ماجد كيالي يكتب: عن الفلسطينيين بعيدا عن السياسة

ماجد كيالي

لم تكن حادثة غرق ثلاثة شبان فلسطينيين (من قطاع غزة) في البحر، في طريق رحلتهم إلى الخارج (بين تركيا واليونان)، أو اندلاع اشتباك مسلح بين عشيرتين في الخليل، أو حوادث قتل نساء، وقبلها تحدي السلطة من قبل مجالس عشائر لرفضها اتفاقية سيداو (الخاص بالأحوال المدنية)، قبل عامين، فريدة من نوعها، فهكذا حوادث مؤلمة تكررت، وإن تعددت أشكالها، أو اختلفت طبيعتها، وكلها نتاج حال البؤس والضياع وانعدام الأمل الذي بات يعيش فيه الفلسطينيون عموما وفي قطاع غزة على وجه الخصوص (مع حالة الفلسطينيين السوريين طبعا).

وفي الواقع فقد أضحت أحوال الفلسطينيين في كافة أماكن وجودهم، في غزة والضفة والقدس و48 وبلدان اللجوء والشتات، تبعث على القلق، وتثير المخاوف. أما مصادر ذلك القلق، أو تلك المخاوف، فتنبع من مصادر عديدة، أهمها:

أولا، وجود إسرائيل وهيمنتها على المجال الفلسطيني، وتهديدها أية تطورات إيجابية تحصل لهم، سيما تلك التي تنمي قدرتهم على تحصيل حقوقهم.

ثانيا، حال التمييز والحرمان والتهميش التي يتعرّض لها الفلسطينيون في الداخل والخارج، في بلدان اللجوء.

ثالثا، واقع التكلس والاهتراء والتقادم السائد في كياناتهم السياسية، المتمثّلة بمنظمة التحرير والسلطة والفصائل، مع ضياع مشروعهم للتحرّر الوطني؛ في عبثية المفاوضات وشبهات الفساد والتنازع على السلطة.

بيد أن الفلسطينيين هؤلاء ليسوا بمثابة كائنات سياسية فقط، أو مجرّد قضية أمنية فحسب، أو حالة ديمغرافية فائضة كما قد يرى البعض، فهم بشر من لحم ودم وأعصاب، يحتاجون ما يحتاج غيرهم، ويكابدون ما تكابده المجتمعات التي يعيشون بين ظهرانيها؛ وإن كان ثمة فائض معاناة لديهم بسبب ظروفهم.

هكذا يكابد الفلسطينيون، مثل غيرهم، من ارتفاع نسبة الفقر والبطالة وندرة فرص العمل، ومن سوء ظروف السكن، ومن التهميش وانعدام المساواة، لكنهم فوق ذلك يعانون، أيضاً، من إجراءات إسرائيل العنصرية والاحتلالية والقمعية (في الداخل)، في حين أنهم في الخارج، في عديد من بلدان اللجوء، يعانون من إجراءات التمييز والتهميش والإقصاء على اختلاف مستوياتها. وكما هو واضح فإن الفلسطينيين محرومون من الكيانية السياسية، ومكانتهم القانونية أينما كانوا غاية في الهشاشة، أما هويتهم الوطنية فهي عرضة للتهميش أو التفكيك أو الامحاء، وهذه ليست تفصيلات فائضة عن الحاجة لمجموعة بشرية تقدّر بعشرة ملايين نسمة، بات لها على هذه الحال أزيد من ستة عقود.

معضلة الفلسطينيين أنه ليس ثمة جهة كيانيّة محدّدة معنيّة بحلّ المشكلات أو الظواهر الاجتماعية السلبية التي يعانون منها، فالدول التي يعيشون فيها لا تجد نفسها معنيّة بحل مشكلاتهم أو تسهيل أوضاعهم، والسلطة الفلسطينية، في الضفة والقطاع، بدورها لا تتمتّع بمكانة قانونية تتيح لها ذلك، لاسيما مع تهميش منظمة التحرير، بخاصة مع عجز تلك السلطة عن حل مشكلات المجتمع الفلسطيني، الاقتصادية والاجتماعية والخدمية، الذي يفترض أنها بمثابة سلطة له في الضفة والقطاع.

هذا ينطبق، مثلا، على قضية وثائق السفر التي يحملها اللاجئون الفلسطينيون، فالدول التي تصدر هذه الوثائق لاتجد نفسها معنيّة بتعزيز مكانة هذه الوثيقة لدى البلدان التي لاتوليها الاعتراف اللائق بها، أما القيادات الفلسطينية فهي لاتبالي البتّة بهذا الأمر. المفارقة أن هذا يحصل في الدول العربية تحديدا، في حين أن الأمر بالنسبة للدول الأجنبية يبدو أسهل. فضلاً عن ذلك ثمة مجموعات كبيرة من الفلسطينيين في الأردن وسورية ولبنان لاتحمل أية وثيقة سفر، بحيث بات يمكن احتسابها ضمن فئة “البدون”!.. هؤلاء يعيشون وكأنهم غير موجودين، وهم محرومون من الحقوق الأساسية، ومن العيش كآدميين، ففي حالات كثيرة، ثمة من هؤلاء من لا يستطيع تسجيل أولاده في المدارس ولا إجراء معاملات الزواج ولا السفر ولا التملّك ولا العمل! وفي وضع كهذا ما الذي يمكن توقّعه من هؤلاء؟

ليس التعاطي مع هذه الظاهرة معجّزة فهي لا تحتاج إلا إلى سعة أفق، وبعض معايير إنسانية لدى الدول المعنية لمنح هؤلاء وثيقة سفر، كما تحتاج من القيادات الفلسطينية إلى بعض مسؤولية وطنية وأخلاقية في التعاطي مع مشكلات شعبها، فما الذي يمنع السلطة من منح أفراد هذه المجموعات وثائق سفر فلسطينية؟

الأنكى أن هذه المشكلة باتت تشمل الفلسطينيين في الضفة والقطاع، فبالنظر للتناحر بين سلطتي الضفة وغزة باتت مسألة منح جوازات السفر، والسماح بالخروج والدخول، تستخدم في المنازعات بين طرفي السلطة (فتح وحماس)، لكأن الفلسطينيين لايكفيهم ما يعانوه من حصار إسرائيل وجدرانها وحواجزها، أو من قيود على تنقلاتهم وعلى دخولهم وخروجهم إلى هذا البلد العربي أو ذاك!

أيضا، بات ثمة في المجتمع الفلسطيني ظواهر أخرى سلبية وخطيرة ضمنها شيوع سلوكيات الفوضى والعنف والتطرّف والحطّ من مكانة المرأة، إذ مازالت الأراضي المحتلة تشهد عديدا من تلك الحوادث التي تهزّ الرأي العام، من دون أن تجد أي صدى مناسب للتصدي لها.

على ذلك فإن الاحتلال والعنف والحرمان، والتهميش، والضياع، وغياب المرجعية الوطنية الجامعة، يفضي إلى ظواهر خطيرة، وضمنها تخريب المجتمع وتفكيكه، وتخريب نفسية الأفراد، لذا يجدر الانتباه إليها جيدا، فالسياسة ليست مجرد فعل ينطوي فقط على اجتماعات ومهرجانات ومؤتمرات ومفاوضات، السياسة هي أيضا علم إدارة المجتمعات، وعلم تنمية الموارد البشرية، ومن دون ذلك تصبح الثورات والانتفاضات مجرد ماكنة لتقديم التضحيات من دون عوائد تتناسب معها.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]