سندات مصر الدولية دليل تعافي أم عبء اقتصادي جديد؟
في إطار اتجاه مصر لزيادة احتياطي النقد الأجنبي وافقت الحكومة المصرية على إصدار سندات دولية بقيمة تتراوح ما بين 3 و5 مليارات دولار، وهو ما مهد لحالة من الجدل بين خبراء الاقتصاد فبينما رأى البعض أنه دليل على تعافي الاقتصاد القومي، عده آخرون إسهاما في تفاقم الدين الخارجي.
وتعد السندات هى إحدى الوثائق المالية التي تصدرها الحكومة للاقتراض والحصول على العملة الأجنبية، وتحمل هذه الوثائق قيمة بمبلغ محدد مستحق السداد في أجل محدد وبسعر فائدة معينة.
فبينما تعد البنوك المحلية مثل «بنك مصر» و«البنك الأهلي المصري» ضمن المشترين الرئيسيين للسندات الحكومية المحلية، فإن طرح سندات مصرية في السوق الدولية يعني فتح المجال للاقتراض من مؤسسات مالية أجنبية.
وحول أسباب ومزايا لجوء مصر للسندات الدولية، صرحت الدكتورة يمن الحماقي أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس، لموقع الغد، بأن «تسعى الحكومة المصرية من خلال طرح تلك السندات الدولية إلى العودة للسوق العالمية والحصول علي شهادة بتعافي الاقتصاد القومي من المؤسسات الدولية عبر طروحاتها من تلك السندات، وهو ما سيعمل على تعزيز موقفها الاقتصادي والمالي، حيث يعد نجاح مصر في القيام بتلك الخطوة بمثابة تأكيد على قدرتها على توفير احتياجاتها التمويلية من خلال أسواق المال الدولية بأسعار مناسبة».
وتوقعت الحماقي، أن «يسهم طرح السندات الدولية في حل أزمة تدبير العملات الدولارية التي تواجها مصر في الوقت الراهن، وأن يعمل على تضييق حجم الفجوة التمويلية بالموازنة لـ319.5 مليار دولار خلال العام المالي الجاري».
وأضافت الحماقي، «هذه ليست أول مرة تلجأ مصر إلى طرح سندات دولية، فقد سبق وأن باعت مصر سندات بقيمة 1.5 مليار دولار في يونيو 2015، لمدة 10 سنوات بعد توقفها عن الطرح منذ 2010»، لافتة إلى أن «هذه السندات تعد أقصر الطرق لتوفير العملة الصعبة بدون انتظار وضع خطة اصلاحية طويلة المدي».
وجاء هذا القرار مدفوعا باحتياج الدولة لتدبير العملة الأمريكية، ففي دلالة على أزمة النقد الأجنبي التى تعانى منها مصر في الوقت الحالي، سجلت صافي الأصول الأجنبية بالقطاع المصرفي ككل قيمة سالبة لأول مرة منذ عام 2000 أى خلال فترة تصل إلى 15 عاما، وأظهر تقرير إحصائي للبنك المركزى صدر منذ أشهر أن صافي الأصول الأجنبية للقطاع المصرفي سجل عجزا قدره 9.935 مليار جنيه أى ما يعادل 1.268 مليار دولار خلال شهر نوفمبر الماضي.
ويعبر صافى الأصول الأجنبية بالجهاز المصرفى ككل عن الأصول المستحقة للقطاع على غير المقيمين، مطروحًا منها التزاماته تجاه غير المقيمين، ليمثل التغير فى هذا البند صافى معاملات الجهاز المصرفى بما فيه البنك المركزى مع العالم الخارجى.
وقد بلغ احتياطى النقد الأجنبى لدى البنك المركزى 17 مليارًا و546 مليون دولار فى يونيو، مقابل 17 مليارا و521 مليار دولار فى مايو الماضى، بارتفاع قدره 25 مليون دولار، وهو ما يفسره محللون بارتفاع قيمة الذهب، فضلًا عن دخول موارد تحت بند التزامات على البنك المركزى قد تتمثل فى قروض أو ودائع.
من ناحية أخرى، ترى الدكتورة بسنت فهمي، الخبيرة المصرفية وعضو مجلس النواب، بحسب تصريحات خاصة لـ«الغد»، أن «لجوء مصر لطرح سندات دولية سيكون له نتائج سلبية، خاصة فيما يتعلق بتفاقم الدين الخارجي للبلاد الذي سجل 53.4 مليار دولار بنهاية مايو الماضي، فضلا عن ما تعاني منه سوق السندات الدولارية عالميا من الكساد والتراجع».
وأضافت فهمي، «من أهم المخاطر التي قد تترتب عن طرح تلك السندات الدولية هو تحمل سعر الفائدة المقرر عليها، لاسيما أن الحكومة تضطر إلى طرحها بسعر فائدة مرتفع ما يؤدي لتفاقم الدين العام الخارجي».
وطالبت فهمي بالعمل على استغلال الموارد البشرية والطبيعية المتاحة في الدولة حاليا وتحديدا أصول القطاع العام ودمجها في مشروعات شراكة مع القطاع الخاص، ودعم الصادرات والحد من الاستيراد، والبدء في تطبيق برنامج الاصلاح الاقتصادي الهيكلي وفقا لخطة واضحة المعالم، بدلا من اللجوء للاقتراض من السوق الدولي وتحميل الاجيال المقبلة لأعباء جديدة».
يذكر أن أحمد كوجك، نائب وزير المالية المصري للسياسات المالية، أعلن في مؤتمر صحفي يوم الخميس الماضي، أن مجلس الوزراء وافق على إصدار سندات تتراوح قيمتها بين 3 مليارات و5 مليارات دولار.
ومن المتوقع أن يصل سعر الفائدة على السندات المقرر طرحها إلى 7.5 %.
وصرح كوجك «نستهدف إصدار سندات بقيمة 3 مليارات دولار فقط، قد نصل إلى خمسة مليارات إذا وجدنا السيولة مناسبة في الأسواق العالمية والأجواء مواتية».
وكان وزير المالية المصري عمرو الجارحي كشف في يونيو الماضي أنه يدرس إصدار سندات دولية بقيمة ثلاثة مليارات دولار بين سبتمبر وأكتوبر من العام الجاري.
وقال كوجك إن باب تلقي عروض البنوك والمؤسسات الدولية لترتيب إصدار السندات سيظل مفتوحا حتى نهاية الأسبوع المقبل.
وكانت الحكومة نشرت يوم الأربعاء الماضي إعلانًا بصحيفة فايننشيال تايمز تطلب فيه تقديم عروض لتولي إدارة الطرح المزمع.
وأرجأت مصر لعدة مرات العودة إلى أسواق الدين الدولية بعد بيع أول سندات دولية لها في خمسة أعوام في يونيو 2015، عازية تأجيل العودة إلى الاضطرابات العالمية الناجمة عن التباطؤ الاقتصادي في الصين والذي تسبب في نضوب السيولة المتاحة لديون الأسواق الناشئة.
كما تجري مصر محادثات مع صندوق النقد الدولي حول برنامج قروض قيمتها 12 مليار دولار وتعكف على تطبيق ضريبة القيمة المضافة منذ سنوات.
