رغم نفي الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، وجود خلافات أو سوء تفاهم، بينه وبين زعيم حركة النهضة الإسلامية، راشد الغنوشي، إلا أن الساحة السياسية في تونس، تشهد حالة من الجدل حول علاقة “الشيخين” وتأثير ذلك على الوضع داخل الحزبين الكبيرين “نداء تونس والنهضة”.
العلاقة بين “السبسي والغنوشي”، حسب تقارير الدوائر السياسية في تونس، تمثل محورا لتوازن القوى السياسية داخل المشهد التونسي، وأي تصدع في العلاقة، ينعكس بالضرورة على الوضع الداخلي “سياسيا وأمنيا واجتماعيا” بفعل الخلل في الهيكل السياسي التنفيذي، وتأثيره على الاستقرار في تونس.
وما يتردد داخل الساحة التونسية، عن الخلافات بين الرئيس التونسي السبسي ورئيس حركة النهضة الغنوشي، ، انتقل إلى ما وصفه المراقبون في العاصمة التونسية، بحملات تشويه ممنهجة للشيخين، وعدم التوافق على برامج حكومة الشاهد الجديدة “حكومة التوافق الوطني” إلى جانب ما يواجهانه من صراعات تنبىء بانشقاقات داخل حزبيهما.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي التونسي، خالد الحداد، أنّ المستهدف من الترويج للخلافات بين الشيخين، ليس حركة النهضة التي يغازلها «الجميع» في السر ، بل المستهدف هو رئيس الجمهورية “السبسي” لعزله وحرمانه من حليف أثبت أنّه جاد في رهانه على الباجي قائد السبسي وخطه، وبالتالي خلط الأوراق في المرحلة القادمة. وأنّ انزعاج النهضة مما يحدث مردّه كما يرى الملاحظون أسباب عديدة على رأسها أنّ الخط الرسمي للحركة ورغم ما حدث في الانتخابات الرئاسية يعتبر رئيس الجمهورية ضمانة للاستقرار في البلاد وأنّ أي محاولة لإرباكه أو إضعافه باستدراجه لمعارك وهمية أو هامشية ستغيّر توازنات المشهد السياسي لصالح «المتطرفين» في النهضة والنداء والقوى الأخرى التي لا تفكر الآن الا في خلافة “الباجي” ووراثة النداء.
والواضح أنّ صبر الغنوشي قد يكون بدأ في النفاذ، إزاء محاولات تحويل حكومة الشاهد الى حكومة حرب على سياسة التوافق، انطلاقا من افساد العلاقة بين رئيس حركة النهضة ورئيس الجمهورية أو التأويلات الخاطئة للتعيينات الأخيرة في سلك الولاة “المحافظين” ، ولذلك أطلقت قيادة النهضة تصريحات حادة، مندّدة بما وُصفته بحملة لتشويه الغنوشي والايحاء بوجود برود أو قطيعة بينه وبين الرئيس مُوحية بفشل سياسة التوافق في تحقيق مكاسب.
راشد الغنوشي، بحسب توضيح “الحداد” ، كان واضحا في اتهام أطراف لم يسمها بالسعي إلى ضرب سياسة التوافق. ولكن مصادر قريبة من داخل حركة النهضة، توجه الاتهام صراحة الى «مقربين» بالوقوف وراء الخطة وإدارتها من قصر الرئاسة مباشرة بإعطاء «تعليمات» للإعلاميين بإبراز الخلافات داخل النهضة وتضخيم موضوع الخلافات بين «الشيخين» وتكثيف التحاليل حول موضوع الجبهة المزمع تشكيلها، وظاهرها وراثة حزب نداء تونس، في ظل ما يتخبّط فيه من مشاكل، ولكن باطنها استعداد “لافتكاك” الدولة كما يقول النهضويون، وحسب تعبيرهم، وربطوا تشكيل الجبهة بقطيعة في الأفق بين النداء والنهضة، لتشجيع الصقور على مزيد من انتقاد خط التوافق الذي يقوده رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، ومن ثم إعادة التموقع داخل الحزب وداخل المشهد السياسي الوطني.
وبات واضحا، وبعيدا عن مواقف الشيخين، والتفاهم بينهما، فإن الحركة غير المستقرة داخل الحزبين “النداء وحركة النهضة” تدفع باتجاة تزكية الخلافات بين الشيخين، خاصة التحرّك المكثّف لبعض الوجوه المحسوبة على تيار الصقور داخل النهضة المعترض على نتائج المؤتمر الأخير للحركة، والمتمسّك بالرفض لسياسة التوافق وخيار الوحدة الوطنية ومسار التسويات الذي تم مع فاعلين في الساحة، وأبرزهم الرئيس الباجي قائد السبسي وحزب نداء تونس ومجموع تيارات وأحزاب الدساترة والتجمعيّين، بحسب تحليل خالد الحداد،
والحركة المضادة الثانية، من داخل حزب نداء تونس، ممثلة في خصوم حافظ قائد السبسي “ابن الرئيس السبسي” المدير التنفيذي للنداء، ويتهمون حركة النهضة بأنها لعبت الدور الأبرز في دعم ” حافظ السبسي” وتثبيت موقعه في الحزب على حساب الراغبين في إزاحته، ولعل ما يؤكد ذلك حرص “الغنوشي” نفسه على المشاركة منذ أشهر في أوّل اجتماع لتنسيقية الائتلاف الرباعي في مقر النداء، في رسالة دعم قوية لنجل الرئيس وخط سي الباجي.
ومن يريد إفساد العلاقة بين “الشيخين” لا يهتم بالعلاقة الشخصية بينهما، ولكن الهدف هو ما بني علي تلك العلاقة من توافقات، مازالت على ما يبدو هشة ويمكن نسفها في أي لحظة، وهي توافقات يبدو أنها تؤثر في حسابات كثير من المعنيين بوراثة رئيس الجمهورية وخلافته، والانقضاض على حزبه، عبر أسهل البوابات وهي قطع علاقته بأوثق حلفائه بل وربما الزج به في مغامرة غير مأمونة العواقب.
ويؤكد المحلل السياسي التونسي، خالد الحداد، أن هذا الهدف لن يتحقق، وهذا الشيء لن يحدث بسهولة، كما يرى من يعرف عن قرب رئيس الجمهورية وقدرته على اكتشاف الفخاخ التي تنصب له بل وقلبها على أصحابها في الوقت المناسب. في ظل رعاية مسار الوحدة الوطنية والتوافق ومحاولة احتضان كل الخلافات وإيجاد الحلول لقضايا البلاد العالقة.
