لا يزال المشهد اللبناني العام «عبثيا ومأساويا في نفس الوقت»، بحسب الدوائر السياسية في بيروت، ووضع البلاد يزداد انحداراً نحو الأسوأ، وأحوال اللبنانيين «منهكة تماما» على جبهاتهم الحياتية والحيوية، والدولار على عتبة العشرية الثانية، بعد أن دخلت الليرة اللبنانية «بورصة جهنم»، بحسب تعبير المحلل الاقتصادي اللبناني، راجح خوري، ويتجاوز الدولار رقم 10 آلاف ليرة.
هذه الصورة ستبقى قائمة، ما لم تشكّل حافزاً ودافعاً لتشكيل حكومة بأسرع وقت، قد تفتح باب الإنفراج وإعادة وضع لبنان على سكة التعافي الإقتصادي والمجتمعي.
الاستعصاء السياسي سيد الموقف
ولكن.. بات واضحا أنه لا صحة لكل المعلومات التي تحدثت عن حصول انفراجات على خط تشكيل الحكومة وحصول تنازلات من المعنيين الأولين: الرئيس ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري حيث لا يزال الاستعصاء السياسي سيد الموقف بين الرجلين، بحسب تعبير المحلل السياسي اللبناني، رضوان عقيل، بعدما أخذت القضية بينهما أبعاداً شخصية وعامة في مقاربة التعاطي مع شكل الحكومة المقبلة.
وفي زحمة تقاذف الاتهامات والردود والمسؤوليات يسأل كثيرون ماذا يفعل رئيس مجلس النواب نبيه بري المنزعج من كل المشهد؟ وينقل عنه أنه أصيب بالإحباط نتيجة ما وصلت إليه أمور تشكيل الحكومة ولا سيما بعد تعثر عجلة الاقتصاد وسائر القطاعات الإنتاجية في البلد فضلاً عن حالة اليأس التي وصل إليها اللبنانيون جراء حالة القرف التي تسيطر يومياتهم.
مبادرة نبيه بري
وكانت الخطوط العريضة لمبادرة نبيه بري للخروج من النفق المظلم ، محددة بثلاث نقاط لتحريك مسار تشكيل الحكومة:
- أولا: إعادة التأكيد على ثوابت الوزراء الاختصاصيين غير التابعين وغير الحزبيين.
- ثانياً: تولّي الأطراف السياسيّة والطائفيّة تسمية وزرائها، وموافقة الأطراف المعنية على أن الاختيار سيتم على قاعدة «أسماء ليست معنا وليست ضدنا»
- ثالثاً: التخلّي عن فكرة الثلث المعطّل، التي لم تعد مجرّد بدعة دستورية في زمن الترف السياسي قبل 17 تشرين الأول 2019، بل باتت تأشيرة دخول إلى جهنم بتذكرة سفر ذهاب بلا إياب.
«عقدة» تشكيل الحكومة
ربما بقيت «عقدة» تشكيل الحكومة، فيما يتردد من كلام لا ينفيه قصر بعبدا الرئاسي، عن عدم رغبته بل رفضه أن يؤلف الرئيس سعد الحريري الحكومة، ولذلك يسأل البعض: لماذا يستمر الحريري في محاولة تأليف الحكومة أو انتظار أن تلين معاندة عون للتشكيلة الوزارية التي اقترحها؟ بحسب تعبير الباحثة اللبنانية،روزانا بومنصف، هذا السؤال سرى خصوصا بعد تخطي الدولار عتبة العشرة آلاف ليرة لبنانية على خلفية أن الرفض المستمر لتشكيل الحكومة في ظل تمسك الحريري بمعاييره ورفض عون لهذه المعايير مطالبا بالثلث المعطل.
مستويات قياسية متوقعة للدولار
لكن الخوف اليوم أن يصل سعر الصرف الى مستويات قياسية جديدة مع غياب أي أفق لتشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة،، إذ ربما يضع الدولار قدميه في بداية العشرية الثانية،محققا رعبا وخوفا جديدين عند اللبنانيين الذين أنهكهم انهيار الليرة وانتفاخ التضخم والغلاء وفقدان قيمة رواتبهم وأجورهم، بحسب تقدير راجح خوري، وليس ارتفاع سعر صرف الدولار فقط هو ما يؤرق الخبراء على الوضع الاقتصادي اللبناني ومعطياته، بل أكثر ما يؤرقهم هو الغياب الكلي لأي أفق أو بادرة أو فعل إنقاذي.. لا أفق لتشكيل حكومة، ولا ضمير يهز أصحاب الصلة.
وفي ظل المناخ المتردي، تتسابق التوقعات التشاؤمية لما يمكن أن يصل اليه سعر صرف الدولار من مستويات قياسية، ووصل الأمر ببعض المطلعين على ما يجري في السوق الى توقع وصوله الى مستوى الـ 100 ألف ليرة في الأشهر المقبلة في حال استمر التأزم السياسي على حاله.
وانضم الخبير المالي العالمي «ستيف هانكي» الى هذه التوقعات، فأكد في تغريدة له أن «الليرة اللبنانية ستستمر في الانخفاض مقابل الدولار، وقد يرتفع سعر صرف الدولار فجأة».
الجمهورية اللبنانية «متهالكة ومخلعة الأبواب»
وترى صحيفة اللواء اللبنانية، أن جمهوريات الموز، أو التفاح أو حتى البرتقال، أصبحت أكثر تقدماً وإستقراراً، من الجمهورية اللبنانية المتهالكة، والمخلعة الأبواب والمؤسسات، والتي تفتقد إلى أدنى قدرات السلطة، وإلى أبسط مقومات المسؤولية الوطنية.. الشوارع مشتعلة بغضب الناس، والمواطنون يتنازعون على كيس حليب في السوبرماركت، والمؤسسات الاقتصادية والتجارية تنهار بالجملة والمفرق، والعملة الوطنية في إنخفاض مستمر أمام الدولار والغلاء الفاحش، ورواتب الموظفين والعاملين في القطاعين الخاص والعام تقزمت، وودائع اللبنانيين في المصارف تبخرت، والبطالة متفشية في أوساط الشباب، والفقر يجتاح الطبقة الوسطى ويغتال صمام الأمان في المجتمع اللبناني.
مخاض أليم لولادة الفيدرالية
وتجاوزت معاناة وحيرة اللبنانيين، السؤال «الضخم»: لبنان إلى أين؟ وهل الإنهيار الممنهج والمدروس لكافة القطاعات والمؤسسات هو مقدمة لإستكمال تدمير الوطن، بحسب رؤية الباحثة نهاد أورفلي، وصولاً إلى الفوضى الشاملة والخراب، للذهاب إلى مؤتمر تأسيسي لإلغاء اتفاقية الطائف وإعادة النظر بالنظام اللبناني والدستور، وأحد أبرز عناوينه الفيدرالية؟؟
