في خطوة كانت متوقعة، مع ردود الفعل الصاخبة داخل الشارع الأردني، أقيل قاضي قضاة الأردن، إمام الحضرة الهاشمية الشيخ أحمد هليل، وصدرت الإرادة الملكية، أمس الأحد، بالموافقة على قرار مجلس الوزراء بتعيين الشيخ عبدالكريم سليم السليمان خصاونة قاضيا للقضاة، بعد ان أوعز مجلس الوزراء للشيخ أحمد هليل، بتقديم استقالته من جميع المناصب التي يشغلها.
كان قاضي قضاة الأردن، وجه رسالة إلى ملوك وأمراء وقادة دول الخليج العربي، طالبا الدعم الفوري للمملكة في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، وما يواجهه الأردن من تحديات تهدد استقرار وطن يمثل ركيزة قوية لأمن الخليج والأمن العربي القومي.
وقال أمام حشد من آلاف الأردنيين، في خطبة يوم الجمعة الماضي، من مسجد الملك حسين في عمان، وبثها التليفزيون الأردني الرسمي على الهواء مباشرة: “أخاطب بصفتي إماما للأمة وعالما من علمائها قادة وملوك وأمراء الخليج وحكامها وحكمائها وشيوخها، ونحن نقدر لهم مواقفهم التي وقفوها معنا على طول الأيام، وأقولها لكم بكل احترام وتقدير، لقد بلغ السيل الزبى، إخوانكم في الأردن ضاقت الأخطار حولهم واشتدت”.
وأضاف “إخوانكم في الأردن لكم سند وظهير وعون ونصير وظهركم، لقد ضاقت بإخوانكم الأردنيين الأمور، فحذار ثم حذار أن يضعف الأردن والأمور أخطر من أن توصف، فأين عونكم وأيادكم البيضاء وأموالكم وثرواتكم”.
وتداعت ردود الفعل، تجاه ما وصفوه بـ “اقتصاد المنابر” ، وانقسم نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، فيما بينهم بالموقف من الخطبة وما تضمنته من مضامين، فمنهم من يطالب بتفعيل الخطاب الديني في قضية تعتبر الخطر الأكبر على الأردن، وتتمثل بالفساد، وآخرون يرفضون إظهار المملكة وكأنها “ضعيفة”.. واعتبر نشطاء أن خطبة هليل، رسالة غير مباشرة تعكس مدى خطورة الوضع الذي تعيشه المملكة، خصوصا من الجانب الاقتصادي، وقالوا في تغريدات لهم على “فيسبوك” إن الوضع الاقتصادي “وصل لمرحلة من الصعب فيها معالجته”.
وقال الكاتب والمحلل السياسي الأردني فهد الخيطان، لـ«لغد»، أنه ليس مفاجئا القول إننا في الأردن نمر بظروف استثنائية، ونواجه تحديات اقتصادية غير مسبوقة، ولكن بالرغم من ذلك، لسنا دولة على حافة الانهيار كما يحاول البعض تصوير الأمر. لقد واجهنا ظروفا مشابهة في السابق وتمكنا من تخطيها، بتماسك الجبهة الداخلية، والقيادة الخلّاقة. إن أكثر ما يقلق على المستوى الداخلي هو افتقارنا لليقين الوطني، والشعور الطاغي بضعف المؤسسات، وعدم الثقة بالمستقبل.
ومن جانبه، يرى المحلل السياسي، د. باسم الطويسي، أن أصداء متناقضة على خطبة قاضي القضاة الدكتور أحمد هليل الجمعة الماضية التي وصفت بأنها غير مسبوقة، رغم أن أغلب الردود جاءت رافضة لمضمون الخطبة الذي وصف بنداء استغاثة موجه لدول الخليج العربي لمساعدة الأردن وإنقاذه من الأوضاع الاقتصادية التي يمر بها، حيث شغلت الخطبة شبكات التواصل الاجتماعي لساعات طويلة، وكان السؤال الأكثر ترددا هل وصلت أوضاعنا إلى هذا الحد؟.
وأضاف للغد: لم يعتد الأردن الرسمي تمرير رسائل سياسية للخارج من خلال منابر المساجد، ولكن وإن كان الرجل قد اجتهد، فإن الخطبة حملت رسائل سياسية للداخل والخارج معا؛ فصاحب الخطبة يشغل مناصب رسمية هي الأهم في المؤسسة الدينية الرسمية، والخطبة ألقيت في أحد أشهر مساجد عمان، ونقلت عبر التلفزيون الحكومي وحوّلتها وسائل إعلام رسمية وشبه رسمية إلى مضمون إعلامي متداول، وقد تفهم رسائل يوم الجمعة على أن عصر المنح الخارجية والعطايا المالية المرتبطة بأجندة سياسية في طريقه إلى الزوال، وكما أن على الرأي العام الأردني أن يعي ذلك، وعلى الأردنيين أن يستعدوا لهذا التحول جيدا على المستوى الرسمي والشعبي، وأن يدرك أن الأردن سيجد نفسه مجبرا لتغيير سلوكه الإقليمي والدولي بما يخدم مصالحه ويخدم قدرته على الاستقرار والاستمرار.
وقالت الكاتبة جمانة غنيمات رئيس تحرير صحيفة الغد الأردنية، إن إمام الحضرة الهاشمية، قاضي القضاة سماحة الشيخ أحمد هليّل، لم يفش سراً بقوله في خطبة يوم الجمعة الماضي، إن الأردن يمرّ في أزمة مالية خانقة، داعياً دول الخليج العربية إلى أن تهبّ لنجدته. فقد بات معروفاً أن التحدي الاقتصادي هو المشكلة الأكبر التي تمر فيها المملكة. وما خطب به هليل هو، أساساً، إعلان غير مباشر بتوقف المنح العربية، الأمر الذي يزيد من تعقيد المشكلة ويعمقها، خصوصاً أن الموازنة العامة اعتمدت خلال السنوات الماضية على المنحة الخليجية في تمويل النفقات الرأسمالية.
وترى “جمانة” أن ما أخطأ فيه قاضي القضاة، هو استخدامه منبراً دينياً لطلب عون الأردن ومساعدته قبل فوات الأوان؛ وبأسلوب استفزّ الأردنيين، ومنهم مسؤولون، رغم أنهم يدركون مدى الحاجة إلى مثل هذه الأموال في ظل الظرف الصعب. ولتكون النتيجة تعرّض الشيخ للهجوم لوابل من ردات الفعل المتوقعة لمن يعرف طبيعة المجتمع الأردني المعتز بنفسه. كما استثارت الخطبة هجوماً من نشطاء التواصل الاجتماعي في دول خليجية؛ تساءلوا عن مصير الأموال التي تقدمها دولهم للأردن، وسط اتهامات للحكومات بإضاعة المال وهدره. علماً أن ما قدّمته دول الخليج للأردن ليس منّة كما يظن البعض، بل هو حق له؛ لدوره الجيوسياسي المهم في مختلف الملفات الشائكة التي تعاني منها المنطقة، وعلى رأسها الحرب على الإرهاب.
