رغم المعارضة العربية والدولية، لإستفتاء إقليم كردستان، بعد غد 25 سبتمبر/ أيلول، ورغم أن الاستفتاء غير ملزم لمستقبل إقليم «محاصر» من دول الرفض ( إيران وتركيا وسوريا ويغداد)، إلا أنه يعد «قنبلة موقوتة» تهدد وحدة الأراضي العراقية، وتهدد الأمن القومي لدول إقليم الشرق الأوسط.
يعتبر الاستفتاء قنبلة موقوتة صنعتها إسرائيل بقلب العراق، فمن مصلحة إسرائيل أن يتفاقم الوضع في العراق، وبطبيعة الاستفتاء أن يحوّل العراق إلى حال أسوء بكثير من الآن. وبعد أن دفع رئيس إقليم كردستان، مسعود بارزاني، قرار الاستفتاء على انفصال الإقليم، إلى نقطة «اللاعودة» قاطعاً بذلك طريق مفاوضات متوقعة لوفد كردي في بغداد اليوم السبت، ومتحدياً قراراً لافتاً لمجلس الأمن الدولي برفض الاستفتاء.
وليس غريبا أن تكون «إسرائيل» الدولة الوحيدة الداعمة لإنفصال إقليم كردستان، وتحقيق حلم الأكراد، باسترداد جمهورية «مهاباد» التي تأسست في إقليم كردستان الإيراني سنة 1947. ولكنها لم تعمر أكثر من سنة واحدة.. ويؤكد أحد مساعدي برزاني، للمحلل السياسيي اللبناني، سليم نصار، أن حلم الاستقلال ظهر أول مرة لمسعود برزاني سنة 1991 وكان ذلك إثر إعلان القرار الدولي رقم 688 الصادر في شهر إبريل/ نيسان من تلك السنة. وأطلق المجتمع الدولي على منطقة شمال العراق اسم «المنطقة الآمنة»، لأن طائرات صدام حسين كانت ممنوعة من التحليق فوقها، إضافة الى تحجيم السيادة المطلقة للدولة العراقية في ذلك الإقليم. في ظل هذا الواقع، تطورت فكرة الاستقلال والسيادة .. ويتمسك برزاني بالقول « أنا ولدت في 16 آب (أغسطس) سنة 1946 تحت العلم الكردستاني. وكان ذلك اليوم الذي تأسس فيه «الحزب الديموقراطي الكردستاني». وأعني بالعلم الكردستاني،علم جمهورية «مهاباد». وظل والدي مصطفى يحتفظ بهذا العلم، ثم تسلمته منه كأمانة ثمينة. ولي ملء الأمل بأن يرتفع هذا العلم فوق كل مؤسسة وكل منزل في كردستان» !!
يراهن «مسعود برزاني» على دعم إسرائيل، وتأثيرها النافذ داخل الولايات المتحدة الأمريكية .. وهو بذلك يستعيد علاقات بدأت منذ ثلاثينيات القرن الماضي، ولا تزال مستمرة إلى يومنا هذا.. ويمكن تقسيم علاقة إسرائيل بالقيادة الكردية إلى مراحل أربع: 1ـــــ التأسيس (1931 ـــــ 1965) وكان بطلب كردي وجد فيه الإسرائيليون مصلحة، أقلّها تأمين هجرة اليهود العراقيين، اكما أن لاستجابة الإسرائيلية كانت جزءاً من تطبيق «استراتيجية الأطراف»، التي تفترض ضرورة إقامة علاقات وتحالفات مع الدول والقوميات الطرفية غير العربية.
2ـــــ تدفّق الدعم (1965 ـــــ 1975)، أي فترة انطلاق المعارضة الكردية ضد الحكومة العراقية. وقتها، كانت الغاية الإسرائيلية تتلخص في الضغط على حكومة بغداد وإشغالها عن الصراع العربي الإسرائيلي، فضلاً عن مساعدة إيران الشاهنشاهية التي كانت لها مصلحة في إضعاف العراق.
3 ـــــ العودة (1991 ـــــ 1999) أي بعد حرب الخليج الثانية، بهدف إقامة كيان كردي مستقل يمثّل قاعدة متقدمة في وجه إيران الإسلامية، وبغداد الصدامية لمنعها من توجيه ضربة لإسرائيل.
4 ـــــ وقائع (2003 ) والغاية إقامة دولة كردية مستقلة تسيطر على نفط كردستان ومعها كركوك، بما يؤمّن للدولة العبرية حاجتها من النفط ، فضلاً عن الحفاظ على «حياد» العراق وإبقائه ضعيفاً مجزّأً خارج معادلة القوة العربية.
رفض الاستفتاء لا يقتصر على حكومة العراق، وعلى حكومات الإقليم والقوى العالمية المؤثرة فحسب، فالقوى السياسية الكردية نفسها تتنازعها المصالح والأهواء والتأثيرات الإقليمية، ورغم أن الطرفين الحزبيين الكبيرين، حزب الاتحاد الوطني الكردستاني (18 مقعدا في البرلمان العراقي)، وحركة التغيير (24 مقعداً)، توافقا، على مضض، مع الحزب الديمقراطي الكردستاني (38 مقعداً) على قبول إجراء الاستفتاء، فإن حزب العمال الكردستاني التركي، الذي يسيطر على سنجار وجبال قنديل في العراق، رفض، عبر أداته السياسية العراقية «حركة المجتمع الكردستاني» الاستفتاء، بل وقال إنه لن يسمح بإجرائه في المناطق الخاضعة لسيطرته في شمال العراق.
ووفق معلومات مقرّبين من الحكومة العراقية، فإن عاملين سيؤثران في تعاطي بغداد مع الاستفتاء في حال تمّ في موعده، الأول يتناول اشتراك المناطق المتنازع عليها في الاستفتاء.. والثاني طبيعة المطالب الكردية ما بعد إعلان النتيجة.. ويبدو موقف بغداد التي تتلقى دعماً دولياً وإقليمياً كبيراً، أكثر قوة من أي مرحلة سابقة، خصوصاً بعد تأكيد وزارة الخارجية الأمريكية عدم رعايتها مفاوضات مع اربيل بعد الاستفتاء، ما قد يدفع الحكومة العراقية الى رفض إجراء مثل هذه المفاوضات وإبقاء الوضع معلقاً بانتظار تغيير سياسي قد تفرضه انتخابات متوقعة في إقليم كردستان في شهر اكتوبر/ تشرين الأول المقبل، وانتخابات أخرى على مستوى العراق في إبريل / نيسان 2018.
ويرى المحلل السياسي اللبناني، سليم نصار، أن مسعى «برزاني» يشبه لعبة الروليت الروسية. ففي المسدس طلقة واحدة. وعليه أن يجرب حظه بطلقة فارغة أم بطلقة قاتلة؟ وفي بغداد وطهران وتركيا وسورية ينتظرون يوم الضغط على الزناد!
