لأول مرة تتفق تحليلات وتوقعات الدوائر السياسية ومراكز الأبحاث في أوروبا، على الدفع بتحذيرات مما هو قادم مع عام 2016 من اهتزازات سياسية واضطرابات أمنية، تهدد بتمزق الاتحاد الأوروبي، وتعصف بالوضع الأمني داخل أكثر من دولة في القارة العجوز، وأن وحدة القارة ربما تخرج من الوجود من خلال الأزمات المرتقبة في عام 2016 وليس كما تنبأ الفيلسوف والسياسي الفرنسي ،جان كونيه، الذي وقف وراء فكرة الوحدة الأوروبية، منذ الثمانينيات من القرن الماضي، بأن وحدة القارة ستخرج للوجود من حلال الأزمات.
والشواهد كما يحذر منها مركز دراسات المستقبل في لندن، تشير إلى احتمال قائم بأن الوحدة ستخرج ” من الوجود وليس للوجود” بعد أن واجه الاتحاد الأوروبي أزمات وصدمات أمنية وسياسية واقتصادية في العام 2015 وتداعياتها متواصلة بسبب طوفان المهاجرين، وديون اليونان، والعمليات الإرهابية التي يهدد بها “الإسلاميون المتطرفون” والقيود الحدودية بين عدد من الدول الأوروبية التي انتقصت من اتفاقية فضاء شينغن أحد أهم قواعد تأسيس الاتحاد الأوروبي، إلى جانب مخاطر التحركات العسكرية الروسية على الحدود الشرقية لأوروبا، في حين تصاعدت موجات سياسة شعبوية “وطنية” تناهض “السياسة القومية” للاتحاد الأوروبي.
عام الأزمات في أوروبا (2016) حسب تحليل مراكز الدراسات والأبحاث في الغرب، ومن بينها المؤسسة الأكاديمية الأوروبية للدراسات السياسية والاستراتيجية، في جامعة كوبنهاغن بالدنمارك، يمثل حصادا لنتائج عام 2015 وما سبقه من أعوام منذ 2011 والعجز الأوروبي عن إدارة الأزمات، وهو ما عبر عنه جان كلود يونكر، الدبلوماسي بالمفوضية الأوروبية في بروكسل، بأن “الأزمات التي لدينا ستظل موجودة وستأتي أزمات أخرى”.
ويضيف تقرير المؤسسة الأكاديمية الأوروبية، ما يعتبره سببا رئيسيا في الأزمات التي ستضرب أوروبا مع عام 2016 وهو أن القادة الرئيسيين في أوروبا ضعفاء سياسيا، ومشغولون بتحديات داخلية كبيرة مما يجعلهم يعجزون عن اتخاذ التدابير المطلوبة جماعيا، سواء على الصعيد الأمني أو الاقتصادي، مما يؤشر باحتمال أن ينزلق الاتحاد الأوروبي إلى “ورطة أكبر” في عام 2016 مع فشل التعاون الأوروبي على مستوى الشرطة والمخابرات.
وتتسع مساحة القلق الأوروبي من عام 2016 لتشمل توقعات أكثر تشاؤما لنتائج الاستفتاء البريطاني في شهر فبراير/ شباط المقبل بشأن عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، وفقا لما ذكره مركز دراسات المستقبل في لندن، وقد تأتي نتيجة الاستفتاء “لطمة كبيرة” ومأزقا كبيرا يضاف إلى مآزق 2016 مع أول دولة أوروبية يقرر الناخبون فيها الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، والأرجح أن الاستفتاء على خروج بريطانيا سيؤدي إلى مطالب دول أخرى بإجراء استفتاءات مثل بولندا والدنمارك، خاصة عقب المفاوضات التي جرت بين لندن وبروكسل حول شروط الانسحاب والعلاقات مستقبلا مع الاتحاد الأوروبي.
وتؤكد الدوائر السياسية في الغرب ، أن أزمة الهجرة زعزعت المشروع الأوروبي “الهش” حتى أن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين حذرت من أن العالم لم يشهد منذ الحرب العالمية الثانية نزوحا للمهاجرين إلى أوروبا كما يحدث حاليا، بحيث قد يشكلون دولة وهمية، مما يهدد الوحدة الأوروبية.
والتهديد الأكبر الذي ستواجهه أوروبا في عام 2016 وتتحسب له جيدا، هو غزوات تنظيم داعش الإرهابي لأوروبا بجوازات سفر مزورة، وحذرت صحيفة “فيلت إم تسونتاغ” الألمانية، نقلا عن مصادر استخبارية، أمس الأحد، من أن تنظيم داعش سرق عشرات الآلاف من جوازات السفر الجديدة، من مناطق يسيطر عليها في العراق وسوريا وليبيا، يمكن استخدامها لإدخال مقاتليه إلى أوروبا بين المهاجرين، والاحتمال القائم يمثل أبرز الأزمات الأمنية التي ستواجهها أوروبا في عام 2016.