كتب ـ أحمد زكي شحاتة:
تحل اليوم، الإثنين، الثالث من ديسمبر الذكرى الخامسة لرحيل الشاعر المصري المعروف أحمد فؤاد نجم، والذي وافته المنية عن عمرٍ ناهز أربعة وثمانين عامًا قضاها، كواحدٍ من أبرز شعراء العامية في مصر وأحد ثوار الكلمة.
ارتبط اسم نجم -دومًا ودائمًا- بالمغني المعروف الشيخ إمام عيسى، منذ ارتفع لحن إمام ممزوجًا بحروف الفاجومي للتعبير عن نبض الجماهير وانطلقا يجوبان ربوع المحروسة بالعود والكلمة يحشدان الجماهير ويستثيران حماس الناس تارة، ويعبران عن سخطهم تارات، منذ تشكلت اللجنة الوطنية العليا للطلبة والعمال في عام 1946.
ككثير من المبدعين، اختار الثنائي «إمام – نجم» الانخراط في الهم الوطني، ليكونا ثنائيا مبدعا ولسانًا معبرًا عن قطاعٍ عريض من الشعب، وهو الطريق الذي حدده نجم من قبل عندما غادر العمل في معسكرات الجيش الإنجليزي منضمًا إلى الجموع الغاضبة على إلغاء المعاهدة، ثم انتقل للعمل بالسكك الحديدية، ومنها إلى هيئة البريد طوافًا ليعيد اكتشاف الواقع من خلال سعيه اليومي بالقرى والكفور، وتعرض للسجن بعد اتهامه بالسرقة، وهناك لم تشكّل أسوار الزنزانة عائقًا يفصله عن الواقع الذي يحفظه عن ظهر قلب فراح يكتب ما تمليه قريحته في كل ليلة، ليهوّن من عذابات الوحدة، ثم يحتفظ بكل ذلك داخل مظروف من الورق المقوّى أرسله تحت عنوان «صور من الحياة والسجن» إلى مسابقة الكتاب الأول التي أعلن عنها المجلس الأعلى لرعاية الآداب والفنون، ليفوز بالجائزة ويصدر ديوانه بتقدمة أعدّتها د. سهير القلماوي لتبدأ رحلةُ البحث عن هذا الشاعر الذي لم يكن يعرفه أحد، ولم يكن من الصعب تتبع خط سير البريد الذي وصلت عبره الأوراق، ليكتشف المسؤولون أنه قادم من سجن قره ميدان، وحين انتهت فترة عقوبته خرج ليجد شهرته تسبقه.
وفي غرفة متواضعة بإحدى المناطق الشعبية، شكّل مع الشيخ إمام ذلك الثنائي الشهير، وهو بين كل نجاحٍ يحققه يتذكر أيّامه الأولى
في الدلتا، حيث لم يعبأ أحدٌ قط بغلام نشأ يتيمًا، فتشبث بالأمل ليصبح ذا شأن.
فانطلق يردد:
«فيه واحد شافني/ بلبدة ولاسة في باب اللوق/ والتاني لمحني بقفصين موز على باب السوق/ والتالت شافني في كاديلاك/ راكب مع بنتين/ والرابع شافني في طنطا بابيع بلابيع ونشوق».
في الملجأ الذي أودعوه فيه صبيًا، التقى «الفاجومي» بـ«العندليب الأسمر» عبد الحليم حافظ، جمعتهما قسوة اليتم ومرارة الفقد، والرغبة في التميّز أيضًا، لكن الغريب أنهما لم يجتمعا في عملٍ فنيٍ واحد، رغم الخط الواصل بين اللحن وبين الكلمة.
ولم يكن نجم مهمومًا في شعره بالحالة المصرية فقط، بل كانت القضية الفلسطينية أيضًا واحدة من أبرز القضايا التي كتب فيها «الخط ده خطّي، والكلمة دي ليَّ، غطّي الورق غطّي، بالدمع يا عينيّ، شط الزتون شطّي، والأرض عربية، نسايمها أنفاسي، وترابها من ناسي، وإن كنت أنا ناسي، ما حتنسانيش هيّ، لاكتب على عيني، يحرم عليكي النوم، واحبس ضيا عيني، بدموعي طول اليوم، قبل الوفا بديني، زَي الصلا والصوم، ده الدين في عُرف الحر، هم ومذلة ومر، وهموم تجيب وتجُر، أحزان مخبِيَّة».
وبعد رحيله أطلق رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس جائزة سنوية في الإبداع الشعري باسم جائزة أحمد فؤاد نجم.
تضم فرعين، في الشعر والدراسات النقدية، بالإضافة إلى تبني مؤسسة ساويرس مبادرة لتحويله منزله إلى متحف.
