علي الصراف يكتب: النفاق بالنفاق على سبيل التعويض

علي الصراف

يقدم الكثير من الأوروبيين دعما لإسرائيل هو تعبير عن نفاق مركّب.

إسرائيل، ليست في وجودها الراهن سوى ثمرة كراهية اجتماعية وسياسية أوروبية ضد اليهود. تلك الكراهية ليست سرا. إنها تاريخ طويل، وثقافة عميقة. لا شيء في هذا منقطع، منذ سقوط الأندلس الى ظهور النازية. ولقد تأسس على هذا التاريخ أدب تكاد الكراهية لليهود، والغيتوية اليهودية نفسها، تشكل ركنا راسخا من أركانه، من “تاجر البندقية” لشكسبير الى “المسخ” لفرانز كافكا.

أراد الأوروبيون أن يتخلصوا من يهودهم، فكانت الفكرة العنصرية هي دافعهم الأساس لدعم المشروع الصهيوني في البحث عن وطن بديل. أرادوا أن يتخلصوا ممن كانوا ينظرون إليهم كزبالة. فدفعوهم الى الهجرة، على موجات سبقت ظهور النازية في ألمانيا بكثير.

المعنى من ذلك، هو أن النازية لم تكن إلا المظهر الأخير، والدافع الأخير. وبفضلها اندلع الوجه الأول للنفاق الغربي، الذي تجسد في بكائياتِ تعاطفٍ كاذبٍ من جراء “المحرقة”.

حاولت مجتمعات السياسة الأوروبية أن تغطي عارها العنصري الوطيد ببكائيات زائدةٍ عن الحد، ودعمٍ مفرط، وسلسلةِ تشريعاتٍ ووعود، ولسان حالها يقول: “سنوفر لكم كل ما تريدون، طالما أنكم في كيان خاص بكم، وبعيدون عنا”.

قصارى القول، هو أن دافع الدعم الغربي لإسرائيل، هو نفسه دافع عنصري في الواقع. وهو يُقدّم ليس حبا باليهود، ولكن كرها بهم.

الآن تبدو الصورةُ مفرطةً، لأنها تحولت الى قاعدة من قواعد النفاق التي لا بد من ممارستها ليكون ممكنا للسياسي أن يمارس دوره، أو يحظى بمقعد في برلمان، أو أن يتسنم وزارة في حكومة.

البعض طبعا، غرق في التمثيلية الى درجة أنه لم يعد يعرف ما إذا كان واقفا على خشبة مسرح أم أنه يؤدي دورا طبيعيا. وعندما بدأت اللوبيّات تتشكل، فقد انطوت مؤسسة التنافق على قواعد صارمة للمراقبة والتأديب ضد كل من يخرج عن الخط. ولا حتى بكلمة قد تفلت سهوا.

لماذا؟ لأن السهو يحيل الى ثقافة الماضي، فينكأ جراحه ويجددُ انطباعاتٍ حول ما كان يتوجب نسيانه، بل نكران وجوده أصلا.

الوجه الآخر للنفاق نشأ بعد أن رأى الأوروبيون حجم الجرائم التي ظل يرتكبها المستوطنون ضد الفلسطينيين. وكلما أوغلت دولة إسرائيل في الخوض بدماء الأبرياء، كان الأوروبيون يتذرعون بأي ذريعة لكي يستأنفوا البكائيات الموالية للجلاد.

قد تؤدي النزعات العنصرية الإسرائيلية الى قتل الكثير من الأبرياء، ولكن أوروبا تظل تنتظر، وتتوسل حيطان التضرع، من أجل أن يقوم واحد من هؤلاء الضحايا فيلقي حجرا على جندي إسرائيلي أو مستوطن، فيصبح هذا الحجر هو الأثقل في ميزان النفاق، ويصبح التنديدُ بالحجر سابقاً على أي مذبحة يرتكبها الإسرائيلي. وردعَ الحجر، قبل ردع الصواريخ الإسرائيلية، هو المطلب الأهم والأول لدعوات “ضبط النفس”. وحالما يلملمُ العنفُ أوزاره، سرعان ما يتعادل الجلاد الذي قتل ألفا، بالضحية الذي قتل عشرين.

الأوروبيون الذين يرفعون أعلام إسرائيل على بعض مؤسساتهم، ليسوا عميانا الى تلك الدرجة بحيث لا يرون أن إسرائيل تمارس مجزرة في غزة. ولا أن مشاعرهم الإنسانية انحطت الى درجة أنها أصبحت مغطاةً بجلود حمير، بحيث لا يرون أن ضحايا الاحتلال من الفلسطينيين يخسرون أرضهم أو يجري تهجيرهم من منازلهم بذرائع هزيلة. هم يرون. وقرأوا ما تقوله الأعراف والقوانين الدولية، ويعرفون جيدا أن إسرائيل ومستوطنيها يبالغون في أعمال القمع والتنكيل والتعدي على الحرمات والقيم الإنسانية، وأنهم يمارسون أعمالا ذات طبيعة عنصرية مكشوفة. ولكنهم لن يكفوا عن التظاهر بدعم إسرائيل وإلقاء اللوم على الضحايا. حتى لتكاد رغبتهم تقول إن الضحايا عندما يتم ذبحهم، فليس من المقبول منهم أن يصرخوا أو أن يتمردوا على السكين أو أن يبصقوا بوجه الجلاد. ذلك إرهاب. والحجر سرعان ما يتحول الى شيء مساوٍ للصواريخ، مما يستوجب الكف عنه و”ضبط النفس”.

الإسرائيليون أنفسهم يعرفون آليات النفاق الغربي. وهم يبالغون في أعمالهم الوحشية ليس لأنهم محميون بما لديهم من قوة عسكرية أو نفوذ سياسي أو لوبيّات، بل لأنهم يعرفون أن موازين النفاق هي التي تُرخّص لهم مساواة الحجر بالصاروخ. حتى أصبح جرح جندي إسرائيلي يثير من “الآلام” و”مشاعر” التعاطف والتضامن أكثر مما تثيره جثث ألف طفل فلسطيني.

بل أنهم حتى عندما يحاولون الظهور بمظهر القادر على أن يرى بعض ما يحصل على الضفة الأخرى، على سبيل التورية، فإنهم لا يجدون مفرا من تغليف ما يرون بكل الاستدراكات الممكنة لكي لا يخرج التصريح عن الخط المألوف، لتغليب التفهم لدوافع الجلاد، والاستهانة بما تدفعه الضحية من ثمن.

يحصل هذا اليوم، كما ظل يحصل دائما، ولسوف يظل يحصل على طول الخط. ولكن ليس لأن الغربيين عميان، وليس لأن مشاعرهم ترتدي جلود الحمير، بل لأن النفاق يريد أن يؤسس تاريخا مضادا وثقافة مضادة، على سبيل التعويض عن ماضٍ بغيض. فاختار أن يُركّب عليه، بغيضا أبشع.

سوى أن النفاق الذي أطلق اليد للجريمة يشعر بالإحراج أحيانا، لكي لا ينفضح أمره كدجل زائد عن الحد. وحسنا يفعل الفلسطينيون لو أنهم تجاهلوه، وسخروا منه، وكشفوا عاره، القديم والجديد، وقالوا للأعمى إنه بصير وإن جلود الحمير ليست بالضرورة من دون شعور.

 

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]