بعد أن أمضى نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الخليج العربي، تيم ليندركينغ، الأسابيع الثلاثة الماضية، في القيام بمهمات ديلوماسية إقليمية في الخليج، بهدف التمهيد لقمة سوف تستضيفها الولايات المتحدة الأمريكية في يناير/ كانون الثاني المقبل ـ 2019 ـ لإطلاق «تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي» ـ (MESA) ـ أو«الناتو العربي» كما يسميه البعض.لا تزال التساؤلات قائمة حول الأهداف والنوايا والمصالح الأمريكية، وحول التحفظات التي تواجه «التحالف الجديد» تحت مظلة أمنية ـ عسكرية ـ سياسية ـ اقتصادية، بمشاركة إمارة قطر.
نسخة عربية من حلف شمال الأطلسي
من الواضح ان الترتيبات الأمريكية متسارعة على هذا المسار، وتعمل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، منذ فترة، على إنشاء تحالف أمني يضم ست دول خليجية إضافة إلى مصر والأردن..وعقد وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، اجتماعا مع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، تحضيرا للقمة المزمع عقدها في يناير/ كانون الثاني.. وأشار الوزير الأمريكي، إلى أن «تحالفا سوف يقوم على أساس اتفاقية أمنية واقتصادية وسياسية تربط بين دول مجلس التعاون بالإضافة إلى الولايات المتحدة ومصر والأردن».
وكانت مصادر أمريكية وعربية متعددة، كشفت الصيف الماضي، أن إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بدأت العمل على تنفيذ مشروع يتمثل بتشكيل نسخة عربية من حلف شمال الأطلسي من دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن بهدف التصدي لانتشار النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، وكذلك تحمّل عبء مكافحة التنظيمات الإرهابية في المنطقة.. بينما أكد نائب وزير الخارجية الكويتي، خالد الجار الله، في نهاية شهر يوليو/ تموز الماضي أن بلاده تدرس مقترحات أمريكية لإقامة تحالف استراتيجي في منطقة الشرق الأوسط بهدف التصدي للنفوذ الإيراني في المنطقة.
وكشفت مصادر من البنتاغون، لوسائل الإعلام الكويتية، أن اجتماع الكويت لرؤساء أركان دول الخليج العربية ومصر والأردن وقائد القيادة المركزية الأمريكية، يوم الأربعاء 12 سبتمبر/ أيلول الجاري، قد يكون تمهيدا لتشكيل ما يعرف بالناتو العربي..وقالت المصادر: «لا يهم إن أطلقنا عليه اسم ناتو عربي أو غير ذلك، فالتسميات هي مهمة السياسيين، أما العسكر، فمهمتهم الاستعداد لأي طارئ للدفاع عن أوطانهم».
ويرى خبراء عسكريون، أنه لا يوجد إجماع بين الدول العربية على النهج تجاه إيران، في حين تحافظ قطر وعمان على علاقات طبيعية مع إيران.. بينما أعلن وزير خارجية قطر، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أن تجاهل الخلاف بين أعضاء التحالف العربي الذي تعتزم واشنطن تشكيله يؤثر على مصداقيته، مما يفرض ضرورة حسم الخلاف حول مفاهيم أمنية..وقال آل ثاني خلال مؤتمر صحفي في نيويورك، الأسبوع الماضي: «احترام سيادة الدول يجب أن يكون جزءا من سياسة أي تحالف، لذا يجب أن يقوم على أسس واضحة وأجواء أكثر إيجابية، والأزمة الخليجية اختبار حقيقي للتحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة».
وفي نفس السياق.. يرى الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية، أنطون مارداسوف، أن الولايات المتحدة تعمل على خلق جبهة معادية لإيران، وهذه الفكرة ليست جديدة، وكل مرة كانت تصطدم بعدم التوافق بين الدول العربية، وعلى الرغم من استبعاد تنفيذ فكرة إنشاء تحالف عسكري مستقر، فإن هذه المبادرة يمكن أن تساعد الولايات المتحدة وخصوم إيران على التوصل إلى حلول للمشاكل الراهنة، وربما كان «الناتو» مطلوبا لتحقيق تأثير قصير المدى، بإرغام إيران على إعادة التفاوض حول الصفقة النووية أو حتى محاولة إقناع الدول العربية بالاستثمار في شرق سوريا، الذي يخضع لسيطرة المليشيات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة.
وتشير الدكتورة هالة مصطفى، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، إلى ملاحظات أساسية تثيرها فكرة «الناتو العربي» وهي:
أولا : أن تركيز الإدارة الأمريكية بشكل شبه أحادى على إيران كداعم رئيسى فى تجنيد وتسليح وتدريب الإرهابيين دون تسمية دول أخرى تُسهم على الجانب المقابل فى القيام بنفس الدور أو توظيف الجماعات السنية المسلحة فى حروب بالوكالة، يحمل قدرا من الانتقائية، وهو ما عبر عنه الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى (عدم إمكان اختصار المواجهة على مسرح عمليات واحد دون آخر) وأن هناك دولا بعينها توفر الغطاء السياسى لتلك الجماعات (كجماعة الإخوان التى لم يشر إليها الجانب الأمريكى من قريب أو بعيد).
ثانيا: إن نجاح أى حلف عسكرى يرتبط ارتباطا وثيقا بالوحدة السياسية والتوافق بين الأنظمة الحاكمة بحيث تتفق على تعريف موحد للأمن القومى ومصادر التهديد والتحديات التى تواجهه، أى لابد من رؤية مشتركة تسبقه، وهذه هى الخبرة الأولية لحلف الناتو، والتى لا تبدو متوافرة إلى الآن، وتكفى الإشارة إلى تصريحات أمير قطر التى دافع فيها عن إيران.
ثالثا: إذا كانت الولايات المتحدة هى القوة العظمى التى ستدعم مثل هذا الحلف فالمفترض أن تكون مواقفها وسياساتها متناغمة مع جميع أطرافه الإقليمية، وهو شرط مازال غير قائم، على سبيل المثال تعتبر مصر أن كلا من تركيا وقطر تنتهجان سياسات مناهضة لها ورغم ذلك أشاد بهما ترامب، حيث قال نصا (إن استضافة قطر للقاعدة المركزية الأمريكية يجعلها شريكا إستراتيجيا حاسما) مثلما أثنى على دور تركيا (لاستضافتها العدد الأكبر من اللاجئين السوريين).
وأضافت د. هالة، هناك ما يتعلق بموقف روسيا، وهى القوة الدولية الفاعلة فى المنطقة، والتى سارعت بمهاجمة الفكرة برمتها، بل واعتبرتها مُفضية إلى مزيد من التوتر والحروب فى المنطقة خاصة مع استمرار تحالفها مع إيران، وليس خافيا أن الدول المفترض تأسيسها الحلف الجديد لا تقف على مسافة واحدة منها، بعبارة أخرى هناك الكثير من العمل قبل أن تتحول فكرة الناتو العربى إلى واقع فعلى.
ومن جانبه، أوضح نائب وزير الخارجية الأمريكي،لاندركينج، أن الهدف من هذا التحالف هو «التصدى للعدوان الإيرانى والإرهاب والتطرف وتحقيق الاستقرار فى الشرق الأوسط»، مشيرًا إلى أن الحلف الجديد سيكون بمثابة نسخة عربية من حلف شمال الأطلسى «الناتو».. ورغم أن موقف الرئيس الأمريكي «ترامب» فى تعامله مع الشركاء الأوروبيين فى «الناتو» كان يميل إلى المواجهة، إلا أن المسئولين الأمريكيين يرون أن التحالف العربى يمكن أن يكون نموذجا ملهما لتشكيل جديد بالمنطقة.
