الإقامة الأدبية ومعتزلات الكتابة.. محاولة لانتشال الكتّاب من «طاحونة الحياة»
أعلن مؤخرًا «بيت التلمساني»، في مصر، فتح باب التقديم في «منحة كتابة وإقامة أدبية»، بالتعاون مع دار صفصافة للنشر، ومهرجان القاهرة الأدبي.
وكانت وزارة الثقافة السعودية قد دشنت قبل سنوات برنامج «معتزل الكتابة» الذي يمثل أيضًا منحة للإقامة الأدبية، وتستضيف من خلاله المملكة مجموعات من الكتاب العرب بغرض التفرغ المؤقت للكتابة.
فما «الإقامة الأدبية»؟ وكيف يمكن أن تساعد الكتاب وتسهم في تطوير كتاباتهم؟
ويحدد موقع معتزلات الكتابة التابع لوزارة الثقافة السعودية، أسباب احتضان الوزارة لنشاط «الإقامة الفنية والمعتزلات»، ويرد في الموقع: «يأتي هذا المشروع بهدف رفع معدل الإنتاج الأدبي وصقل مهارات الكُتّاب من خلال الوجود في بيئات ملهمة ومنعزلة، وتبادل الخبرات مع كتاب من ثقافات مختلفة محلية وعربية وعالمية».
لكن كيف يمكن للإقامة في مكان آخر غير المدينة التي ينتمي إليها الكاتب، أن تطور الكتابة؟
تحسين مستوى الكتابة
يمكن الإجابة عن هذا السؤال من خلال حكاية الشاعر العباسي، علي بن الجهم (803 – 863).
وكان ابن الجهم شاعرًا بدويًّا، وأراد يومًا أن يمدح الخليفة المتوكل، بغرض نيل بعض العطايا والمنح، فقصد الشاعر البدوي بغداد، ومَثُل بين يدي الخليفة، وأنشد أبيات المدح التي تقول:
أنت كالكلب في حفاظك للود/ وكالتيس في قرع الخطوب/ أنت كالدلو لا عدمناك دلوًا/ من كبار الدلا كثير الذنوب.
ورغم قسوة المفردات والتشبيهات التي استخدمها ابن الجهم، فإن الخليفة قد أدرك صدق نيته، ولذلك لم يعاقبه، وإنما أمر له بمنزل ذي بستان على نهر دجلة قرب الجسر وسط بغداد، بغرض أن تهذب المدينة والطبيعة الجميلة، أخلاق الشاعر البدوي وألفاظه.
وبعد أشهر قليلة، استدعى الخليفة المتوكل، الشاعر علي بن الجهم، وطلب منه أن ينشده الشعر، فقال الشاعر البدوي بيت الغزل الشهير:
عيون المها بين الرصافة والجسر/ جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري.
وأثبتت تلك المحاولة لتطوير الشاعر البدوي، أن المكان أو البيئة، لها دور حيوي للغاية في تطوير الكتابة.
تفرغ مؤقت
من الأسباب التي تجعل الإقامة الأدبية ذات أهمية، فكرة أن تلك الإقامة، المدفوعة التكاليف من جانب الجهة المستضيفة، يمكنا أن تنتشل الكاتب من «العمل اليومي» الذي يستهلك الوقت والطاقة، لتوفر له في المقابل «فترة تفرغ مؤقت»، يسهم في منح الكاتب فرصة لإنتاج المزيد من النصوص الأدبية.
كيف تستفيد المدينة المستضيفة؟
لا تقتصر منافع منح الإقامة الفنية على الكاتب المشارك فيها. وإنما تمتد بالمثل إلى المدينة التي تستضيف الإقامة، فلا تخلو إقامة أدبية من ترتيب ندوات نقاشية يمكن لسكان المدينة المستضيفة حضورها، كما يتم ترتيب زيارات ميدانية للكتاب الموجودين بالإقامة، إلى بعض المؤسسات المحلية، كالمدارس، حيث يتناقش الكتاب مع الطلاب، أو حتى مثل «السجون»، حيث يجري ترتيب نقاشات بين الكتاب ونزلاء السجون، بغرض «الدمج المجتمعي» لهؤلاء النزلاء عن طريق الاحتكاك مع الفنانين والأدباء.
وبخلاف ذلك، يتم الترويج سياحيًّا للمدينة المستضيفة، وذلك من خلال الكتاب الموجودين بالإقامة الأدبية، والذين يقومون بنشر تجاربهم وخبراتهم المستفادة من فترة الإقامة الأدبية، وهو الأمر الذي يمثل نوعًا من الدعاية لتلك المدن المستضيفة.
محاولة لتذكير الكاتب بأنه كاتب
تقول الروائية المصرية نهلة كرم، التي خاضت تجربة «معتزل الكتابة» في المملكة العربية السعودية: «معتزل الكتابة بمنزلة إغلاق لكل الأصوات والضجة المحيطة، لكي يتمكن الكاتب من أن «يسمع نفسه».
وتضيف صاحبة «الموت يريد أن أقبل اعتذاره»: «يوفر معتزل الكتابة فرصة للكاتب لتجاوز زحام العمل، بل يصل الأمر إلى تهيئة الظروف، بحيث يكون الكاتب مجبرًا على الكتابة».
وتوضح: «معتزلات الكتابة يسهمن في تذكير الكاتب بأنه كاتب قبل أي شيء آخر، كما يسهم وجود كتاب آخرين في المعتَزَل أو الإقامة، في توفير دائرة دعم، تجعل أجواء الكتابة متوفرة خلال المعتزل أو الإقامة الأدبية».
