حافظ البرغوثي يكتب: السواد الناصع والبياض الفاحم

أثار مقتل الأمريكي فلويد على يد رجال شرطة بيض الجدل حول التمييز العنصري في بعض البلدان ضد السود وأدى الى احتجاجات ساهمت في حجب اصوات كثيرة عن الرئيس دونالد ترامب الذي كان مرشح البيض ممن يعتنقون نظرية التفوق العرقي الابيض .

وأذكر هنا انني قابلت ذات يوم في اواسط السبعينات شابا من جنوب افريقيا في روما ولما سألته عن سبب قدومه قال انه فر من النظام العنصري في بلاده بحثا  عن لجوء في الغرب فأستغربت الأمر لأن  لون بشرته ابيض فقال لست كذلك بل انا هندي الاصل ومسلم وكشف عن ذراعه وصدره فكان لونه اسمر  كالهنود. فاستفسرت منه كيف ان ما يظهر من يديه ووجهه ابيض اللون فقال    انه نتيجة   استخدام مواد كيماوية لتفتيح اللون.

تصور انك مضطر لتغيير لون بشرتك لكي تتفادى التمييز العنصري مع ما ينجم عن  ذلك من ضرر للبشرة، ويصير الانسان بلونين .فالتمييز العنصري البغيض رغم اننا في عصر متقدم ما زال موجودا لدى كثير من البشر ، وما زالت موضة تفتيح البشرة منتشرة وبكثرة  في ارجاء العالم ومنه العربي ايضا .

وتشير دراسة حديثة اجرتها جامعة كيب تاون في جنوب افريقيا  ان سيدة من كل ثلاث سيدات في جنوب افريقيا تلجأ الى تبييض بشرتها، وتختلف مبررات ذلك باختلاف الثقافات في هذا البلد،

غير أن معظم الناس يقولون انهم يستخدمون منتجات تفتيح البشرة لانهم يرغبون في  بشرة بيضاء  ، وكانت جنوب افريقيا قد حظرت استخدام منتجات تحتوي على نسبة تزيد على اثنين في المئة من مادة الهيدروكينون، المكون الاكثر فعالية خلال الثمانينيات. لكن من السهولة بمكان رصد دهانات ومستحضرات سائلة تحتوي على المادة الكيمائية في المتاجر  ، كما تحتوي بعض الدهانات على مادة ستيرويد الضارة وأخرى تحتوي على الزئبق.

وجدير بالذكر أن  مفعول مادة هيدروكينون في تبييض البشرة اكتشف  سنة 1960   من الأمريكيين السود في الولايات المتحدة الأمريكية ، فالعمال في معامل النسيج والمطاط على اتصال مباشر بمادة      هيدروكينون المستخدمة في ألوان الجينز والمضادة للأكسدة على المطاط ، وفي الدهان والزيوت ولاحظوا  تأثير هذه المادة السامة في تبييض بشرتهم. ومن هنا انطلق التبييض للبشرة ثم انتشر بين مجتمع السود  في امريكا قبل  إفريقيا  .

وقد سلطت الصحافة السويسرية الضوء في الآونة الأخيرة على قصة مجهولة للكاتب المسرحي والقاص فريدريش دورنمات (1921 – 1990 )  و القصة بعنوان  الوباء الفيروسي في جنوب أفريقيا وفيها اسقاطات على الوضع الحالي في امريكا من تمييز عنصري ومن وباء الكورونا.

تبدأ القصة عندما يستيقظ رئيس حكومة جنوب أفريقيا ذات صباح، مصاباً بالبرد والحمى،وعندما تغادر زوجته الفراش، تجد نفسها مصابة أيضاً   بالبرد . لكن أهم تغيير أصابهما هو أن بشرتهما أصبحت سوداء، وعندما جاءت الشرطة لتصطحب رئيس الوزراء إلى عمله، وجدت رجلاً أسود يدعي أنه رئيس الحكومة فألقت القبض عليه، وألقت به في زنزانة مع رجل أسود، يدعي أنه وزير العدل. راح كلاهما يصرخ في الزنزانة بأنهما بيض البشرة. يأتي شرطي أسود ويطلق سراحهما.

ونقرأ في القصة: “لقد انتشر وباء فيروسي. البيض أصبحوا سوداً. لم يعد البيض يجرؤون على الخروج من منازلهم، إذ إنهم أضحوا سوداً. في تلك الفترة   يزور جنوب أفريقيا وفد يمثل كبرى المصارف السويسرية كانت دهشة وفد المصارف عظيمة عندما استقبلهم وفد أسود، ولم تقل دهشتهم عندما ادعى كافة أعضاء هذا الوفد الجنوب أفريقي (سود البشرة) أنهم جميعاً من البيض.

فر وفد المصارف السويسرية إلى المطار، واستقل طائرة ليعود إلى زيورخ. لكن ما أن حط أعضاء الوفد أقدامهم على الأراضي السويسرية حتى اكتشفوا أنهم جميعاً سود. اتهمت شرطة الجوازات رجال البنوك بانتحال هوية مزورة، وألقوا القبض عليهم. بعد فترة استطاعوا أن يثبتوا أنهم حقاً أعضاء وفد المصارف السويسرية، فعادوا إلى وظائفهم. عندئذ أطلق الناس عليهم “زنوج زيورخ” بدلاً من التسمية السابقة وهي “أقزام زيورخ”. ويواصل دورنمات سخريته اللاذعة، ويقول: “قدمت اللجنة الحكومية استقالتها، وقرر رئيس الحكومة تطبيق نظام الفصل العنصري عبر إجراءات صارمة. من الآن فصاعداً يتوجب على كل أبيض أسود أن يثبت عبر شهادة طبية أنه أبيض. لم يكن الأطباء قادرين على الاضطلاع بهذه المهمة، أو كانوا مرتشين، أو  يساندون السود. تزايد عدد البيض السود بالملايين، لكن رئيس الوزراء لم ييأس، فأصدر مرسوماً يلزم البيض السود الظهور مع سود سود، يشهدون أن البيض السود هم حقاً بيض سود، وليسوا سوداً من أصل أسود!

لكن هذا المرسوم أدى إلى تعقيد الحياة، لا سيما عندما امتنع عدد متزايد من البيض السود من تأكيد أصلهم الأبيض عبر شهادة شخص أسود الأصل. ثم تعقدت الأمور أكثر عندما شهد المجتمع فجأة ولادة أطفال بيض. شكل رئيس الحكومة لجنة لتقصي الحقائق، وتوصلت اللجنة إلى أن الأطفال البيض هم ثمرة زواج بين رجل أسود أبيض الأصل وامرأة سوداء ذات أصل أسود، أو العكس. على الفور أصدر رئيس الوزراء أمراً بمنع هذه الزيجات المختلطة.

يحاول مجلس الوزراء الذي يتكون حصراً من سود أصولهم بيضاء “إنقاذ الفصل العنصري لآخر مرة”. و”بشجاعة اليائسين” يلقي رئيس الوزراء خطبة يقول فيها: “أيها الأفارقة الجنوبيون، نحن سود، سواء كنا سوداً من أصل أبيض أو سوداً من أصل أسود. الأسود هو لون بشرتنا. ونحن نعترف ونقر بذلك. لكن هناك خطراً جديداً يهدد نقاء الجنس الأفريقي الجنوبي، أعني البيض الذين ليسوا سود البشرة مثلنا، بل هم سود من ذوي البشرة البيضاء. وضد هؤلاء ستطبق قوانين الفصل العنصري من الآن. تحيا دولة جنوب أفريقيا السوداء”. فجرت هذه الخطبة ثورة، أدت إلى الإطاحة بالحكومة، وفرار رئيس الوزراء إلى أنغولا.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]