يسرى السيد يكتب: ما أحلى السفر إلى الله  

وما أحلى السفر إليه.. هنا كل شىء …..وأيضا لا شىء فى نفس الوقت ….هنا ترتدى كفنك بنفسك ….وتختاره بنفسك … وتحمله على جسدك  كاشفا منه الكثير وساترا عورتك ومتخوفا من انكشافها رغما عنك ….

هنا تحمل كفنك…. وتتجه إليه طالبا العفو والصفح والمغفرة…هنا ساحة العفو والمغفرة والرحمة  ….الكل فائز فيها بشهادة المولى عز وجل وقوله  فى حديثه القدسى على لسان رسوله الكريم: ” إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ تَطَوَّلَ عَلَى أَهْلِ عَرَفَاتٍ فَيُبَاهِي بِهِمُ الْمَلائِكَةَ ، فَقَالَ : انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي شُعْثًا غُبْرًا ، أَقْبَلُوا إِلَيَّ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ، فَاشْهَدُوا أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ إِلا التَّبِعَاتِ الَّتِي بَيْنَهُمْ ” ، قَالَ : ثُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ أَفَاضُوا مِنْ عَرَفَاتٍ إِلَى جَمْعٍ ، قَالَ : فَقَالَ اللَّهُ : ” يَا مَلائِكَتِي عِبَادِي وَقَفُوا ، فَعَادُوا فِي الطَّلَبِ وَالرَّغْبَةِ وَالْمَسْأَلَةِ ، اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ وَهَبْتُ مُسِيئَهُمْ لِمُحْسِنِهِمْ وَتَحَمَّلْتُ عَنْهُمُ التَّبِعَاتِ الَّتِي بَيْنَهُمْ ” .

•        ياالله …تباهى بعبادك الملائكة ….تباهى بنا ونحن جبال من الذنوب والمعاصى …

السفر الى اللله فى عمرة او حج متعة مابعدها متعة

اعرف ناسا بسطاء لايشغلهم طوال العام الا جمع تكاليف العمرة

•        يالله …تباهى بنا  كل خلقك وقد فعلنا كل شىء يغضبك ولم نفعل ما يرضيك إلا قليلا ….

والعمرة فى رمضان مذاقا يختلف عن بقية العام .. صوم للبطن فى الارض  ورحلة للروح الى السماء  لاتستلزم تأشيرة سفر او رخصة افطار!!

•        يالله … تغفر لعبادك هنا  ذنوبهم التى أوقعهم فيها الشيطان الذى لعنته بالأمس وأخرجته من رحمتك حين رفض السجود لآدم يوم خلقته ..يا الله …هنا لا أحد يهتم بما حوله … الكل داخل الملكوت .. وأنت  فى داخله لا ترى شيئا إلا داخلك … تسافر إلى الله تاركا الجسد فى الأرض .. تترك التراب للتراب …وتحلق بالنور للنور الأكبر .. تدخل فيه ويدخل فيك .. تذوب عشقا وولها  …وتتحلل لذرات تسبح فى الملكوت الأعظم دون رغبة فى العودة …هنا تسافر القلوب قبل الأجساد …وتحلق الأرواح  بعيدا إلى هناك …

•        يا الله…هنا كل شىء ….ولا شىء فى آن واحد ….هنا الكل فقراء إليك  وأنت الغنى الذى يمنح الغفران والعفو الذى لا مقابل له سوى رحمتك ….هنا الكل سواسيه…  الكل أشعث أغبر لايملك من الدنيا شيئا …ولا حول ولا قوة إلا بك

 

•        ما أحلى السفر إليه ….من قال السفر بالأجساد فقط … سفر الروح أسرع وأجمل وأبقى…. توضأ من أى مكان على سطح الأرض أو حتى خارجها  …..صلى لله وتوجه إليه فى بيته الحرام وأترك الجسد للمنشغلين بالفناء ….حلق  فى اللا مرئى إذا لم تحصل على تأشيرة السفر الدنيوية ….الرحيل والسفر إليه لا يحتاج لتأشيرة أو جواز سفر ….لا يحتاج لباخرة أو طائرة أو سيارة أو جمل …..بل لا تحتاج لقدمين يحملان جسدا عليلا  مثقلا بالذنوب والخطايا ….كل ما عليك أن تتوضأ وتصلى لله وتتوجه بقلبك إليه هناك فى بيته الحرام  وجبل عرفات وجبل الرحمة …أترك الجسد ليفنى مع الفانيين وحلق بروحك لعنان السماء …

 

كنت أقول قبل أن أسافر إليه منذ سنوات بجسدى :”زيارة واحدة لبيته الحرام تكفى”…  بل واتشدد قائلا لمن يزور البيت الحرام أكثر من مرة فى العام ، عمرة وحجا :”اعطى الفرصة لغيرك “….كانوا ينظرون لى ولا يردون …بعد زيارتى الأولى فهمت المسكوت عنه ….أدركت مالم يقولوه:”الحياة صحراء جرداء ..السراب هو كل ما نجده كلما أسرعنا الخطى … نحيا فيها عطاشى إليه …عرايا من القرب منه … أغراب من البعد عنه .. فقراء من خزائن التقرب إليه ….

 

•        يا الله ….هنا ترتشف أول رشفة ماء  تمرعلى شفاه مشققه من العطش …هنا يتحول السراب إلى  بئر ماء زمزم المثلج…هنا نرتدى السماء وما أحلاه من ثوب …هنا لا أرض نقف عليها .. الكل طائر محلق ….هنا لا عورات ….ولا رجال ولا نساء ولا أطفال ولا أحد فاضى للنظر حوله … كل فى ملكوته …الكل مخلوق نورانى يرتدى البياض  بعد السواد الذى ارتداه  طوال عمره …..هنا الكل أغنياء بمغفرة الله لهم …

” أهلك وذويك ” هنا… هم كل خلق الله وأخيرا لا أهل لك سوى الله .

 

•       فى رحاب الحبيب

 

فى الروضة الشريفة كان الوصول إليها دربا من الخيال … زحام والكل يقف منتظرا  سماح الحراس بالدخول بعد رفع شريط بلاستيكى رفيع يفصل بين روضة الحبيب ودنيانا …ما إن يشد الجندى الشريط حتى يتدافع الكل إلى الحبيب …الكل يمنى نفسه بالوقوف  فى رحابه ..بالصلاة حيثما كان يصلى  ..بالجلوس فى المكان الذى جلس فيه  … فى معيته ….

 

“مَا بَيْنَ قبري ومنبري رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ ” … الكل ذاهب للمتشفع لينا  … الكل ذاهب للسلام على من سلم عليه الله قبل الخلق …

نعم  الفارق للعين المجردة  بين روضة الرسول وباقى مسجده لون السجاد … الأحمر خارج الروضة واللون الأخضر داخلها ..  لكن أين المساحة التى ترى منها العين لون السجاد ….تدافعت أمواج البشر لتأخذنى فى طريقها … أصبحت نقطة فى بحر ..لم أفق إلا وأنا هناك .. تماسكت واسترددت بعض أنفاسى المتقطعة وأحايل فى رجلى أن تتحمل الجسد المنهك ولا تسقط به فوق من بجوارى ولحق قبلى موطئا لقدمه … مسحت عرقى بقولى :” لا إله إلا الله”… هى حصنى وملاذى وحماى … بعد أن استرددت بعض الوعى قلت لمن على يمينى :

– هىيا فين الروضة الشريفة ؟

** رد على مستغربا : إنت واقف فيها الآن !!

قلت : معقولة ؟

** قال : أنظر تحتك للون السجاد ؟

نظرت .. خرجت منى دون أن أدرى : لا إله إلا الله مزلزلة من أعماقى واتبعتها بقولى :  يا حبيبى يارسول الله ….. أنا فى لحظة هذيان غير مسبوقة ….أخذنى من على شمالى فى حضنه  قائلا:  الحمد لله ..الحمد لله

نظرت لعينيه .. كانت الدموع تغطى وجهه …كان رجلا إفريقيا أسمر البشرة …جلسنا فى أماكننا حتى نحجز للجسد مكانا … بعد برهة قمنا نصلى ورحلنا للحبيب مع الحبيب  …بعد صلاة لا نعرف كم استغرقت من وقت حاولت الاقتراب من المنبر والقبلة بجواره …و ما أحلى الصلاة بجوار المنبر الذى وقف عليه الرسول لينشر دعوته … أتجول ببصرى فيما يعجز عنه الجسد وسط هذا الفيضان  البشرى .. أحلق بروحى إلى أكثر من 1437 عاما…

 هنا خرج المسلمون يستقبلونه بفرح وكان كل نفر من المسلمين يتمنى أن ينزل الرسول الله صلى الله عليه وسلم عنده، فتسابقوا يمسكون بحبل ناقته ،

 

وهو يقول لهم:( دعوها فإنها مأمورة )،  وبركت ناقة الرسول  هنا …

ياحبيبى يارسول الله كم كنت اتمنى أن أكون فى شرف استقبالك  وقتها … هنا جاء الرسول …وهنا اختار منزلا وهنا اختار مسجدا وهنا اختار مرقدا… وهنا وفقنى الله ويسر لى أن آتى للحبيب كى أسلم عليه وأصلى بعد أن فصلنى الزمن عنه نحو 1400 عام …

هنا تشعر بالجمال والسكينة …وهناك فى الكعبة تشعر بالجلال والهيبة ….وما بين الجلال والجمال وبين الهيبة والسكون …حيوات و حكايات ومشاعر لا تنتهى …

بعد أن صليت وجلست بعض الوقت رنت فى أذنى  جملة النبي صلى الله عليه وسلم فى حديثه الشريف: ”  ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) “…. قلت لنفسى أخرج من الروضة كى أمنح مكانى لآخرين للمشاركة معى  فى حب رسول الله ….هممت بالخروج لتأخذنى قدماى إلى قبر الحبيب … أريد التشبث به فيمنعنى الحارس بنوع من الغلظة أنا وآخرين .. ياحبيبى يارسول الله جئتك من مصر قلت وكلامى غارقا فى الدموع  .. من بلد زوجتك ماريا التى أنجبت لك الولد  من بلد أوصيت بأهلها خيرا .. يارسول الله  جئتك من شعب أوصيت أصحابك وخلفاء المسلمين بهم  خيرا حين قلت : “أوصيكم بأهل مصر خيرا فإن لهم نسبا وصهرا “….

تشفع لى ولأهلى ياحبيبى يارسول الله وإنقذ مصر من بعض أهلها ، أما أعداءها فنحن كفيلون بهم…

ولأن الحراس يمنعون الأفواج من التوقف دعوت الله فشعر بى الحبيب فرفع  المؤذن الآذان  ووجدت نفسى مصطفا فى صف أمام قبر الحبيب فصليت  فى رحابه ….وكثيرا ما كررت الزيارة  وكثيرا ماجلست فى الممر المؤدى إليه

حتى حان قرار الرحيل من المدينة متوجها إلى الكعبة …

كان أكثر ما يحز فى نفسى إننى جئت للحبيب وأنا مثقل بالذنوب والخطايا قبل أن يغفرها ربى فى بيته الحرام أوعلى جبل عرفات أوما بين الصفا والمروة أوفى كل بقعه من الارض المقدسة .
 

•       قباء واللحظة الفاصلة

 

دائما تشغلنى الأماكن  والحدود الفاصلة … اللحظات الفاصلة .. تشغلنى الثانية التى تفصل بين عام وعام والثانية التى تفصل بين يوم ويوم واللحظة التى تفصل الضوء الأبيض من الأسود … رغم إنها لحظات وأوقات غير مرئية أو حتى وهمية أوافتراضية …يشغلنى الخط الفاصل بين دولتين أو بحرين أو نهرين أو محافظتين ..

 

وقفت مشدودا منذ سنوات طويلة بين الخط الفاصل بين رفح المصرية ورفح الفلسطينية …بين طابا وفلسطين المحتلة بين آخر نقطة فى قناة السويس والبحر الأبيض عند بورسعيد…. بين بورسعيد الإفريقية وبورفؤاد الأسيوية …. بين دلتا دمياط واللسان المتكون من طمى النيل والبحر المتوسط …..بين حلايب وشلاتين والسودان….. بين آخر نقطة على الحدود الغربية  لنا وليبيا …. كل ذلك رغم أن الحدود وهمية ومن صنع البشر أحيانا لكنها النقاط الفاصلة …

 

كان يهزنى قول الرحمن :” نَرَى? تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ? فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ? فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ? وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ? “

 

كنت اسأل نفسى وامنى نفسى بزيارتى للمسجد الذى به قبلتين… قبلة قديمة وقبلة جديدة اختاره الله لنبيه… كانت تشغلنى اللحظة التى انزل الله على نبيه الأمر السماوى ” فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ”… يعنى اللحظة الفاصلة بين التوجه للمسجد الأقصى لسنوات إلى شطرالمسجد الحرام حتى قيام الساعة …

 

هنا تم تغيير القبلة .. تتدخل من باب المسجد لتجد القبلة الجديدة نحو المسجد الحرام فى وجهك وخلفك القبلة القديمة ….

 

يالها من روعة ….صليت هنا وجلست اتأمل اللحظة الفاصلة ومشاعر المسلمين الأوائل وهم ينفذون الأمر الآلهى دون جدل ودون صخب

 

يالهم من مؤمنين بحق وحقيقى !!

ولبيك اللهم لبيك .. لبيك لا شريك لك ان الحمد والنعمة لك والملك

 

للتواصل مع الكاتب

Yousrielsaid@yahoo.com

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]