نشرت مجلة ناشيونال انترست الامريكية مقالا أشارت فيه إلي خمس دروس مستفادة من التدخل الروسي في سوريا، تم إيجازها في النقاط الآتية:
الدرس الأول: المهمة اكتملت
وصلت روسيا إلى نتيجة أخيرة مفادها أن المهمة التي بدأت قبل ستة أشهر كانت محدودة وقصيرة الأمد، في الوقت الذي لم يقدم الكرملين رؤية حول كيفية التدخل في الحرب الأهلية أو تدمير تنظيم الدولة أو تعزيز قوة الرئيس الأسد.
وكما حدث مع التدخل الروسي في دونباس في أوكرانيا قبل عام تحرك بوتين بسرعة في سوريا، في وقت كان فيه الخبراء يتوقعون بثقة قرب انهيار نظام الرئيس الأسد، وأنه وصل نهاية الحبل، وستصل المعارضة قريبا إلى دمشق. وبهذه المثابة كان الوجود العسكري الروسي في سوريا من أجل «مساعدة» نظام الأسد، وهو ما تم فعله.
وبعد ستة أشهر، في مارس/آذار 2016، لا أحد يتحدث عن قرب انهيار الأسد، كما استعادت قوات الحكومة والمليشيات المتعددة الموالية لها المبادرة من جديد في ساحة المعركة، وسيطرت على عدد من القرى الرئيسية من أجل الحفاظ على المناطق الواقعة تحت سيطرتها، ومواصلة إضعاف قدرات المعارضة. وأكثر من هذا تغيرت الدينامية السياسية؛ فقد أصرت المعارضة السورية والولايات المتحدة وحلفاؤنا من دول الخليج على ضرورة رحيل الأسد، وأنه ضرورة قبل بداية التفاوض مع الحكومة حول عملية نقل السلطة.
والآن، ورغم محاولة الحفاظ على ماء الوجه، فإن العديد من المشاركين في العملية السياسية يقبلون بدرجة أو بأخرى إمكانية بقاء الأسد في السلطة. ومن خلال عمل هذا، فقد أثبت بوتين أنه موال لأصدقائه وشركائه، وأن لديه القدرة للجمع بين الأهداف السياسية والعسكرية في حملة محدودة.
الدرس الثاني: ارحل عندما تكون متقدما
ساهم التدخل العسكري في تغيير صورة الكرملين بطريقة دراماتيكية، ليس في المنطقة وحسب، ولكن في العالم. فقد أظهر أن عملية تحديث المؤسسة العسكرية والإنفاق المالي عليها وعبر السنوات الماضية، أثمر بالتأكيد ثماره.
فقد أظهر الجيش الروسي أنه قادر على شن هجوم عسكري متواصل خارج حدود الاتحاد السوفييتي السابق، وأنه يمكن لموسكو تغيير الحقائق على الأرض عبر تطبيق القوة، مهما كان موقف واشنطن أو بروكسل، الرياض أو أنقرة. فقد استعرضت روسيا في الحملة العسكرية عددا من قدراتها، وكشفت للعالم أن الولايات المتحدة ليست القوة الوحيدة في العالم القادرة على إظهار قوتها في مناطق مختلفة من العالم.
ويرى الكاتب أن موسكو حققت منافع، وأثبتت نفسها؛ ولهذا فلا داعي لتكرار التدخل، فمع مرور الوقت ستبرز مظاهر القصور والضعف في داخل المؤسسة العسكرية الروسية. وكان مثيرا للخوف عندما قامت روسيا بإطلاق صواريخ كروز من أسطولها البحري في بحر قزوين إلى سوريا. وما أثر على هذا الإنجاز أنه عانى من فشل فني.
كما استطاعت روسيا التدخل في سوريا، والحصول على ثمار الإنجاز، بدفع المعارضة السورية بثمن قليل، ودون أن يتكبد الروس خسائر كبيرة. ولو أراد الروس التقدم للمرحلة القادمة من خلال السيطرة على مناطق واسعة تسيطر عليها المعارضة أو تنظيم الدولة، فلن تكون بالسهولة ذاتها، كما فعلت في هذه المرحلة المحدودة.
ومع بداية محادثات السلام، فهذه فرصة تامة لروسيا كي تنهي العملية «بشرف» وبنجاح. وعليه فقد كان تصرفا ذكيا من روسيا أن تنهي العملية في هذه المرحلة بدلا من النكسات في المستقبل. وبصراحة تسهم في توفير المال؛ لأن استمرار العملية لمدة أطول يعني تجفيفا متزايدا للخزينة الروسية.
الدرس الثالث: تجنب المصيدة الأفغانية
عندما بدأ الروس ينشرون قواتهم في سوريا الخريف الماضي، كان رد الفعل بين داعمي المعارضة السورية هو البحث عن طرق لتحويل سوريا إلى ساحة أفغانستان جديدة للروس من خلال زيادة قدرات المقاتلين السوريين العسكرية. وحتى يكونوا قادرين على استهداف القدرات الجوية الروسية وجر الروس إلى معارك برية، أي زيادة فرص كلفة الحرب من ناحية المال والأرواح.
لكن هذه الاستراتيجية لم تنجح؛ نظرا للموقف البارد من أطراف بدأت تفكر بتداعيات الحرب بالوكالة- أي بين السعودية وروسيا. وكان إسقاط تركيا للطائرة الروسية تذكيرا بمخاطر الحرب ومنظور التصادم بين القوى العظمى في سوريا.
وعندما أصدرت تركيا الشهر الماضي عددا من التصريحات العالية، وهددت بإرسال قوات إلى داخل سوريا من أجل بناء “مناطق آمنة”، وأرسلت تلميحات أنها سترحب بالمشاركة السعودية في عملية كهذه. لم تبد الرياض أو واشنطن إلا حماسا قليلا للعملية.
ومع ذلك، لم يكن بوتين غافلا عن إمكانية طول أمد الحرب وأثره على القدرات العسكرية، وأنه قد يقود لسخط شعبي عام. وكان قادرا على مراقبة الطريقة التي تتحول فيها العمليات العسكرية إلى مهام زاحفة وطويلة كما حدث مع الولايات المتحدة- وكيف انتقلت من الإطاحة بنظام طالبان في أفغانستان؛ للتأكد من عدم امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل. وكيف تحولت إلى حرب مفتوحة، ولم تقد فقط إلى مقاومة من المجتمعات العراقية والأفغانية، ولكنها أثقلت كاهل الخزانة الأمريكية، وكلفت الأمريكيين الكثير من الجنود.
وفي حالة سوريا، فلطالما تم تثبيت النظام وتزويده بالدعم من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله، فعندها لم تعد هناك حاجة لبقاء الروس.
ويقوم الدرس الأفغاني على دعم الوكلاء المحليين والحفاظ على النظام. وهذا يشبه حالة نظام محمد نجيب الله، الذي لم ينهر أمام ضربات المجاهدين، ولكنه استمر حتى انهيار الاتحاد السوفييتي وقطع المساعدات عنه. ويبدو أن هذا هو المدخل الآن في سوريا، أي التأكد من سيطرة النظام على ما تبقى له من مناطق، والتأكد من عدم انهياره.
الدرس الرابع: التقارب مع السعودية
لا ترحب روسيا بمواجهة مع السعودية في سوريا، بل وترغب بأن تتوصل مع الرياض إلى اتفاق حول أسعار الطاقة العالمية يؤدي لاستقرارها، بحيث يتعافى السوق، ومن هنا يكون لدى الميزانية الروسية ونظام الرعاية فرصة لتجديد نفسيهما.
من هنا، فالانسحاب الروسي من سوريا هو بمثابة إشارة إلى السعوديين أنهم مستعدون للتفاوض بعد أن قاموا بإنقاذ حليفهم في دمشق، وحل قائم على شكل لا مركزي وإنشاء حكومة وحدة وطنية تستجيب للمطالب السعودية وتحمي مصالحها. فمن خلال الانسحاب بعد تأمين النظام، تخلق روسيا الظروف من أجل تسوية وتقديم تنازلات. وبانتظار اجتماع وزراء نفط الدول المنتجة للنفط في أبريل/ نيسان، فنحن ننتظر إن تم التوصل لاتفاق تجميد لإنتاج النفط مقبول للجميع. ومن هنا فتوقيت الاتفاق هو إشارة تقرب نحو الرياض.
الدرس الخامس: لا شيء بالمجان
وأخيرا، فالإعلان الروسي الذي يعتقد البعض أنه فاجأ الحكومة السورية التي سارعت بإصدار بيان قالت فيه إن الخطوة تمت بالتنسيق بين دمشق والكرملين. يمكن أن تفسر على أنها تحذير من بوتين للأسد والآخرين الطامعين بالحصول على دعم روسيا: فالدعم ليس محدودا.
فقد بدأ استعداد الأسد للتفاوض على تسوية بالتلاشي عندما بدأت النيران الروسية تغير موازين القوى على الساحة. وربما كان الكرملين يريد تذكير الأسد أن لا صك مفتوحا. ومرة أخرى، يبدو أن الروس استفادوا من التجارب السابقة لكل من إدارتي بوش وأوباما وتعاملهما مع القادة الأفغان والعراقيين الذين أرادوا الاستناد على الدعم الأمريكي حتى وفي الحالات التي لم يكونوا راغبين بالاستماع لنصائحها أو تبني خطوات ترى واشنطن أنهم بحاجة لاتخاذها. فقد قدم الروس مثالا عن استعدادهم للتدخل، ولكن الأسد عليه ألّا يرتكب أخطاء.
فمن منظور موسكو، أعطى التدخل العسكري فرصة للقتال، وفي حالة فشله الاستفادة منها، فالخطأ سيقع على رأسه لا على موسكو.
وينهي الكاتب مقالته بالقول: «في الأيام والأسابيع المقبلة سنرى المدى الذي خلفه سحب موسكو لقواتها العسكرية. وعلينا أن نلاحظ أن روسيا لديها أرصدة في سوريا لإظهار القوة البحرية والجوية وتسمح للكرملين لإعادة نشر القوات حالة تعرضت مصالح روسيا للخطر أو حالة تغيرت الظروف».