إميل أمين يكتب: رمضان ورحلة حوار أتباع الأديان

تحمل لنا نفحات الشهر الفضيل، مشاعر طيبة من المودات، والبحث عن مسارات السلام ومساقات الوئام بين البشر،  وفي هذا السياق يأتي الحديث عن رحلة الحوار بين أتباع الأديان حول العالم، لا سيما بين الفاتيكان والعالم الإسلامي .

حين أسلم البابا بولس السادس الروح في 6 أغسطس 1978، لم يطل انتظار الكرادلة لاختيار خليفة له؛ ففي 26 أغسطس، أي بعد ثلاثة أسابيع من وفاة سلفه، تم اختيار بطريرك البندقية «ألبينو لوتشاني»، تحت اسم «يوحنا بولس الأول» ، الذي لم يطل به المقام في السدة البطرسية؛ إذ توفي سريعًا بنوبة قلبية في 28 سبتمبر 1978، أي ظل في مقعد البابوية 33 يومًا.

وكان الخلف واضحًا جدًّا، إنه كاردينال بولندا الأشهر كارول فوتيلا، الرجل المقاوم للشيوعية بكل قوة، و الذي تم اختياره بابا وحبرًا أعظم للكنيسة الرومانية الكاثوليكية في 16 أكتوبر 1978 باسم «يوحنا بولس الثاني» الذي سيقدر له عبر حبرية تعد من الحبريات الطويلة في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية «القديم والمعاصر»، (توفي في 2 أبريل 2005، أي نحو 27 عامًا) أن يلعب دورا  مهما وحيويا  في عالم حوار أتباع الأديان.

كان لدى البابا الجديد فكرة جيدة عن بعض نواحي الديانة الإسلامية، وغالبًا مصدرها وثيقة «حاضرات أيامنا»؛ التي صدرت عن المجمع المسكوني الثاني عام 1965، إذ تأكد لديه أن في الإسلام توحيدًا قويًّا، وخضوعًا وتسليمًا كاملًا لإله رحيم، عطفًا على الالتزام بالصلاة المنتظمة، وممارسة الصوم من أجل التوبة.

كان البابا مقتنعًا بالضرورة القصوى للحوار مع الإسلام في شمال أفريقيا، من مصر حتى المغرب العربي، انطلاقًا من أن الحوار شأن ضروري لا غنى عنه من أجل بقاء الكنيسة الكاثوليكية؛ ولاسيما أن أعضاءها هم الأقل عددًا.

في عام 1985، وفي شهر أغسطس تحديدًا، اضطلع البابا الراحل بمحاولة للانفتاح على الإسلام في مراكش؛ حيث تجمع المشاركون من الدول العربية في دورة ألعاب «كازابلانكا»، وقد حاول عاهل المغرب الراحل الملك الحسن الثاني، تنظيم اجتماع على مستوى كبير لقداسة الحبر الأعظم مع ممثلين من 23 دولة مشتركة في الألعاب الرياضية.

استدعى الملك نحو خمسين ألفًا من الشباب المغربي المتحمس، أولئك الذين قدموا للبابا استقبالًا حارًّا، ويومها خاطبهم بالقول: إن الحوار بين المسيحيين والمسلمين، أصبح اليوم أكثر صعوبة من قبل… في عالم يزداد علمانية ويقترب أحيانًا من الإلحاد، لكن يمكن للشباب أن يصنعوا مستقبلًا أفضل إذا عاهدوا أنفسهم على بناء هذا العالم الجديد، حسب نهج الله وتدبيره… وعلينا أن نبيِّن اليوم أيّ القيم الروحية التي يحتاجها العالم.

لم يكن طريق يوحنا بولس الثاني للحوار والجوار مع العالم الإسلامي ممهدًا، وحلمه بإيجاد جبهة مسيحية – إسلامية مشتركة ضد المادية المعاصرة والإلحاد، تعرَّض لعقبات من جراء تصاعد موجات أصولية  منذ بداية الثمانينيات في دول أفريقيا الشمالية، من مصر إلى الجزائر، غير أن ذلك لم يغير من قناعات خليفة بطرس، وتصريحاته العلنية، تلك التي فرق فيها جذريًّا بين الإسلام نفسه، والتيارات المتطرفة في صفوف بعض من المتشددين الإسلامويين.

وبالرغم من معارضة الأصوليين الكاثوليك، فقد شجع قداسته إنشاء أكبر مسجد في أوروبا الغربية، على أرض «روما»، المدينة المقدَّسة للعالم المسيحي الكاثوليكي، وفي الوقت عينه ألحَّ بأن على الدول الإسلامية أن تكون كريمة بالمثل في السماح بحرية العقيدة للمسيحيين.

بعد رحلته الناجحة إلى المغرب، وفي 27 أكتوبر 1986، استقبل يوحنا بولس الثاني في مدينة  أسيزي الإيطالية ، كثيرًا من الرؤساء الدينيين: رئيس أساقفة كانتربري، والحاخام الأكبر في روما، والدلاي لاما، ومطران كييف نائبًا عن بطريرك روسيا، ممثلين عن مختلف الحاضنات الإسلامية من العالم كله، وفي المقدمة مندوب الأزهر الشريف، ومبعوثين من البوذيين والهندوس والسيخ.

كان المشاركون في ذلك النهار يمثلون أربعة آلاف مليون نسمة (4 مليار) من 65 ديانة ومذهب وطائفة مختلفة. صلى البابا مع المندوبين المسيحيين في كاتدرائية «سان روفينو»، كما صلى الكهنة الكاثوليك بجانب الأئمة المسلمين على الأرض، وفى إحدى القاعات.

وفى ذلك اليوم، رأى البابا أن: «التحدي من أجل السلام يتخطى الاختلافات الدينية». وفي ملاحظة للنقد الذاتي أضاف: أنا مستعد للاعتراف بأننا نحن الكاثوليك لم نكن دائمًا دعاة سلام… ولهذا فصلاتي هي عمل تكفيري أيضًا.

في ذلك النهار اعتقد البابا يوحنا بولس الثاني أن الصلاة المشتركة لكل الرؤساء الدينيين، كانت نقطة التحول في الحرب الباردة وبداية النهاية لسباق التسلح حول العالم.

بعد نحو ثلاث عشرة سنة، وفي الخامس من مايو/ أيار من عام 1999، وقبل نهاية الألفية الميلادية الثانية بقليل، ومن خلال الكثير من الموازنات النظرية، وجد الڤاتيكان موقفه المبدئي حيال الإسلام، ووضع «يوحنا بولس الثاني» توجهات للحوار بين الكاثوليك والإسلام، وحظيت هذه التوجهات بالانتباه البالغ لدى المسلمين؛ حيث تم الاستشهاد بها مرارًا، ولم تزل سارية المفعول، كما كانت في السابق دائمًا، وورد فيها ما يأتي:

نقوم بتعميق موضوع الحوار بين الأديان، ونمعن الفكر الآن بإجراء حوار مع المسلمين الذين يعبدون معنا إلهًا واحدًا رحيمًا. إن الكنيسة تنظر إليهم بعين الإعزاز، فهي مقتنعة بأن إيمانهم بإله غيبي يسهم في إقامة عائلة إنسانية جديدة، تقوم على أسمى التوقعات النابعة من القلب الإنساني. فالمسلمون ينظرون مثلهم مثل اليهود والمسيحيين أيضًا إلى شخصية إبراهيم، بوصفها مثلًا أعلى للتسليم اللامشروط بأمر الله، والمؤمنون يسعون وهم ينحون منحى إبراهيم إلى وضع مكانة لله في قلوبهم، معتبرين إياه الأصل والرب والمدبر والهدف الأخير لكل كائن.

نحن المسيحيين نعترف، وكلنا فرح، بالقيم الدينية التي نشترك فيها مع الإسلام.

وأضاف البابا :أود اليوم أن أعيد ما قلته قبل سنوات لشباب المسلمين في الدار البيضاء: نحن نؤمن بالإله نفسه الواحد الحي، الله الذي خلق العوالم، وأتم خلقه لمخلوقاته.

ما الذي يعنيه الحوار بين أتباع الأديان في واقع الأمر ؟

بإختصار غير مخل  هو إشارة خاصة إلى الأمل الذي يفضي إلى معرفة وتقدير أعمق للطرف الآخر، وكلا التراثين؛ المسيحي والإسلامي، لهما تاريخ طويل من الدراسة والتأملات الفلسفية واللاهوتية، بالإضافة إلى الفن والأدب والعلوم، مما ترك لهما آثارًا في ثقافات الغرب والشرق.

إن عبادة الله الواحد الخالق لجميع البشر تشجعنا على تعميق معرفتنا المتبادلة في المستقبل، فالمسيحيون والمسلمون مدعوون، في عالم اليوم الموسوم بنسيان الله بصورة مأساوية إلى التحلي دائمًا بروح المحبة في العمل على الدفاع عن كرامة الإنسانية والقيم الأخلاقية والحرية ودعمها.

 

هل من خلاصة ؟

نعم إذا سرنا معًا على طريق المصالحة باستسلام خاشع لإرادة الله، وتنازلنا عن أي شكل من أشكال العنف على أنه وسيلة لحل الخلافات في الرأي، فإن بإمكان الدينين، أن يضعا معًا علاقة للأمل، وأن يجعلا حكمة ورحمة الله، الواحد الذي خلق العائلة البشرية وما زال يوجهها، تضيء العالم.

 

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]