«الغد» يحاور مهندس بناء سد الموصل: نصف العراق سيغرق في «الطوفان»

حقائق ظلت غائبة عن كثيرين في السنوات الماضية، إلا أن تحولها إلى إنذار وتحذيرات بات كابوسا يهدد العراق بأكلمه، فالحديث عن انهيار سد بحجم سد الموصل، لم يعد مجرد أوراق متناثرة على مكاتب المسؤولين في بغداد على مدار السنوات الماضية.

يعد سد الموصل أو «سد صدام» سابقا، رابع أكبر سدود العربية، شُيد لتوليد الكهرباء والحماية من خطر الفيضانات على بعد 50 كيلومترا من مدينة الموصل، شمال العراق، إلا أنه قد يكون هو «فيضان تسونامي» الجديد، فمنذ استولى تنظيم «داعش» على الموصل في يوليو/تموز 2014 توقفت أعمال الصيانة اللازمة لتقوية أساسات السد.

سد الموصل

أنشأ الرئيس الراحل صدام حسين السد عام 1980 وتم إنجازه  بالكامل بعد 5 سنوات تقريبا، وأظهرت الدراسات الإنشائية والهندسية أنه مبني على صخور الجبس القابلة للذوبان إلا أن ذلك لم يكن يشكل خطرا داهما وقتها على ما يبدو، فاستكمل بناؤه بالفعل، ليحجز أمام جدرانه بطول 3.6 كيلومترا نحو 12 مليار متر مكعب من المياه في بحيرته الكبيرة، إلا أنه منذ إنشائه يتطلب دوام صيانة وحقن أساساته بالخرسانة.

اقرأ أيضا: الأزمة المالية بين بغداد وكردستان تنذر بكارثة مائية

تجاهلت حكومة حيدر العبادي إنذارات عدة بمدى خطورة توقف الحقن الخرساني للسد، وبعد سلسلة ضغوط أمريكية رفيعة

سد الموصل على نهر دجلة
سد الموصل على نهر دجلة

المستوى، استجابت بإبرام عقد مع شركة تريفي الإيطالية بمبلغ 296 مليون دولار، ينص على إرسال روما لـ450 جندي لحماية السد وطاقم الصيانة لمدة 18 شهرا، وهو ما وصفه المهندس نصرت آدامو بأنه «عملية تجميل لا تفي بالغرض».

حثّ آدامو، في حوار مطوّل مع «الغد»، الحكومة العراقية على «كشف الحقائق بدلا من إنكار هذا الخطر الداهم»، مشيرا إلى أن الحكومة تتحمل كامل مسؤولية ما سيحدث حال انهياره.

عمل آدامو، وهو مهندس عراقي، في وزارة الري والكهرباء من عام 1968، وأشرف بشكل مباشر على عمليات تشييد سد الموصل منذ عام 1978، بالإضافة إلى إشرافه على بناء 12 سدا آخر داخل البلاد حتى تقاعده ومغادرته العراق إلى السويد عام 2006، متابعا إن ما يشبه «الطوفان» سيجتاج نصف مساحة العراق في أقل من 45 ساعة.

بصفتك مهندس بناء السد.. هل حذرت الحكومة العراقية من خطورة انهياره؟

لقد تقاعدت منذ 2006 وليس بوسعي تحذير مسؤولي الحكومة فهم يعرفون تماما حجم الدمار الذي يمكن أن يخلفه انهيار ضخم كهذا، فمنذ عام 1986 أي بعد اكتمال بنائه بعام واحد أعدت الحكومة دراسة حول خطر انهياره وخطة تفادي ذلك وأكدت الدراسة ظهور رشح الجبس وهو ما يعني المواد المستخدمة لحقن الأسس لم تكن تعطي النتائج المرجوة، بالإضافة إلى أن دراسة إنشائه التي بدأت عام 1952 واستمرت حتى 1980 أشارت إلى أنه بني على تربة قابلة للذوبان إلا أن الحقن الخرساني سيحول دون ذلك.

هل بحثت تلك الدراسة في الآثار التدميرية لانهيار السد؟

نعم، أنجزت الدراسة بالكامل وبحثت في كل جوانب ما سيحدث إذا انهار، وأنا أؤكد على معطيات جديدة أهمها أن ما بين نصف مليون إلى مليون ونصف شخص سيتضررون جراء ذلك وسيموت مئات الآلاف، بالإضافة إلى أن المياه ستغمر أنحاء شاسعة في العراق، والسؤال الآن هو هل تمتلك الحكومة خطة طوارئ وإدارة أزمات كهذه لإنقاذ البشر والمدن؟، ليس لديهم أي خطة، فهم لم يعترفوا صراحة حتى الآن بهذه الكارثة.

لماذا استمر بناء السد على الرغم من عدم صلاحية التربة؟

هناك خلط كبير في الأرقام والتواريخ والمواعيد، كل الاستشاريين ومن شاركوا في تشييده، وهم جميعا عراقيون، يعرفون تماما أنه أنشئ على صخور جبس قابلة للذوبان، منذ بدأت الدراسة عام 1952 وحتى 1980، إلا أن التحاليل والمعلومات أثبتت أنه يمكن أن يتم تفادي انهياره بحقنه بمواد أسمنتية ورمال وبنتونايت، لكن هذه المواد لم تعطِ سوى تطويل في عمر السد، وبدأت بالفعل تلك المعالجات على الفور وكان الأمر جيدا في البداية.

سد الموصل

كيف جرت تلك المعالجات فيما بعد؟

منذ عام 1987 حتى 2014 كل من عمل في إنقاذ السد كانوا عراقيين، يعملون ليل نهار على حقن الخرسانة في جسم السد ليصمد، ووصلت كمية المواد التي تم حقنها على مدار العقود الماضية 95 ألف طن من الرمال والأسمنت والبنتونايت، إلى أن سيطر «داعش» على الموصل، فهرب الكادر العامل في السد، وحتى الآن تعتبر تلك المنطقة شديدة الخطورة من الناحية الأمنية وهو ما دفع المهندسين والعمال للهرب بأرواحهم في ظل إنعدام الحماية من جانب الحكومة، وبعد تحرير منطقة السد لم يعد إليه من الكادر سوى عدد قليل جدا وبالتالي تعرقلت عمليات الصيانة تماما، ولم يستكمل الكادر حتى الآن.

ما تقييمك إذًا للعقد المبرم بين بغداد وروما لإعادة تأهيل السد؟

عقد «تريفي» الإيطالية مدته 18 شهرا، تشمل نحو 3 أشهر لنقل الكوادر الإيطالية والتجهيزات والمعدات والجنود أيضا إلى تلك المنطقة الخطرة، يتبقى 15 شهرا، إلا أنه لابد فيها من إنجاز مهمتين أساسيتين: الأولى إصلاح بوابات السد بعد ارتفاع مياه البحيرة أمامه، وهذا أمر شديد الخطورة أيضا، واستكمال عمليات التحشية أو الحقن للأسس.

هل ترى أن بعد هذه الفترة سينتهي خطر الانهيار؟

بالتأكيد لا، ما يجري مجرد عملية «ترقيع» أو «جراحة تجميلية» فقط، وليس هذا حلا لتفادي الانهيار، يمكن للسد أن ينهار خلال أسبوع أو شهر أو شهرين أو حتى سنة، لكن المعطيات تقول أنه سينهيار لا محالة، ويجب أن نجد حلا جذريا لهذا الأمر، فعمليات التحشية لن تجعل منه آمنا وهي تطيل عمره فترة إضافية فقط، وهي تتطلب أن تكون يومية أو دائمة.

كيف تصرفت الحكومة العراقية وقتها عندما تبينت حقيقة السد؟

سد بادوش
سد بادوش

في عام 1988، عندما أدركت الحكومة في عهد صدام حسين حقيقة انهيار سد الموصل، باشرت بتشييد سد آخر في منتصف المسافة بين الموصل والسد، هو في المنتصف تماما ويسمى «بادوش»، وبني بغرض أن يكون بديلا لسد الموصل، من أجل حماية المنطقة بالكامل، فالحكومة كانت تدرك وقتها تماما تلك الكارثة، لكن أعمال البناء فيه توقفت بعد فرض عقوبات دولية على بغداد بسبب غزو الكويت، منعت كافة مواد البناء من دخول العراق بالإضافة إلى أن العملة العراقية انهارت ولم يعد هناك مخزون من النقد الأجنبي لدينا.

أين هو هذا السد الآن على أرض الواقع؟

هذا السد موجود بالفعل، فقد تم إنجاز 30% منه قبل أن يتوقف عام 1990 أو 1991، وأنشئ ليحصد موجات المياه القادمة من أمام سد الموصل، وكنت أيضا مسؤولا مباشرا عنه وقتها، وتوقفنا بسبب العقوبات العربية والدولية، وبعد الغزو الأمريكي للعراق أطلقنا كمهندسين عراقيين وعاملين في وزارة الري والكهرباء نداءات وإنذارات في أعوام 2004 و 2005 عدة لاستكماله من أجل تفادي ما نحن بصدده الآن جراء احتمالية غرق الموصل في أي وقت، لكن دون آذان صاغية، فهذه كارثة ولابد من تحرك عاجل.

هناك حل آخر اقترحته السفارة الأمريكية لدى بغداد بتفريغ السد.. ماذا عنه؟

نعم، هذا حل مطروح أيضا، لكنه ضار، فهو يقوم على عملية تفكيك «decommissioning» للسد، خاصة بحيرته التي تصل سعتها التخزينية إلى نحو 12 مليار متر مكعب من المياه تدريجيا، تمهيدا لإزالته تماما أو إلغائه إن صح التعبير، وهذا أيضا ضمن دراسة مطولة جدا قمت بإعدادها، لكن هذه العملية ستتطلب وقتا طويلا نسبيا وقد لا تنجز قبيل انهيار السد، لكنها عملية معروفة وتنفذ في كافة أنحاء العالم.

بالعودة إلى «بادوش» الذي أشرفت عليه.. ماذا عن تكلفته والوقت المطلوب لتشييده؟

كما قلت، أعددنا دراسة «بادوش» وبدأنا فيه العمل عام 1988، وكان مرصودا له 250 مليون دولار، وهذا المبلغ قد يصل إلى مليار ونتصف المليار تقريبا بحسب الحسابات المالية للوقت الحالي، وبالنسبة للوقت فهذا يتوقف على أمن تلك المنطقة، بالإضافة إلى أنه بالتأكيد تعرض الـ30% التي أنشأت للتخريب وهو ما يحتاج دراسة جيدة حوله، ولكننا لا نعرف بالضبط كذلك ما حجم الضرر الذي أصاب أسس سد الموصل، وبالتالي لا يمكن الوقوف على الفترة المتبقية في عمره.

سد الموصل وسد بادوش
سد الموصل وسد بادوش

هل لازلت تتواصل مع القائمين على السد الآن؟

نعم بالتأكيد، إنني على تواصل بكافة قيادات الري والكهرباء في العراق بحكم الفترة الطويلة التي أفنيت فيها سنين عمري داخل تلك المواقع، وما أعرفه أن الحكومة لا تمتلك خطة طوارئ أو فريق إدارة أزمات لديه إجابات واضحة لتداعيات وآثار حدوث الكارثة حال انهار سد الموصل، أو تقييما لتلك الآثار، التي ستستمر مخلفاتها مدة تصل إلى شهرين بعد غرق المساحة بين الموصل وبغداد بالكامل تحت مياهه، وناهيك عن مئات آلاف القتلى والمصابين، فالبنية التحتية ستدمر بالكامل وستغرق الآثار والمزارع والمباني وغيرها.

ماهو حجم ذلك الدمار بحسب الدراسات التي أعددتها أو أشرفت عليها؟

أعددت جدولا مُبسطا لآثار موجات المياه التي ستغمر المنطقة إذا انهار السد، وهناك معطيات تؤكد أن العاصمة بغداد لن تكون بعيدة عن تلك الآثار، فالموصل ستغرق تحت مياه بعمق 24 مترا خلال 4 ساعات، وتكريت ستغمرها مياه بعمق 15 مترا خلال 22 ساعة، وستغرق سامراء خلال 25 ساعة تحت 10 أمتار من المياه، بينما ستصل المياه إلى شمال بغداد خلال 38 ساعة بارتفاع 4 أمتار، وفي غضون 10 ساعات ستغمر العاصمة بالطين والأوحال والمياه بطول مترين تقريبا، وستتجاوز المياه بغداد إلى جنوب البلاد خلال 50 ساعة بارتفاع أقل.

هذا يظهر أن المسألة لم تعد تحتمل تجاهلا هل هذا هو ما دفعك للحديث عنها الآن؟

أشعر بمسؤولية أدبية أنا ملتزم بها منذ بدأت العمل في الوزارة، وهذه ليست المرة الأولى التي أتحدث فيها، بالإضافة إلى أن دراسات أمريكية رسمية صدرت عام 1984 أشارت إلى احتمالية انهيار السد، وأعيد تدقيقها عام 2005 بعد الغزو الأمريكي لبغداد، وأنا الآن أعمل كاستشاري لدى جامعة سويدية ونعد بحثا لإعلان نتائجه في مؤتمر دولي سيعقد في العاصمة الإيطالية روما، يومي 19 و 20 أبريل/نيسان المقبل، سندعو له عددا كبيرا من الاستشاريين والخبراء من دول العالم لنطرح حلولا لهذه الكارثة.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]