيت
فارق كبير بين المرأة فى مسلسلاتنا وأفلامنا وأعمالنا الدرامية وبين الواقع الذى نعيشه..
أو على الاقل حتى لا أقع فى فخ التعميم وبين 99% من نسائنا في مصر وباقى البلدان العربية.
لكن هذا لا يعنى أن الأمر يمر مرور الكرام.. أكاد أقولها بحسم إن أعمالا درامية كثيرة أصبحت تسمم البيوت المصرية وتكاد تفسدها، أو قل تكاد تكون قنابل “تجيب عاليها واطيها”!!
بداية حين نذهب إلى أي قرية في الريف المصري نجد الفتاة أو المرأة بميت رجل في الدار والغيط !!
حين تمشي في الشوارع وتتعطر عيناك برؤية آلاف الوجوه من النساء الكادحات، لا تجد أمامك سوى الانحناء لهن تقديرا واحتراما.
ولا يقتصر الأمر على النساء من جيل الأمهات أو الأخوات الكبار، لكن فى فئات كثيرة من الأجيال الجديدة اللاتى يخترقن حصار البطالة ويقفزن على أسوار العيب.. تجدهن يعرضن بعض المنتجات على الجالسين على المقاهى أو حتى داخل البيوت من أجل بضعه جنيهات يعدن بها إلى بيوتهن.. ولن أتطرق -وهن يستحققن ذلك– إلى ملايين الموظفات والعاملات.. إلخ
يعنى المرأة بـ100 رجل !!
ومع تنوع الظروف وقسوة الحياه لم يعد عمل المرأة فى المدينة والحضر ترفا أو رفاهية بل أصبح ضرورة لامفر منها حتى تسير سفينة الحياة “الهوينا “.. بالإضافة طبعا لمن فقدن الأب أو الزوج وأصبحن كالعصفور لا بد أن يبحث عن رزقه بنفسه له ولأولاده الصغار!!
· ” لينهمرِ الشعرُ بالأغنيات الجديدة بين يديها….
طويلاً..طويلا..
ألا..وليؤسس على قدرها لغةً وعروضًا جديدينِ يستحدثانِ مقاييس أخرى..
وذائقة..وعقولا….
هى امرأةٌ تشبه الشمسَ..إلا أفولا..!!”
كثيرا من القصائد تغنت لها، بل لا أبالغ اذا قلت ان الشعر والفن خلق من اجل المرأة لانها باختصارمحور الحياة .. اذا صحت كانت الحياة جنة ، واذا كان العكس انقلبت الدنيا الى جهنم ندخل فيها بلا حساب !!
ولا أعرف لماذا تسيطر على قصيدة “المرأة الاستثناء “لشاعرنا الكبير الصديق محمد محمد الشهاوى كى أصف اى فتاة أو امرأة انحنى احتراما امام جهدها وتعبها ومناكفتها لقسوة الواقع ، وانسج بينها وبين المقاطع الشعرية فى هذه القصيدة سياجا من الحب :
• “هى امرأةٌ..قد تفرغت المعجزاتُ لتشكيلها والمقاديرُ..دهرًا طويلا….
هى امرأةٌ.. وجميع النساءْ سواها ادعاءْ….
لها البحر من قبل بلقيس عرشٌ وكل المياه إماء….
يخاصرها الموجُ فى نهمٍ ممعنًا فى الصبابة جيلاً.. فجيلا…”…
ملايين من النساء عندنا راضين وحامدين، و تجد هذه الجملة على لسان كل واحدة منهن تدعو بها المولى عز وجل صباح مساء وتقولها للجميع:
– الحمد لله مش عايزة غير الستر !!
فتيات ينزلن للشارع من أجل الرزق الحلال .. كل فتاة منهن لاتحلم بقصر أو فيلا فى منتجع أو شقة فارهة فى التجمع الخامس .. لاتحلم أن تكون مثل فتيات السينما والإعلانات .. أحلامها بسيطة ” الستر من رب العباد ” … تعيش ايامها فقط يوم بيوم مثل العصافير تؤمن أن الله يرزقها وهى تغدو خماصاً وتروح بطاناً …. تستمتع بالحياة التى تعطيها ظهرها دائما ومع ذلك تعاندها رغم مرارتها بقولها “الحمد الله” .. أعرف ورأيت الاف من المصريين يعيشون تحت خط الفقر وعندما تسألهم عن حالهم يقولون بصدق:
– ” الحمد لله احنا احسن من غيرنا كتير” …
يقولون ذلك رغم أنهم لايجدون ما يكفى لسد الرمق .. بعضهم يعيشون تحت بئر سلم أو فى حجرة لا تزورها الشمس وحمام مشترك مع جيران مثلهم أو فوق السطوح تحت شمس لاترحم وبرد لايعرف إلا القسوة .. مصريون من طراز إنسانى خاص …يحولون مرارة الحياة إلى ضحكات صافية ، ووجع الألم إلى أغنيات تشدو بها الشفاه والقلوب الملائكية …
• ” ماذا يقول لسان المزاميرِ عنها إذا ما أراد لنا أن يقول؟
هى امرأةٌ تشبه المستحيل….
هى امرأةٌ يشرب النورُ.. من قدميها (اللتين تشعَّانِهِ) هاطلات السنا والندى كى يبل الصدى والمغنى.. هنالك محتدمًا بأوار التراتيلِ..
يرسلُ اللانهائيَّ فى مقلتيها بريد المواويلِ وهو يناغمُ رقرقة الضوءِ إذ يتدحرجُ فوق جبال المدى ليصافح فى وجنتيها الصباح الجميلا”
لذلك اقف مندهشا امام هذا الواقع المزدحم بملايين القصص والحكايات للنساء وبين ما يعرض عنهن فى السينما والمسرح والتليفزيون ..
و يكون السؤال مباشرة :هل تتناول اعمالنا الدرامية هذا الصرح الذى يسمى المرأه بما تستحق او حتى بقدر وجوده وثرائه فى الواقع ؟
قبل أن أجيب عن السؤال وتجيبون معى الإجابة نفسها… أقول وأؤكد للجميع من صناع الدراما إيمانى التام بحرية الإبداع وحق المبدع فى عرض اى نماذج انسانية حتى و لوكانت هامشية …
لكن بشرط الا يكون ذلك هو المتن والاصل والقاعدة فيما يقدممن اعمال فنية ، ويمثل الهامش أو الكومبارس فى هذه الاعمال ما هو بطل فى الحياة والواقع .
وحتى لا يكون الكلام نظريا تعالوا نسأل:
_ هل كل النساء خائنات لازواجهن ؟
_ هل كل النساء يدخن السجائر ويشربن الخمور ويقمن علاقات جنسية قبل الزواج؟
_ هل كل النساء سيدات مجتمع يلبسن الفرو ويتزين بالسولاتير والالماس ؟
_ هل كل البيوت فى مصر والدول العربية التى يعيش فيها كل العرب والمصريين عبارة عن قصور وشاليهات وفلل وشقق يجرى فيها الخيل والقطارات ؟
_ هل كل الارضيات باركيه ورخام مستورد ، والاثاث من ايطاليا، والستائر من باريس …!
_ هل اللغة بين المرأة المصرية وزوجها او اخيها او ابوها او مدرسها .. هى اللغة التى تظهر على الشاشة ؟
_ هل الواقع يحتشد بهذا العنف الذى يظهر على الشاشة ؟
_ تعالوا نفترض ان هناك ظلا لمثل ذلك فى الواقع ..يكون السؤال :
_ هل ذاك القاعدة ام الاستثناء؟
اكاد اجزم بالتالى :
· ان العنف الذى تواجهه المرأة الآن فى الشارع والعمل والبيت .. نسبة كبيرة من اسبابه تعود لمثل هذه الاعمال الدرامية التى تهان فيه المرأة لفظا وفعلا وبشكل يلقى بظلاله على الواقع !
· ان نسبة لا يستهان بها من اسباب الطلاق تعود لبعض الاعمال الدرامية التى تلح على المشاهدين بسهولة الطلاق وتشريد الاطفال
· طرح نمط حياة استهلاكى لا يقدر عليه اغلبية الازواج فى نسبة كبيرة من هذه الاعمال التى تعرض بذخ المنازل ، والانفاق المبالغ فيه ، والسيارات الفارهة .. الخ ، وبشكل حول الكثير من البيوت عند الفتيات والزوجات الى عشش، واصبح الاباء والازواج معدمين بعدما ترسخ عند الكثير من المشاهدات ان هذ هو الاصل وان الزوج او الاب مقصر ولا بد من التمرد عليه
· نعم قد يضخم الفن السلبيات حتى يتم مواجهتها فى الحياة ..
لكن مايحدث عكس ذلك تماما ، بدلا من ارتقاء الفن بالانسان انتقلت السلبيات من الشاشة الى الواقع وبشكل مدمر !!
والطفل ايضا
· ولم يقف الامر عند المرأة فقط لكن انتقلت الكارثة لتصيب اطفالنا فى مقتل
وحتى ادلل على كلامى جلست امام التليفزيون اتابع وفى قلبى بركانا من الغضب … كلما انتقلت من قناة فضائية الى اخرى لمشاهدة بعض المسلسلات صعقتنى جملة تسبق التترات هى : “+ او فوق ال 16″… اى الاطفال ممنوعون من المشاهدة فى تليفزيون يجلس بينهم كأحد افراد الاسرة …
والغريبة بل والخطير ان الامر لا يخص مسلسلا واحدا او اثنين .. بل اصبح الامر ظاهرة ؟؟؟
والكارثة ان الامر لم يقف عند المسلسلات بل انتقلت العدوى لبعض البرامج الى تجرح كثيرا بالفاظها اوايحاءات مقدميها ، مشاعر الكبار، فما بالك بالصغار الذين لا يغادرون شاشة التليفزيون باعتباره وسيلة التسلية الوحيدة المتاحة لهم ووصل الامر ببرنامج مثل الابلة فاهيتا – طبعا يحدث ذلك فى العديد من الحلقات التى رأيتها – لكن اقول وصل الامر بغناء اغنية اللفنانه الهام شاهين تدعو للتعامل الجنسى مع النساء فوق الاربعين لانهن اكثر خبرة عن بنات العشرين والثلاثين…فتحت فاهى وانا اسمع هذه الاغنية لكن انفتح فمى ليتسع من الارض الى السماء فى صباح اليوم التالى وانا اسمع طفلى الذى لم يتعد ال 7 سنوات وهو يغنى الاغنية اياها !!
_ نعم قلت واقول وسأظل ادافع عن حرية الفن والابداع والاعلام …لكن فارق كبير بين الحرية والهدم والتخريب ، وماذكرته من بعض النماذج سيؤدى خلال فترة قصيرة جدا الى انهيار بقايا المجتمع العربى الذى تشتعل فيه النيران فيه هنا وهناك !!
_ نعم كنا زمان نجد بعض الافلام السينمائية ترفع شعار للكبار فقط …لكن بعض دور السينما كانت تتشدد فى رقابة الداخلين لمشاهدة الفيلم ومن يتسلل من الصغار يكون عدده قليلا بالمقارنه بمجموع من شاهده ،
و كان يحد من تأثير ذلك قلة دور السينما او عدم وجود الاموال اللازمة مع الاولاد او رقابة الاهل .. الخ من اسباب ، لكن ان ينتقل كل ذلك الى الفضائيات فى شكل افلام ومسلسلات وبرامج .. فهذه هى الكارثة الكبرى التى ستأتى على ماتبقى من عالمنا العربى ولا ابالغ فى ذلك
_ ويكون السؤال هنا : اين الهيئة الوطنية للاعلام فى مصر او وزارت الاعلام فى الدول العربية ؟
وبعيدا عن القرارات وهى مطلوبة وبسرعه لماذا لا تعقد جلسات حوار ونقاش بين صناع الدراما فى بلادنا والمسؤلين وخبراء التربية والتعليم والثقافة وعلماء النفس والسلوك .. الخ من خبراء لمناقشة الخطر الكبير والمصير الاسود الذى نسير اليه جميعا اذا استمر الوضع هكذا .
طبعا قد يرد احد الاصدقاء اذا منعنا ذلك فى قنواتنا ، من يمنع ذلك فى :
_ الفضائيات العالمية بما تعرض من اعمال متنوعة .
_ شبكة الانترنت وما تحوى من كل شىء .
_ الموبايلات التى اصبحت فى يد كل طفل ، فضلا عن الكبار طبعا واصبحت بمثابة مليون قناة فضائية بالاضافة لشبكة الانترنت وقنوات اليوتيوب … الخ
اعتقد ان الاجابة البسيطة لا بد ان نعلم اولادنا السباحة حتى اذا تعاملوا مع هذه الوسائط التكنولوجية بالاضافة طبعا للشارع والمدرسة والنادى كانوا محصنين ومستعدين للتعامل ، لكن علينا الا نصنع بانفسنا القنابل التى تدمرنا للأبد!!