بين الحقيقة والنفي، لا تزال مواكب الشاحنات تمر من خلال “الممر الأسود” حسب وصف الدوائر السياسية في روسيا، ما يثير التساؤلات حول كيف يتم تهريب نفط سوريا والعراق، وإلى أين، ولماذا، بعد أن اتهم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، تركيا بإسقاط الطائرة الروسية لحماية تهريب “داعش” للنفط.
بوتين تحدث عن حقائق، وفقا لمعلومات استخباراتية بأن النفط الذي يسيطر عليه التنظيم الإرهابي يمر عبر الأراضي التركية، وفي المقابل تنفي تركيا مؤكدة أنها مجرد إدعاءات “عدائية”.
كيف يتم تهريب النفط.. ومن الوسطاء بين الطرفين.. وإلى أين تتجه ناقلات النفط المهرب عبر “الممر الأسود”.. وهل ترتبط الشركات الناقلة للنفط المهرب بتعاقدات غير شرعية مع تنظيم إرهابي، وتتولى مسؤولية نقل النفط إلى الخارج؟.
التساؤلات طرحتها مجموعة عمل دولية معنية بمراقبة عمليات غسيل الأموال وتمويل الإرهاب تابعة لمنظمة الأمن والتنمية الأوروبية، في محاولة لكشف مصادر تهريب النفط السوري والعراقي، والوسطاء ومشتري النفط، والشركات الناقلة، ومصادر تمويل داعش.
التوضيحات الروسية لطرق التهريب عبر “الممر الأسود” ودور تركيا في الصفقات المشبوهة، استندت إلى معلومات موثقة، كما يقول المسؤول في الكرملين، ألكسندر ديمروف، إن الحقائق كشفت أن الضربات الروسية لمواقع داعش في سوريا، ساهمت في تقليص الواردات المالية من النفط، وأن طائرات التحالف الدولي، دمرت الأسبوع الماضي، على سبيل المثال، ناقلات نفط في محافظة دير الزور السورية وأشعلت النيران فيها قبل المرور إلى داخل الأراضي التركية، حسب ما ذكرت وزارة الدفاع الأمريكية.
ورغم نفى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بشكل قاطع سماح بلاده بمرور نفط داعش، حسب إضافة المسؤول الروسي، ديمروف، لوكالة الأنباء الفرنسية، فإن معظم المراقبين يرجحون أن تكون تركيا هي المعبر الرئيسي للنفط المهرب من قبل داعش، وهو ما ورد ضمنا في اعتراف مقاتل تركي يدعى أبو إبراهيم، وهو أحد مسؤولي داعش، من أن مهمة الداعمين للتنظيم في تركيا تتمثل في توفير الدعم اللوجستي لإمداد التنظيم بالمسلحين والأغذية والأسلحة عبر الأراضي التركية، وهي إشارة أيضا للمساعدة في تهريب النفط السوري والعراقي، في مقابل ثمن الأسلحة والمواد التموينية وتسهيل عبور العناصر الإرهابية من جنسيات مختلفة للانضمام لقواعد التنظيم داخل الأراضي السورية.
ويشير المسؤول الروسي، إلى تقارير استخباراتية روسية، بأن شهادات معظم المراقبين، كشفت أن دعم داعش عبر تركيا، يشمل أيضا شراء النفط السوري والعراقي الذي ينهبه التنظيم من الآبار السورية والعراقية في شرق سوريا وغرب العراق، وبمساعدة “مافيا” ومسؤولين أتراك يدعمهم وسطاء غربيون، حيث تدر هذه التجارة أرباحا ضخمة بسبب بيع داعش برميل النفط بسعر أقل كثيرا من السوق العالمية.
وتساءل المسؤول الروسي: إذا لم تكن تركيا هي “الممر الأسود” للنفط المهرب الذي يعد أهم مصادر تمويل داعش، فأين المنفذ المتاح للتنظيم، إذ لا توجد حدود مفتوحة سوى الحدود التركية الملاصقة لسوريا والعراق، ولا سبيل أمام داعش إلا أراضيها ولا يمكن أن يتم ذلك دون علم أنقرة، وعبر حدود تشهد تواجدا عسكريا تركيا مكثفا!.
القضية التي يطرحها خبراء البيئة والبترول في ألمانيا، هي كيف يقوم التنظيم باستخراج النفط، والذي يعتمد على طرق بدائية وكارثية على البيئة لمعالجة النفط الخام السوري والعراقي، وهل يستعين بخبراء ومهندسين مؤهلين فنيا وعلميا وبالوسائل التكنولوجية لاستخراج النفط ومعالجته وشحنه في الصهاريج، وهل تقوم تركيا أو السماسرة بتوفير الكوادر الفنية لداعش، والقصية طرحت على هامش تقديرات وزارة الخزانة الأمريكية بأن دخل داعش السنوي من النفط في حدود نصف مليار يورو، بينما تقدر الحكومة الألمانية هذا الدخل بحوالي 73 مليون دولار فقط، والتقدير الثالث لخبراء مستقلين بأن الدخل يبلغ سنويا نحو مليار دولار، اعتمادا على أن داعش يسيطر على 14 بئرا نفطية يتراوح معدل الإنتاج اليومي لكل منها بين 3000 إلى 9000 برميل.
وإذا كانت الضربات الروسية لمواقع داعش في الشمال السوري، القريبة من الحدود التركية، قد كشفت “الممر الأسود” لتهريب النفط السوري، فإن جيمي أرستال، أحد أبرز خبراء أسواق النفط في لندن، أكد لصحيفة الجارديان البريطانية، أنه ليس من الصعب شحن النفط السوري الذي ينهبه داعش، عبر المرافئ التركية إلى أسواقه التقليدية تحت مسميات أخرى كنفط عراقي أو كنفط تابع “للمعارضات المعتدلة”.
ويساعد على ذلك قرار وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في أبريل/ نيسان من عام 2013 القاضي برفع الحظر النفطي المطبق على سوريا جزئيا بحيث يسمح للمعارضة السورية ببيع النفط وشراء المعدات اللازمة لاستخراجه شريطة ألا يستفيد منها النظام السوري.
