ماجد كيالي يكتب: عن ضرورة مراجعة البديهيات أو المسلمات المفوتة والزائفة

ماجد كيالي

ثمة كثير من البديهيات، أو المسلمات، التي شكلت ادراكاتنا، بطريقة آلية، وعفوية، منذ عقود، دون اخضاعها للفحص والتفكيك والنقد، ضمنها، مثلا، فكرة الصراع على الوجود مع إسرائيل، وتبعا لها مقولة، أو شعار، “نكون أو لا نكون”.

وفي الواقع، وبعيدا عن الدوغمائية، والإطلاقية، ففي هكذا شعارات أو مقولات، نوع من التسليم بأننا ننتمي إلى أمة مهددة في وجودها، ونوع من الشعور بالعجز المبطن إزاء القوى التي تستهدف تلك الأمة.

في فحص تلك المقولة التي تطرح في ميدان الصراع ضد إسرائيل، نجد أننا إزاء دولة صغيرة من حيث الحجم وعدد السكان والموارد، فضلا عن انها دولة مصطنعة، وغريبة عن المنطقة، وليس لها تاريخ فيها، ويتألف سكانها، المستوطنين، من مهاجرين أتوا من عشرات البلدان، سيما أن مواطني تلك الدولة من اليهود الإسرائيليين يسكنهم هاجس الخطر الوجودي نسبة لوجودهم في منطقة عربية، مع لغة واحدة وتاريخ واحد وآمال واحدة.

وفي الحقيقة فإن الخطابات السياسية التي صدرتها الأنظمة الحاكمة، طوال العقود السبعة الماضية، لتغطية عجزها إزاء إسرائيل، وأيضا لتغطية تحكمها في مجتمعاتها، ومصادرتها حريات وموارد مواطنيها، بدعوى الأمن القومي، هي المسؤولة عن تصدير تلك الشعارات أو البديهيات.

أيضا، يمكن ملاحظة عديد من المشكلات في تلك المقولات الرائجة، أولها، أنها تغفل الحاضر، بكل مشكلاته، وتذهب مباشرة إلى المستقبل، أي تصادر على المستقبل، بدعوى أن ليس بالإمكان أفضل مما كان وهو الحفاظ على الواقع القائم.

وثانيها، أنها تعتقد أن مشكلات العالم العربي تنبع من المشكلات والتحديات الخارجية، في محاولة لتجاهل أو لطمس المشكلات الداخلية.

وثالثها، أنها تتعاطى بصيغة الـ”نحن”، أي بلغة جمعية، باعتبار أن مجتمعاتنا بمثابة كتلة واحدة، صلبة وناجزة ونهائية، وهو ما ثبت عدم صحته، بدليل احوالنا اليوم، بواقع أن عوامل التفكك في مجتمعاتنا، وغياب الدولة، أي دولة المؤسسات والقانون والمواطنين، وهي الجهاز المعني بتوليد المجتمعات الحية والحديثة، اي مجتمعات المواطنين الفاعلين، الذين يعون ذاتهم.

والفكرة هنا أن هذا النمط من التفكير الساذج والقاصر يؤدي الى اضعاف مجتمعات المنطقة وتفكيكها، ويدفع بعض مكوناتها لإيجاد بدائل للدفاع عن ذاتها من خارج الحدود، على نحو ما يحصل مع الأسف.

مقولة ثانية، أيضا، تنطلق من مسلمة الوحدة العربية، أو إننا أمة عربية واحدة، وهو شعار لا يميز بين القومية كعصبية سياسية، وإثنية، وبين العربية كثقافة، أو كحاضن لثقافة المجتمعات التي تعيش في البلدان العربية، ناهيك أن رابطة الدم، أو اللغة، ليست دلالة على وحدة الأمة، التي لم تثبت وحدتها، لا على مستوى كل العالم العربي، ولا على مستوى كل بلد في هذا العالم العربي.

وفي العموم فإن تلك المقولة لم تراعي واقع أن البلدان العربية، وخذ المشرق العربي مثلا، إضافة للسودان والمغرب، يتألف من جماعات أثنية ودينية ومذهبية مختلفة، والأهم من ذلك أن الدولة في تلك البلدان لم تشتغل وفقا لدساتير تتأسس على مكانة المواطن، الفرد، الحر، المتساوي مع غيره، والمستقل عن الانتماءات القبلية، بل إن الدولة، أو السلطة (وهذا أصح)، عملت على تأبيد التقسيمات العمودية في المجتمعات، وحالت دون قيام المكانة الحقوقية والسياسية للمواطن، بل انها لعبت على، أو أبدت، الانتماءات الأثنية والدينية والمذهبية (الطائفية)، كما رعت او نمت الانتماءات العشائرية والمناطقية، بحيث بات لدينا جماعات أثنية أو طائفية، تجد مصلحتها في الارتباط بدول من الإقليم (إيران وتركيا مثلا)، ما يموضعها خارج إطار أي مشروع وطني في مجتمعها، وهو ما تفعله جماعة الحوثي في اليمن والميليشيات الشيعية في العراق و”حزب الله” في لبنان والجماعات الإسلامية المسلحة والمتطرفة في سوريا.

هكذا اكتشفنا في السنوات الماضية، وبسبب الايديولوجيات السلطوية، ملكية وجمهورية، قومية ودينية، مذهبية ومناطقية، أن مجتمعاتنا مفكّكة، وهوياتنا ملتبسة، وأن اجماعاتنا، وادراكاتنا لذاتنا، متوهّمة، أكثر مما نعتقد.

فقد عرفنا، بشكل متأخّر، وبثمن باهظ، أننا لسنا مجرد عربا، أو مسلمين، إذ هؤلاء يتوزعون كسنّة وشيعة ودروز وعلويين واسماعيليين وسلفيين وصوفيين وجهاديين ومعتدلين ومتطرفين. وثمة عرب مسيحيون، أرثوذوكس وكاثوليك وبروتستانت.

فوق ذلك ثمة الكرد والنوبيون والأقباط والأمازيغ والتركمان والشركس. وإلى جانب الهويات القومية والاثنية ثمة هويات، او انتماءات وعصبيات ايديولوجية، لا تقلّ في أهميتها عن سابقتيها، لا بل إنها أضحت بمثابة “أديان” أرضية.

والحال، فمن الضروري ملاحظة أن الصراع يجري على شكل الوجود، وليس على الوجود ذاته، خصوصا إذا كان الحديث يدور عن مجتمعات ممتدة في عمق التاريخ، وتمثل كتلا اجتماعية كبيرة، ومتجانسة، إذ العالم العربي يتألف من كتلة بشرية هي الثالثة في العالم بعد الصين والهند، مع ثروات باطنية هائلة، لذا فإن الأنظمة، أو الدولة، تلعب دورا كبيرا في ذلك، من الناحيتين السلبية أو الإيجابية، وبما إنها حتى الآن لعبت دورا سلبيا، ومعوّقا، لذا يستلزم الانتقال إلى دولة المؤسسات والقانون والمواطنين، والفصل بين السلطات، والتداول على السلطة، للتحول نحو الدور الإيجابي.

وباختصار، فما يلزمنا هو أن تنتقل مجتمعاتنا من وعيها ذاتها في ذاتها، إلى وعيها ذاتها، لذاتها، أي لمصالحها، وأن تتمكن من إدارة واستثمار مواردها البشرية والمادية على نحو صحيح، بما يمكنها من التصالح، والتكيف، مع الواقع والعصر والعالم، وليس فقط استمراء العيش على التاريخ، أو على أمجاد الماضي، وذلك بالانتقال من الصراع في التاريخ، أي في الماضي، إلى الصراع على التاريخ، أي على الحاضر والمستقبل، وهكذا نكون، أو ما يجب أن نكون.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]