إسكندر حبش: حكاية أمين معلوف.. تختصرها «خيانة مثقف»

لا يزال الجدل قائمًا داخل الوسط الثقافي والإعلامي، حول ظهور الأديب والمفكر، ونجم الأدب الفرنكوفوني في الأكاديمية الفرنسية، أمين معلوف، قبل يومين، على إحدى شاشات التلفزيونات الإسرائيلية الخاصة، عبر الأقمار الاصطناعية من فرنسا، ويرى الكاتب الصحفي اللبناني، إسكندر حبش، إذا كان معلوف في كتابه الأول، حاول أن يعيد تصويب بعض مسارات التاريخ، أو على الأقل أن يقدم  وجهة نظر مختلفة عن هذا التاريخ، فإن ظهوره على شاشة إسرائيلية، لا يفعل شيئا سوى هدم تاريخ بأسره، بل هدم ذاكرة وتشويهها إلى أقصى حد.

ويتساءل الكاتب : هل هي خيانة المثقفين؟ لا أعتقد أن المفاجأة تكمن في ظهور أمين معلوف على تلك المحطة، بل المفاجأة أن لا نكون قد قرأنا كتبه فعلا. لنعد مثلا إلى رواية «سلالم الشرق» التي نشرها في منتصف تسعينيات القرن الماضي، ألم يجعل من بطلة روايته هذه شخصية «إسرائيلية» تأتي إلى فلسطين، بعد قرار التقسيم، لتسكن   مدينة حيفا؟ صحيح أن بطلته هذه ليست من «اللواتي يعشقن الذبح» (كما يكتب) بل وتحلم «بإقامة مدينة مشتركة بين العرب واليهود»، بيد أن السؤال: كيف يمكن لهذا التعايش أن يتحول واقعا حين تعتبر حيفا «مدينتها»؟

 

نص المقال :

في كتابه «رحلة بالداسار» الذي يُعتبر «الرواية» الثامنة له، يكتب أمين معلوف عن لسان بطله، بالداسار أمبرياكو، الذي يعمل تاجر كتب نادرة، الآتي: «لقد قرأت بعض الكتب فقط للتقليل من جهلي». جملة يجب التوقف عندها حقا، لنسأل عمّا إذا كان عمل بها فعلا «نجم» الأدب الفرنكوفوني و «الخالد» في الأكاديمية الفرنسية وحائز «غونكور» إلى غيرها من الصفات التي لا تفعل شيئا سوى ممارسة نوع من «الإرهاب» على القارئ. أقصد كيف يمكن، وفق هذه التصنيفات، أن تقرأ بعد أمين معلوف وأن تقول مثلا إن أدبه لا يعجبك، وأن فكرتك عن الأدب والكتابة لا تمت إلى ما يصنعه لا من قريب أو بعيد. حين تجابهك كل هذه النعوت التي يحفظها كثيرون غيبا ويقفون مندهشين ومعجبين أمامها، من دون أن يكونوا قد تابعوا رحلة الكاتب مع الكلمات والأفكار؟
أستعيد هذه الجملة من «رحلة بالداسار» لمدخل للرحلة «المعلوفية» التي قادته من «الحروب الصليبية كما رآها العرب» إلى ظهوره قبل يومين على إحدى شاشات التلفزيونات الاسرائيلية الخاصة (ويجب القول إنه لم يكن في اسرائيل بل ظهر عبر الأقمار الاصطناعية للحديث مع المحطة المذكورة، وإن كانت النتيجة واحدة في النهاية). فإذا كان في كتابه الأول، حاول أن يعيد تصويب بعض مسارات التاريخ، أو على الأقل أن يقدم  وجهة نظر مختلفة عن هذا التاريخ، فإن ظهوره على شاشة إسرائيلية، لا يفعل شيئا سوى هدم تاريخ بأسره، بل هدم ذاكرة وتشويهها إلى أقصى حد. والأنكى ـ فيما لو سلمنا جدلا أن ظهوره (المرفوض أصلا) كان يمكن له أن يثير بعض النقاش وأن يعيد تصويب الأمور ـ أن الكاتب بقي عند حلمه في جمع الغرب بالشرق، ولم يقل أي كلمة تشير مثلا إلى وجود فلسطين وأن من يحاوره يعمل لمصلحة تلك الدولة التي تحتل تلك البقعة التي كتب عنها في كتابه الأول مدافعا عن القدس.

 

 لم يقدم معلوف في تلك اللحظة، سوى ابتسامته لمن كان يحاوره، وكأنه يأتي من كوكب آخر لا علاقة له بما يجري حوله، على الأقل لم يتذكر أنه محاط بتلك “الهويات القاتلة” بل بقي، ربما، تحت فيء «صخرة طانيوس» يحلم بالتبولة وبكأس عرق ليتجول متخيلا أحياء الأندلس وسمرقند وغيرها من المدن ليكتب عن قسوة الحياة مثلا، بينما القسوة لا تكمن فقط في استعادة ما تعرض له “دريفوس” (سبب الحديث مع معلوف) الضابط اليهودي الشهير (الذي كتب عنه إميل زولا)، بل ما تتعرض له شعوب منطقة بأسرها، يحاول الجميع إلغاءها من الجغرافيا، بعدما ألغتها من التاريخ.
هل هي «خيانة المثقفين» (فيما لو استعدنا تعبير المفكر الفرنسي جوليان بندا في كتابه الموسوم الصادر العام 1927)؟ لا أعتقد أن المفاجأة تكمن في ظهور أمين معلوف على تلك المحطة، بل المفاجأة أن لا نكون قد قرأنا كتبه فعلا. لنعد مثلا إلى رواية «سلالم الشرق» التي نشرها في منتصف تسعينيات القرن الماضي، ألم يجعل من بطلة روايته هذه شخصية «إسرائيلية» تأتي إلى فلسطين، بعد قرار التقسيم، لتسكن   مدينة حيفا؟ صحيح أن بطلته هذه ليست من «اللواتي يعشقن الذبح» (كما يكتب) بل وتحلم «بإقامة مدينة مشتركة بين العرب واليهود»، بيد أن السؤال: كيف يمكن لهذا التعايش أن يتحول واقعا حين تعتبر حيفا «مدينتها»؟
في أي حال، وعود على بدء، في «رحلة بالداسار» جملة ثانية قد تصلح نهاية لهذه الخاطرة: «إذا قرأت (قراءة فعلية) أربعين كتابا حقيقيا خلال عشرين عاما، فبوسعك مواجهة العالم». يبدو أن القراءات كلها ضائعة اليوم عند أمين معلوف.

 

……………….

 

يذكر أن أمين معلوف أديب وصحفي لبناني ولد في بيروت في 25 فبراير 1949، وامتهن الصحافة بعد تخرجه فعمل في الملحق الاقتصادي لجريدة النهار البيروتية.وفي عام 1976 انتقل إلى فرنسا، حيث عمل في مجلة إيكونوميا الاقتصادية، واستمر في عمله الصحفي فرأس تحرير مجلة جون أفريك، وكذلك استمر في العمل مع جريدة النهار اللبنانية والنهار العربي والدولي في 2010. ونال معلوف جائزة أمير اوسرترياس للأدب في عام 2010، وأصدر أول أعماله الحروب الصليبية كما رآها العرب عام 1983 عن دار النشر لاتيس التي صارت دار النشر المتخصصة في أعماله. زترجمت أعماله إلى لغات عديدة ونال عدة جوائز أدبية فرنسية منها جائزة الصداقة الفرنسية العربية عام 1986 عن روايته ليون الإفريقي، وحاز على جائزة جونكور، كبرى الجوائز الأدبية الفرنسية، عام 1993 عن روايته صخرة طانيوس

 

وواجه أمين معلوف اتهامات بالتطبيع بعد حوار مع التليفزيون الإسرائيلي، وانتقد الصحفي اللبناني بيار أبي صعب، الكاتب والروائي أمين معلوف، بسبب قبوله استضافة محطة i24 الإسرائيليّة ،واستنكر أبي صعب ما فعله أمين معلوف، متسائلا كيف يقبل أن يكون ضيف محطة i24 التي يديرها فرانك ملول وتدافع عن سياسات الليكود الدموية؟ وكرر أبي صعب عباراته الغاضبة التي وجهها إلى أمين معلوف، وقال عنه «إنه ساذج لدرجة أنّه لم يرَ الفخ ولم يجد حرجا من هذه «المبايعة» الرمزية لإسرائيل»، معتبرا أن حواره مع الإعلام الإسرائيلي يعد إخلالا بالمبادئ الأخلاقيّة العامة، مطالبا الروائي اللبناني بالاعتذار عن السقطة.

 

وكتب بيار أبي صعب في النهار اللبنانية، تحت عنوان “أمين معلوف.. ليون الإسرائيلي؟”:

 

هكذا، وبكل بساطة، يُطلّ أمين معلوف عبر محطّة i24 الاسرائيليّة الخاصة، في برنامج ثقافي، مصمم بأدق تفاصيله، من أوّله إلى آخره، على مقام الترويج لإسرائيل وأنسنتها.

بذكاء وغطرسة وفجور، تعتمد كل فقرات تلك الحلقة البائسة (2 يونيو 2016)، على تقنيّة الحفر المنهجي لتقديم التطبيع الثقافي مع الاحتلال بصفته «تفاعلاً» بين طرفين متساويين، نزهة حضاريّة، وانتصاراً للتنوير على التعصب والظلاميّة، وحواراً بين الثقافات بإسم الفن والانسانيّة و… السلام! أمين معلوف كان ضيف محطّة i24 التي يديرها فرانك ملّول وتدافع عن سياسات الليكود الدمويّة، تبث من «ميناء يافا»، وقد أطلقها باتريك دراحي قبل 3 سنوات، بالفرنسية والعربية والانكليزيّة، «لتكشف للعالم وجه إسرائيل الحقيقي»!

في أي زمن نعيش؟ لقد «طق شلش الحياء»، وتلاشت الروادع، وصار بوسع كاتب لبناني كبير أن يشهد بالزور، من دون أن يرفّ له جفن، ومن دون أن يحاسبه أحد، أهو سهو أو إهمال، «انفتاح فكري» أم لامبالاة؟ لحظة طيش وتخلٍّ، أم خطوة محسوبة وبداية مرحلة جديدة ترتسم ملامحها ببطء، ستشهد سقوط الاقنعة، وتساقط بعض نخبنا كالتفاح المهترئ؟ مرحلة سيقتفي فيها كثيرون أثر بوعلام صنصال على طريق تل أبيب المعبّدة بالجثث، وسيركع آخرون عند أقدام القاتل الاسرائيلي على طريقة محسن مخملباف في القدس… وهم يتغنّون بالحريّة والعدالة، ويمجّدون «القبول بالآخر»! هل صاحب «ليون الافريقي» ساذج لدرجة انّه لم يرَ الفخ؟ ألم يجد حرجاً من هذه «المبايعة» الرمزية لإسرائيل؟ ليس أمراً ثانويّاً أن يعترف بإسرائيل كاتب عالمي، ذكرتنا المذيعة مراراً بأنّه «مولود في لبنان، وكبر في مصر، وتكوّن في الجمهوريّة الفرنسيّة».

هل بات بعيداً إلى هذا الحد عن شعبه، منقطعاً عن بلده وأهله؟ غير آبه بمشاعرهم ومصلحتهم الوطنيّة، ضارباً عرض الحائط بالمبادئ الاخلاقيّة العامة؟ مقابل ماذا يفعل ذلك، وقد حقّق الانتشار والرواج والشهرة العالميّة؟ إنسجاماً مع قناعات دفينة، تتناغم مع البعد الانسانوي لكتاباته؟ أم حنيناً لبدايات بعيدة تحت راية «17 أيّار»؟ يضحّي أمين معلوف بصورة الكاتب الذي يحبّه العرب ويعتزّون به ويقرأونه بنهم ومتعة وفضول، على مذبح الاستابلشمنت الفرنسي الذي صنع نجاحه الأدبي، وكرّسه بجائزة «الغونكور» (1993)، وأدخله تحت قبّة «الخالدين»، في الأكاديميّة الفرنسيّة قدس أقداس الأدب ولغة موليير (2011).

ربّ قائل إن أي مبدع عربي يحلم اليوم بمكانة في فرنسا، عليه أن يمرّ في خانة «إسرائيل»، ويحظى ببركة برنار هنري ليفي. لكنه أمين معلوف! ماذا يفعل هنا قبالة الكاميرا الاسرائيليّة؟ كالتلميذ المجتهد والمهذب والمطيع يخضع لاستجواب المذيعة الهستيريّة… وبأي هدف يستعرض نوادر من كتابه «كرسي على نهر السين» (غراسيه)، متكرّماً ببعض الخواطر والتأمّلات والحكم، على بضعة آلاف من المشاهدين لا أكثر؟ حين سقط إلياس خوري سقطته المدوّية قبل عامين، وأدلى بحديثه السيء الذكر إلى إعلام العدوّ («هآرتس» أيار/ مايو، 2014)، كان يمتلك الجرأة على الأقل لمواجهة الاسرائيلي («الديمقراطي» طبعاً، بما انّه يستضيف خوري في صحافته!). واجهه بشيء من صورته الدامية، ودافع عن الحق الشرعي للشعب الفلسطيني.

أمين معلوف يظهر بكل حياد وراحة ضمير، ليستعرض الأبحاث التي قام بها عن أسلافه الـ 18 في المقعد 29 للأكاديميّة الفرنسيّة، حيث يجلس هو الآن. يوزّع ابتساماته «الكيوت» على الكاميرا، كأنّه يشارك في برنامج ألعاب على التلفزيون السويدي.

يفعل ذلك بين فقرة عن لطيفة بن زياتن التي «تدافع عن الاسلام الآخر وقيم الجمهوريّة»، ومقابلة مع المهرّج الأميركي جانغو إدواردز، «وطنه الانسانيّة، لذا يرفض مقاطعة إسرائيل»، ودعاية لـ «تحفة» برنار هنري ليفي السينمائيّة الجديدة عن نفسه وعن «البيشمركة»، وتحقيق عن «مهرجان أبو غوش الموسيقي» في فلسطين المحتلّة، حيث «يسوع المسيح يحبّ الجاز الاسرائيلي»، وحيث «يعزف اليهودي أفيخاي كوهين، في كنيسة مسيحيّة، في بلدة مسلمة، في إسرائيل»! نطالب أمين معلوف بالاعتذار عن هذه السقطة. نعرف أنّه لن يفعل. هذا يتعارض مع موقعه ومصالحه وأولويّاته.

سيبتسم بإزدراء رداً على هؤلاء المثاليين الذين لم يفهموا قواعد اللعبة، في بلد ليس فيه رأي عام يحاسب أصلاً. وغداً سيطلع من يقول لنا إننا نمارس الارهاب الفكري والتخوين، ولا نحترم كتّابنا الكبار، ولا نفهم أهميّة الحوار، ولا نعرف معنى الاختلاف وحريّة التعبير

 

 

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]